أجرى أحدهم تعديلاً على قصيدة امرؤ القيس الشهيرة فقال: "قفا نبكي بذكرى الغلاء المشعلل فلست أراه قريباً سينجلي، بدكان درويشٍ أرى كل حاجتي ولكن بأسعارٍ تفوق تخيلي"، ولا شك أنه مع ارتفاع كِلف المعيشة تزيد حاجة كلا الزوجين للعمل، إضافةً إلى أن العدد الأكبر من النساء يرغبن فعلياً بتحقيق ذاوتهن من خلال المشاركة الفعالة في بناء المجتمع، حيث يمتلك بعضهن كفاءة أعلى من تلك التي يمتلكها أقرانهن الذكور.
من الجيد أن نعلم، أن معظم الشركات الكبرى في العالم الغربي بدأت تطبق مستوى متقدم من العمل الهجين، بحيث يسمح لبعض الموظفين بالعمل من المنزل، وأخرين من المكتب، أو لنفس الموظف ليعمل من مكانين مختلفين بما يتناسب مع المهمة والظروف، وعلى الرغم من أن هذه الثقافة لم تنتشر بنفس الزخم في العالم العربي إلا أن بعض الشركات بدأت فعلياً بتوسيع هذا المفهوم، وسمحت للموظفين بالعمل من المنزل مما يجعل الفرصة أكبر لتحقيق مستوى أعلى من المساواة في فرص العمل بين الطرفين في العالم العربي.
لا يمكن أن تخلف جائحة كورونا مآثر حسنة، فقد جعلتنا نفقد أشخاصاً مقربين لقلوبنا، ولكن من باب النظر إلى نصف الكأس المملوء، فإن فترة الجائحة تمتعت بمستوى عمل من المنزل أعلى من أي وقت سابق، ويبدو أن هذا النهج سيستمر لوقت أطول، ويعيش معنا في حياة العمل المستقبلية، وطبقاً لهذه القواعد الجديدة تستطيع المرأة أن تكون قريبة من أولادها وزوجها، وفي نفس الوقت يمكن لها أن تقضي بعض الساعات في العمل اليومي وفق تخصصها، فمهن مثل التدريس والتدريب، والتصميم، والتنضيد، والمراجعة، والتحرير، وكذلك المحاسبة، وكثير من الأعمال المكتبية يمكن توطينها بشكل كامل في طاولة بالقرب من الأولاد لنتابع ما يقومون به من مهام.
كما أن العلاقة بين الرجل والمرأة هنا يمكن أن تكون أعمق من أي وقت سابق، فغياب المرأة المتزوجة عن المنزل وكذلك الزوج يقلل من فرص التعاون وقد أتاح الوضع الجديد قدرات أعلى من التعاون بين الزوجين في مختلف الأعمال بما فيها أعمال المطبخ.
شخصياً أعلم أن الرجال يكرهون غسيل الصحون، ولكن مع جلوسي المتكرر في المنزل اكتشفت كذلك أن النساء يكرهونه أيضاً، ومازالت زوجتي وأنا نختلف من يكره جلي الصحون أكثر، ولكننا اتفقنا في النهاية أنني أكرهه أكثر، وهي تكرهه أكثر لنحول الأمر إلى اتفاق نبني عليه.
لذا فإن التشاركية الجديدة ستقوم على مبادئ فهم أعلى من أي وقت سابق، هذا الأمر سيزيد من الفرص العملية لقضية المساواة التي يتحدث عنها البعض نظرياً.
يمكن للمرأة العربية اليوم أن تفرغ جزءاً من وقتها للعمل، والجزء الأخر لمتابعة مهامها كفرد في أسرة، العمل الهجين سيسمح لها بالعمل لثلاثة أيام في الأسبوع على سبيل المثال في أعمال مكتبية، أو يمكن لها أن تعمل لنصف يوم أو حتى خمسة أيام في الأسبوع وتقضي مكالمات العمل وهي تحضّر الوجبات للأطفال أو تقوم بمتابعة بريد إلكتروني يتعلق بمتابعات مدرسية.
كلنا يعرف كم تمتلك المرأة من قدرة على متابعة أعمال مختلفة في وقت واحد في حين تقل فرص هذه المهارة عند الرجال، لذا فالوقت مناسب لاستثمارها. الحديث عن العمل بعد الجائحة لن ينحصر بالتأكيد على النساء من أصحاب الشهادات الجامعية أو التعليم الجيد، ولكن يمكن كذلك لربات المنزل أن تنفذن بعض الأعمال لصالح ورشات وصناعات مختلفة من خلال المنزل فالفرصة اليوم متاحة أكثر من أي وقت سابق.
جميعنا يؤمن بأن تحديات الحياة تصبح أكبر يومياً، وبأن آلاف الساعات التي صرفت على تعليم وتدريب النساء والرجال يجب أن تستثمر بشكل جيد بما فيه خدمة للمجتمعات المحلية، وكذلك بما يخدم تحقيق أهداف الرجل والمرأة، وكذلك الأسرة، ولا شك أن الرزق مكتوب في الرخص والغلاء ولكن السعي أمر مطلوب في كلتا الحالتين.