محمد الشيخ – نداء بوست
في خطوة وصفت بالمفاجئة، أعلنت “الجبهة الشامية” إحدى مكونات “الفيلق الثالث”، في الجيش الوطني السوري، و”فرقة السلطان مراد”، المنضوية ضمن “الفيلق الثاني”، عن تشكيل غرفة قيادة موحدة تحمل اسم “عزم”، وتعيين “مهند الخلف” الملقب بـ”أبي أحمد نور”، قائداً لها، و”فهيم عيسى” نائباً له.
وهذا الإعلان هو ثمرة لسلسلة من الاجتماعات التي عقدتها قيادة كلا التشكيلين خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث تم خلالها العمل على تقريب وجهات النظر، وبحث آليات التنسيق والعمل المشترك، لمواجهة التحديات الأمنية التي تهدد مناطق انتشار الفصيلين في ريف حلب الشمالي والشرقي.
ولا ترقى غرفة القيادة هذه إلى وصفها بأنها اندماج كامل، وإنما هي تنسيق أمني وعسكري بين “الجبهة الشامية” التي ستبقى في “الفيلق الثالث”، و”فرقة السلطان مراد”، التي ستستمر بدورها في “الفيلق الثاني”، بهدف تنفيذ حملات أمنية مشتركة والتحرك على خطوط التماس مع قوات النظام السوري و”قسد” بشكل مشترك أيضاً.
وبحسب مصادر خاصة لموقع “نداء بوست” فإن فكرة هذه الغرفة جاءت بعد لقاءات عقدها قياديون في الجيش الوطني مع الجانب التركي، التمسوا خلالها وجود توجه ورغبة لدى تركيا بضبط منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي أمنياً وتوحيد جهود فصائل الجيش الوطني.
ولم يطرح الجانب التركي خلال تلك اللقاءات أي آلية أو خطة لضبط المنطقة، إلا أن قيادات الفصائل أخذت هذه المؤشرات وبدأت بالعمل على تطبيقها على الأرض من خلال تنسيق الجهود فيما بينها.
يضاف إلى ذلك، وجود مخاوف لدى الفصائل من تعرض مناطق انتشارها لاختراقات أمنية من قبل “هيئة تحرير الشام”، خاصة بعد الصور التي نشرها القيادي البارز في الهيئة “جهاد الشيخ” الملقب بـ”أبي أحمد زكور”، من مدينة “أعزاز”، في 30 حزيران/ يونيو الماضي، وقال إنه يجري جولة في المنطقة رفقة القيادي الآخر “أبو ماريا القحطاني”.
وعلقت حسابات مقربة من التنظيمات الجهادية في سوريا على الصورة، بالقول إن زعيم “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، أوكل لـ”زكور” و”القحطاني” مهمة اختراق فصائل الجيش الوطني، تمهيداً لتفكيك تلك الفصائل والهيمنة على مناطق سيطرتها فيما بعد.
وزاد من مخاوف فصائل الجيش الوطني، تسرب عدد من عناصر التشكيلات الجهادية التي تتفكك في إدلب إلى ريف حلب، مستغلة ضعف التنسيق الأمني بين الفصائل، وكما هو معلوم فإن تلك التنظيمات لا تكن الود للجيش الوطني.
تلك المخاوف، إضافة إلى التحديات التي تواجه المنطقة أصلاً كالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة، وعمليات التهريب مع مناطق سيطرة النظام و”قسد”، والتي ساهمت بانتشار المخدرات ورواجها، دفعت “الجبهة الشامية” و”السلطان مراد” لإعلان غرفة القيادة الموحدة، وإن لم يفصحا عن هذه الأسباب في البيان التأسيسي.
وأكد القيادي في “الجبهة الشامية”، “محمد الخطيب” أن هدف الغرفة هو توحيد العمل العسكري والأمني، ومواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، والعمل على القضاء على بؤر الجريمة وتجارة المخدرات في الشمال السوري.
وأشار “الخطيب” في حديثه لموقع “نداء بوست” إلى أن المنطقة تعاني من خلل أمني أثر على مختلف جوانب الحياة، سببه بعض التجاوزات والمحسوبيات، معتبراً أن ذلك دفع أكبر تشكيلين في الجيش الوطني إلى إعلان هذا “التحالف الوثيق”.
وحول فرص تحول هذا التحالف إلى اندماج كامل بين الفصيلين، قال “الخطيب” إن هناك عدة خطوات مشتركة ستقوم بها غرفة “عزم” ولن يقتصر عملها على التنسيق الأمني، بل سيتعداه إلى تنسيق يشمل توحيد آلية عمل الحواجز ونقاط التفتيش، وإدارة المعابر وباقي المكاتب.
وتسيطر “الجبهة الشامية” على معبر “باب السلامة” الحدودي مع تركيا، ولديها انتشار في منطقة “عفرين” و”الباب”، و”جرابلس”، و”الغندورة”، و”قباسين”، ومنطقة عمليات “نبع السلام” شمال شرقي سوريا، فيما تعتبر مدينة “أعزاز” شمال حلب معقلها الرئيسي.
فيما تنتشر “فرقة السلطان مراد”، في “عفرين” وعدد من القرى والبلدات التابعة لها، و”الباب”، و”بزاعة”، و”جرابلس”، وتعتبر مدينة “الراعي” شرق حلب معقلها الرئيسي، وتسيطر على معبر “أبو الزندين”، وهو المعبر التجاري الوحيد الذي يربط مناطق شمال وشرق حلب بمناطق سيطرة النظام السوري.
