المبعوث الآن يشكو علناً من مهمته العبثية ويشاهد جهوده الدبلوماسية تنهار
بالنسبة للرجل المكلّف من قِبَل الأمم المتحدة في الصراع السوري المستمر منذ عقد من الزمن، "غير بيدرسن"، فإن السير في طريق السلام بين القوى العالمية المتنازعة مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا يبدو كما لو أنه طريق مسدود.
فقد قال السيد بيدرسن أمام مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء، إن المكاسب التي تحققت خلال 17 شهراً من الهدوء النسبي في سورية قد تحطّمت مؤخراً بسبب تجدد القتال في شمال غرب وشمال شرق سورية ومحافظة درعا الجنوبية.
بالنسبة إلى السيد بيدرسن، فإن الاشتباكات في إدلب واللاذقية وحلب وحماة والرقة ودرعا -حيث أُجبر حوالي 40 ألف مدني على الفرار من ديارهم الشهر الماضي- هي مشكلة جيوسياسية بقدر ما هي مشكلة القوات المتحاربة في سورية.
وقال الدبلوماسي النرويجي: "هذه التطورات تذكرنا بأن الصراع في سورية لم ينتهِ بعد".
"نحن بحاجة إلى عملية سياسية ذات مصداقية بالإضافة إلى تعاوُن دولي أكثر استدامة."
وجاءت تصريحاته بعد ساعات من انفجار في قاعدة تضم عناصر من هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة في إدلب، ما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من المقاتلين- أحدث مثال على العنف الدامي في الشمال الغربي، المعقل الرئيسي لفصائل المعارضة في البلاد.
يحافظ السيد بيدرسن على سلوك هادئ وعملي، لكن تعليقاته إلى المجلس ألمحت إلى الإحباط من القيام بمهمة عبثية بينما يراقب جهوده الدبلوماسية تتراجع وتنهار, وعبّر عن أسفه بأن المهمة "ليست سهلة".
وأشار إلى أن محادثات السلام وصلت إلى "طريق مسدود" بسبب "انعدام الثقة، وكذلك الإرادة السياسية"، الأمر الذي أدى إلى "شلل الجهود المبذولة لدفع حل سياسي" بين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وجماعات المعارضة.
الدبلوماسي مسؤول عن رعاية اللجنة الدستورية السورية، التي تضم ممثلين عن حكومة الأسد والمعارضة والمجتمع المدني، ولديها تفويض لوضع دستور جديد يؤدي إلى انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة.
كانت قد اجتمعت اللجنة خمس مرات منذ تشرين الأول /أكتوبر عام 2019. وانتهى اجتماعها الأخير في كانون الثاني/ يناير دون إحراز تقدُّم في صياغة ميثاق جديد بعد أن رفض مندوبو الحكومة المقترحات- واستمرت الحرب.
قلة من المحلِّلين يتوقعون أن تحقق المجموعة تقدُّماً حقيقياً. إن خطوط الجبهات لم تتغير إلى حد كبير وقد استعادت قوات الأسد، بدعم أجنبي، السيطرة على معظم البلاد، مما أعطى الرئيس سبباً ضئيلاً للتفاوض بجدية مع المعارضين.
يمكن للولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى استخدام العقوبات وأموال إعادة الإعمار كورقة ضغط ضد الأسد، الذي يكافح أزمة اقتصادية، وعملة منهارة وتضخماً متصاعداً، لكنهم بخلاف ذلك لم يكن لهم تأثير يُذكر على الأحداث في سورية.
وبدلاً من ذلك، الوقائع على الأرض تتأثر بتركيا، التي تدعم الفصائل المُعارِضة السورية في الشمال الغربي، وداعمي الأسد العسكريين، إيران وروسيا بدلاً من إحداث أي أثر من قِبل فريق بيدرسن. فقد استخدمت موسكو حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية دمشق 16 مرة.
كان أسلاف بيدرسن الثلاثة في حيرة مماثلة
تولّى الرجل المنصب في كانون الثاني/ يناير عام 2019 خَلَفاً للدبلوماسي الإيطالي السويدي ستافان دي ميستورا، الذي تبع الدبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي والأمين العامّ السابق للأمم المتحدة كوفي عنان. لقد استقالوا جميعاً من العمل، واشتكوا من أنه من المستحيل تقريباً إحراز تقدُّم, والنتيجة كانت أن الأمم المتحدة تبدو وكأنها من بين المتفرجين على الصراع السوري.
المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسورية لديه ميزانية سنوية تبلغ 16.5 مليون دولار وفريق مكوَّن من حوالي ثلاثين موظفاً، بمن فيهم نائبته البحرينية خولة مطر، وماريان جاسر، المخضرمة السويسرية في منظمة الصليب الأحمر ومكتبه في دمشق.
في آذار/ مارس، اقترح السيد بيدرسن "صيغة دولية جديدة" للجمع بين روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا والقوى الرئيسية الأخرى لبعض "الدبلوماسية الهادئة" في محاولة لعقد صفقة من شأنها إنهاء الصراع في سورية إلى الأبد.
وقد التقى في الأسابيع الأخيرة بوزراء خارجية ودبلوماسيين روس وأمريكيين وإيرانيين وأوروبيين وتركيين وعرب على أمل إطلاق اجتماع اللجنة الدستورية السادس أو تحقيق بعض المكاسب الأخرى- ولكن حتى الآن، لم تثمر أيّ من مساعيه.
تصدرت سورية جدول الأعمال الدولي في حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، عندما تفاهم الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على إبقاء ممر المساعدات مفتوحاً على الحدود التركية السورية، لكن الاتفاق لم يؤدِّ إلى أيّ تعاوُن أوسع.
قال بيدرسن يوم الثلاثاء: "هناك حاجة إلى مزيد من المشاركة من قِبل لاعبين ذوي صلة على استعداد ليس فقط لتحديد ما يسعون إليه ولكن أيضاً ما يمكنهم تقديمه".
تسببت الحرب في سورية في مقتل نحو نصف مليون شخص منذ أن بدأت في عام 2011 في أعقاب حملة قمع وحشية ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة. نزح نصف سكان البلاد البالغ عددهم 23 مليون نسمة قبل الحرب، ويعيش أكثر من خمسة ملايين منهم كلاجئين خارج البلاد.
قال المجلس النرويجي للاجئين وعشرات من منظمات الإغاثة الأخرى هذا الأسبوع إن الجفاف وارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار ترك أكثر من 12 مليون شخص في أنحاء العراق وسورية بلا مياه.
وقالت المنظمتان: إن الدولتين المتجاورتين، اللتين تعيشان سنوات من الصراع وسوء الإدارة، بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمكافحة النقص الحاد في المياه. يؤدي الجفاف أيضاً إلى تعطيل إمدادات الكهرباء حيث يؤثر انخفاض مستويات المياه على السدود، مما يؤثر بدوره على المستشفيات والبنية التحتية الرئيسية الأخرى.
قالت جوليان فيلدفيك، مديرة منظمة كير الدولية ومقرها سورية: إن أزمة المياه كانت "الأسوأ منذ سنوات" ودعت إلى "تضافُر كل الجهود من الجميع لإيجاد الحلول طويلة الأجل لهذه القضية.
وقالت السيدة فيلدفيك: "نحن حقاً ندقّ ناقوس الخطر؛ لأننا لم نرَها أبداً بالسوء الذي نراه الآن", "لا نستطيع الانتظار. حانَ الوقت الآن لإنقاذ الأرواح ".
المصدر: ذا ناشيونال نيوز
ترجمة: عبد الحميد فحام