"نداء بوست" -المتابعة والتحقيقات – محمد الشيخ – إدلب
أدى الهجوم الواسع الذي نفذته قوات النظام السوري مدعومة من روسيا وإيران على أرياف إدلب وحماة وحلب، عام 2019 والذي استمر لعدة أشهر، إلى موجة نزوح هي الأكبر في العصر الحديث، حيث تقدر الأمم المتحدة ترك قرابة المليون سوري لمنازلهم بشكل جماعي والتوجه نحو المناطق الأكثر أمناً.
معظم النازحين لم يجدوا سوى خيمة في ظل شجرة زيتون ليرقدوا بها إلى جانب أطفالهم، رغم أنها في أكثر الأحيان لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء.
دفعت هذه المأساة الكبيرة العالم والمبتكر السوري المغترب الدكتور المهندس عدنان وحود إلى البحث عن حل لمعاناة أهله السوريين النازحين وتأمين بديل لهم، وإن كان لا يعوضهم عما فقدوه وتركوه لقمة سائغة للنظام والميليشيات الإيرانية.
وبناء على ذلك، أطلق وحود فكرة "سقف يأويهم" لتأمين منزل بأربعة جدران لعدد من النازحين، وفق إمكانياته الفردية وبمساعدة من بعض أصدقائه، وهو ما ترجمه بشكل فعلي على أرض الواقع من خلال بناء قرية "التُوبات" بريف إدلب الشمالي، والتي أمنت المسكن لعشرات الأسر النازحة من إدلب وحلب وحماة وحمص ودرعا.
وللوقوف على هذه المبادرة وتسليط الضوء عليها، أجرى موقع "نداء بوست" لقاء مع الدكتور وحود، وفيما يلي نص الحوار:
"نداء بوست": كيف جاءت فكرة القرية؟
د وحود: فكرة القرية جاءت من أنه طالما أن السوريين قد هُجّروا من مدنهم وقراهم وما زالوا على الأراضي السورية، فلا بد لهم من أن يسكنوا بشكل طبيعي في منزل ومحيط تتوفر له المرافق العامة، والاهتمام بالأطفال والتعليم والصحة، وإن كانت المساحة أصغر مما كانوا يملكونه إلا أنها تعتبر بديلاً أفضل من السكن في الخيام.
ففي عام 2019 شعرنا بالحركة العسكرية الكبيرة وموجة التهجير التي نتجت عنها، فبدأنا بالبحث عن مكان لشرائه من أصحابه، حيث تم في بادئ الأمر شراء 15 دونماً ومن ثم شراء 5 أخرى بسبب الإقبال الكبير، وبعد ذلك بدأت الخطة لاستقبال النازحين الذين خرج معظمهم دون أي أمتعة وسكنوا الخيام مباشرة.
ومطلع عام 2020 بدأ تنفيذ المخطط الذي يهدف إلى إنشاء وحدات سكنية رباعية، كل وحدة تضم 4 بيوت، منفصلة عن بعضها بطرق وحدائق، ومن ثم تم الإعلان عنها أنها للبيع بعد حساب التكاليف التي تم وضعها من تسوية الأرض والأساسات والطرقات ومرافق الصرف الصحي، حيث بلغت كلفة الكتلة الوحدة 3200 دولار أي 800 دولار للشقة الواحدة.
بعد ذلك تم الاتفاق على إقراض النازح ثمن هذه الأرض، على أن يعيده على دفعات تبلغ قيمتها الشهرية 10 دولارات، أي بعد 6 سنوات تصبح الأرض ملكاً للنازح.
هذه الخطوة شجعت الأهالي، حيث شهدت القرية إقبالاً كبيراً، وبعد ذلك بدأت الأسر ببناء منازل لها أو حتى بناء خيمة على الأرض التي تملكها.
"نداء بوست": كم عدد الأسر التي تقطن القرية، وما الخدمات المقدمة لها؟
د وحود: يقطن القرية 125 أسرة وكل منزل قابل أن يحمل منزلاً آخر فوقه، في حال كبرت الأسرة، كما تم وضع قيود للبناء بحث تكون مساحة الشقة 64 متراً وتترك مساحة متر حول المنزل وألا يكون الارتفاع أكثر من مترين ونصف المتر.
أثناء شروع الناس ببناء المنازل، بدأت لجنة القرية بتهيئة المرافق العامة من مركز صحي يضم عيادة وصيدلية يقدم خدماته بشكلٍ مجاني كامل، ومدرسة وروضة ومن ثم جامعاً.
