نداء بوست – ترجمات – واشنطن إكزامينر
يُردّد المعُلّقون لازمة مشتركة مفادها أن العدوان المتصاعد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتجذر في تقاطُع انعدام الأمن لدى بوتين مع كبريائه.
فحُجتهم هي أن بوتين يهدد بالحرب مع أوكرانيا ويطالب بتنازلات من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي من أجل جذب الانتباه وتقديم روسيا كقوة عظمى.
لكن هذا التقييم مُخطئ في قراءة بوتين، فالرئيس الروسي لا يفعل ما يفعله لأنه يريد الاهتمام وإنما من أجل انتزاع تنازُلات ملموسة، ولو لم تكن روسيا قوة عظمى، فلن يكون هناك قلق كبير بشأن ما قد يفعله بوتين بعد ذلك أو كيفية التعامل معه.
قد يكون الاقتصاد الروسي أصغر من اقتصاد كندا وإيطاليا وأكبر قليلاً من اقتصاد دولة أستراليا الصغيرة نسبياً ولكن مع ذلك، يتمتع بوتين بأدوات قوّة تسمح له بالوصول إلى أبعد من حدوده الاقتصادية.
وعلى الجبهة العسكرية، تحتفظ روسيا بقوات هجوم نووية قوية كما تمتلك روسيا أكبر عدد من الرؤوس الحربية النووية مُقارنةً بأي دولة، أي ما يقرب من 6200 كعدد إجمالي.
وفي عام 2022، سيكون لدى البحرية الروسية 12 غواصة صاروخية باليستية قابلة للنشر، بما في ذلك خمس من أكثرها تطوُّراً من فئة "بوراي" (البحرية الأمريكية تقوم بتشغيل 14 غواصة للصواريخ الباليستية).
ويوجد الآن أسلحة روسية إستراتيجية جديدة منافسة وفي بعض الحالات تتجاوز القدراتِ الأمريكيةَ المنتشرةَ.
كما أن الحرب الإلكترونية والقدرات العسكرية الفضائية لروسيا متطورة بنفس القدر وقوات الغواصات الهجومية الروسية وقوات الصواريخ والمدفعية ووحدات المشاة الآلية قادرة أيضاً ومجهزة جيداً بشكل عامّ (على الرغم من نقص مخزون الذخيرة والروح المعنوية).
إن هذه هي القوة السياسية في ذروتها: وسائل الاستفادة من التنازلات السياسية عبر تهديد حقيقي بالدمار، حيث تمنح روسيا لنفسها نفوذاً جيوسياسياً ضخماً في مجالات أخرى.
لقد اختار بوتين مجموعة واسعة من السياسيين ذوي النفوذ والمصالح التجارية في أوروبا، بفضل التمكين الجزئي من قِبل إدارة بايدن، وأحكمت روسيا أيضاً قبضتها على سوق الطاقة الأوروبية.
وكما نرى في هذه اللحظة بالذات، فإن هذا يسمح لبوتين بالتلاعب بالأسعار والابتزاز للحصول على التنازلات السياسية مقابل إمدادات الطاقة وخاصة خلال الشتاء الأوروبي البارد.
يدعم سياساتِ بوتين فشلُ الحكومات الغربية في كبح جماح روسيا ورَدْعها، كما تتبنى أجهزة المخابرات الروسية ثقافة العدوان إلى جانب سياسة تحمُّل المخاطر الشديدة، كما أنها تتبنَّى القيام بالاغتيالات والتي لا يتم الكشف عنها بشكل عامّ. وكذلك، فإن أجهزة المخابرات الروسية، وخاصة جهاز المخابرات الخارجية SVR، تستفيد من التصور الغربي بأن ضباطها رديئُو المستوى على الصعيد العالمي.
وتدعم كل هذه الجهود عملية التنشئة المتعمدة للخوف من أن روسيا قد تكون قادرة على أي شيء، ولذا فمن الأفضل أن تفعل ما يريده بوتين، فقد قام بوتين بإعطاء انطباع للعالم تجاه تجاهُله المخيف للمعايير الدولية سواء من خلال قصف الطائرات الروسية للمستشفيات في سورية، أو نشر جهاز الأمن الفيدرالي "FSB" لعصابات الفدية داخل الشبكات الأمريكية، أو من خلال قيام "GRU" بأعمال جنونية مع المرتزقة في إفريقيا.
هذا له تأثير سياسي حيث تتمتع كل من مصر وإسرائيل وإيران والأنظمة الملكية العربية السُّنية بعلاقات جيدة مع روسيا، ويسعى كل منهم للحصول على دعم روسي ليس لأنهم يحبون بوتين ولكن لأنهم لا يريدون أن يفقدوا نفوذهم معه.
في حالة المملكة العربية السعودية، على وجه الخصوص، فإن الدولة مُستعدة لدفع أموالٍ ضخمةٍ مقابل هذا الامتياز، وحتى في خضمّ التوترات الكبيرة مع الصين، تواصل الهند إعطاء الأولوية لصادرات الأسلحة الروسية والتعاون الدولي، وفي هذه النقطة، وعلى الرغم من أن الروابط الروسية مع الصين لا تزال مؤقتة، إلا أنها تعزز قدرة بوتين على تحدي الولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ.
المستفاد من كل هذا هو أن عدوان بوتين لن يتم صده من خلال معاملته على أنه مُشاكس مُدَّعٍ. فكما يتضح من ممارسات بوتين الدولية، فإن قوة بوتين حقيقية يتم ممارستها لكي تُحدث تأثيراً.
ففي مواجهة الامتدادات السلبية لهذه القوة والزخم الأيديولوجي المعادي لأمريكا الذي يوجهها، لا يمكن بالتالي صدّ بوتين إلا من خلال تطبيق قدر أكبر من العزم والقوة ضده.