“عزم” تثير مخاوف فصائل في الجيش الوطني
أكدت مصادر خاصة لموقع “نداء بوست” أن هذه الخطوة أثارت مخاوف لدى عدد من فصائل الجيش الوطني من بينها “فرقة الحمزة”، و”فرقة سليمان شاه”، و”فرقة ملكشاه”، واعتبروها أنها اصطفاف ضدهم ومحاولة للاستحواذ على القرار العسكري والأمني بالمنطقة، ومسألة أبعد من عملية ضبط الأمن أو تنسيق جهود.
المصدر ذاته، أشار لموقع “نداء بوست” إلى أن “فرقة المعتصم” أبدت تحفظها على إقامة تشكيلات جديدة، ورأت أن البديل عنها يكون بإقامة مشروع جامع ومدروس تحت مظلة الجيش الوطني، يقوم على توحيد صفوف الفصائل وتنظيم حملات منظمة لمحاربة الفساد.
وأجرت قيادات من “الجبهة الشامية” و”السلطان مراد”، مباحثات مع عدد من فصائل ومكونات الجيش الوطني، لبحث فكرة غرفة القيادة الموحدة إلا أن تلك المشاورات لم تصل إلى أي نتيجة، ليتم بعدها الإعلان عن غرفة “عزم”.
القيادي في “الجبهة الشامية”، “محمد الخطيب”، رفض اعتبار أن هدف الغرفة هو الاستحواذ على قرار ريف حلب، أو تشكيل اصطفاف ضد باقي الفصائل أو ضد أي تشكيل آخر، مشيراً إلى أن قيادة “عزم” تركت الباب مفتوحاً أمام باقي التشكيلات للانضمام إليها ضمن شروط وضوابط عمل الغرفة.
ورأى “الخطيب” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن “ما يطمئن بقية الفصائل هو ترك الباب مفتوحاً للدخول إلى الغرفة، وهو أمر مرحب به”، مؤكداً أن الاجتماعات مع بقية المكونات للدخول في هذه الغرفة ما زالت مستمرة.
فرص نجاح “عزم”
من غير الممكن الحكم على مدى إمكانية نجاح أو فشل هذه الغرفة، بعد ساعات فقط من إعلان تشكيلها، على الرغم من تنفيذها الليلة الماضية، عملية أمنية هي الأولى لها في مدن “أعزاز” و”عفرين” و”جرابلس”، أسفرت عن اعتقال عدد من تجار ومروجي المخدرات في المنطقة وضبط أسلحة ومواد مخدرة بحوزتهم.
وتعرضت تلك الحملة رغم اعتقالها أكثر من 20 مروجاً للمخدرات لانتقادات، بسبب عدم استهدافها للتجار الكبار المعروفين في المنطقة، واقتصارها على المروجين “الصغار”.
وقد يكون اقتصار الغرفة على فصيلين من فيلقين مختلفين رغم تعدادهما الكبير، تحدياً أمام النجاح بحد ذاته، بسبب تواجدهما في مناطق محددة، وغياب فصائل فاعلة وصاحبة قرار في مناطق شاسعة عن هذه الغرفة.
ويرى الناشط “معتز ناصر” أن مدح أو ذم هذه الغرفة مرتبط بالإنجازات التي ستحققها، كضبط الوضع الأمني بشكل عام، وخاصة المشكلات اليومية كإطلاق النار في المناسبات وموضوع التفجيرات، وإعادة الأملاك التي صادرها “المفسدون” إلى أصحابها الأصليين.
واعتبر “ناصر” في حديثه لموقع “نداء بوست” أن نجاح الغرفة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى كفاءة القائمين عليها، وقدرتهم على مواجهة التحديات، واتخاذ القرارات الجريئة، وكسب الحاضنة الشعبية.
من جانبه، قال الباحث في مركز “جسور” للدراسات، “عباس شريفة”، إن هذه الخطوة يمكن النظر إليها على أنها نوع من التنسيق العالي والتعاون الأمني والعسكري كخطوات تمهيدية لمشروع اندماج في المنطقة بحيث لا يؤثر على هيكلية الجيش الوطني، مرجحاً أن يكون نجاحها ضمن الحيز الجغرافي الذي تسطير عليه فصائل الغرفة.
وتوقع “شريفة” في حديث لموقع “نداء بوست” أن تشكل هذه الغرفة عامل جذب لانضمام بعض الفصائل إليها وخصوصاً من مكونات الفيلقين الثاني والثالث، مشيراً إلى أن بعض الفصائل قد تكون متوجسة من الحصر في هذه الثنائية “الشامية” و”السلطان مراد”.
واستبعد “شريفة” أن تؤدي “عزم” إلى حالة من الاصطفاف بين فصائل ريف حلب، ويرى أنه من الممكن أن تشهد المرحلة القادمة إعادة ترتيب المشهد ضمن هيكلية جديدة للجيش الوطني تكون أكثر قوة وتماسكاً من الفترة السابقة التي عانت فيها المنطقة من هشاشة المؤسسات الأمنية والعسكرية بشكل عام، حسب قوله.
جدير بالذكر أن الجيش الوطني السوري تشكل في 30 كانون الأول/ ديسمبر من عام 2017، بهدف التخلص من الحالة الفصائلية والانتقال إلى جيش نظامي، إلا أن هذه الخطوة لم تطبق على الأرض بشكل فعلي، بسبب استمرار الفصائل على ذات البنية التي كانت عليها قبل تأسيس الجيش، وعدم انصهارها في الفيالق الثلاثة كما كان مخططاً، إضافة إلى ضعف التنسيق بين التشكيلات واستمرار حالة التصنيف المناطقي فيما بينها.