بعد ذلك تم التخطيط لإيجاد مهن لسكان القرية، حيث جرى افتتاح ورشة خياطة بناء على فكرة رجل يعمل خياطاً، ومن ثم تم توسيع الكادر بإضافة ست نساء إليه.
وباتت هذه الورشة تقدم الألبسة لجميع أطفال القرية بشكل مجاني، حيث يتم شراء الأقمشة من أموال التبرعات ثم تقوم النساء بتفصيل الملابس وتوزيعها على الأطفال.
أيضاً يجري تشغيل الشباب المقيمين في القرية في الأعمال التي يتم تنفيذها كالبناء ورصف الطرقات مقابل أجر، فبدلاً أن يتم إحضار عمال من الخارج يتم استثمار اليد العاملة الموجودة في القرية.
وكمثال على ذلك، قمنا بدلاً من دفع الأموال للشركات الخاصة لتزفيت طرقات القرية، بالاستعانة بعدد من الشبان الذين قاموا بتقطيع الحجر وآخرين قاموا برصفه في الطرقات، وبذلك تم صرف الأموال كأجور للعمال بدلاً من صرفها للشركات.
كذلك تم افتتاح مخبز معجنات بناءً على طلب خمسة من الشبان المقيمين في القرية، حيث تم إحضار المواد الأولية وتخصيص أجر يومي لهم إلى حين انطلاق العمل بالشكل المناسب وإلى أن يصبح الإنتاج يغطي التكاليف.
وبالنسبة للمدرسة تضم قرابة 250 طالباً من مختلف المراحل، ويتم تقديم رواتب شهرية للمعلمين الذين هم من سكان القرية أيضاً، فيما تضم الروضة قرابة الأربعين طفلاً ويشرف عليها مختصون تربويون، وذلك بسبب الحرص على تهيئة جيل يكون صالحاً لبناء مجتمع عليه.
"نداء بوست": ما هي خططكم المستقبلية؟
د وحود: بالنسبة للمستقبل وإمكانية توسيع القرية فالتحدي الرئيسي هو المحافظة على هذا النظام الذي تم وضعه، وأقلمة الناس على نظام داخلي حضاري، كالذي يتم اتباعه حالياً، كمنع وضع أكياس القمامة على الأرض وتهدئة الأولاد ومنع الفوضى واحترام الإنسان، وزرع فكرة العدل لدى الأهالي بأن كل شخص سيصله حقه دون الحاجة إلى مشاكل أو غير ذلك، إضافة إلى منع الكلام البذيء والشتائم وسب الذات الإلهية، والذي يعرض الأسرة لمغادرة القرية.
هذا النظام أدى إلى حالة من التآلف بين الأهالي وزيادة المودة فيما بينهم رغم أن سكان القرية من عدة محافظات سورية.
"نداء بوست": أين تذهب العشرة دولارات التي يتم جمعها، وهل تتلقون مساعدة من المنظمات؟
د وحود: بخصوص العشرة دولارات التي يتم استردادها من الأهالي يتم إعادة المبلغ الشهري المجموع إلى الأشخاص الذين تمت الاستدانة منهم في بداية تنفيذ المشروع، حيث لا توجد تبرعات مالية ثابتة أو كتلة محددة كل شهر، وإنما تأتي التبرعات من الأصدقاء وجميعها شخصية.
لم تقدم أي منظمة أية خدمات لهذه القرية باستثناء إحدى المنظمات التي تقدم مساعدات بجمع النفايات وسحب الجور الفنية وأخرى تقدم الرعاية الطبية للمواشي بين الحين والآخر.
"نداء بوست": ما هي رسالتكم إلى سكان المخيمات؟
وحود: رسالة إلى سكان المخيمات، بأن يشكلوا مجموعات ويبنوا نواة قرى في الأماكن البعيدة وأن يبادروا إلى الخروج من المخيمات لأن المخيم مهما تم البناء فيه سيضيع، إن بناء القرى أمر ضروري لأن ذلك حتى في حال العودة إلى مدنهم وبلداتهم لن يضرهم.
كما نأمل أن يتم تأسيس معاهد للتعليم المهني تكون رديفة للجامعات، لأن الشهادات وحدها لا تبني الأوطان ولا بد من أشخاص ميدانيين ذوي اختصاص من كافة المجالات.