في أحد الشوارع الهادئة عند ضفة النهر وعلى أضواء القمر جَثَا الشاب الوسيم على ركبتيه مُمسِكاً بكِلتا يديه علبةً صغيرة حمراء كوجهه الذي ينطق دون أن يتحدث، فضجيج قلبه لم يترك له مساحة كبيرة للكلمات، ولكنه بعد جهد منه وبدافع من تَملمُل الفتاة التي تقف أمامه منتظِرةً أن يتكلم يطلق عبارته أخيراً: "عزيزتي هل تتزوجينني؟" فتنظر إليه الفتاة قليلاً وتسحب من بين يديه العلبة الصغيرة وترد عليه ببرود: "دعني أولاً أرى لون الخاتم".
يقضي الموظفون ثماني ساعات على أقل تقدير في شركاتهم يومياً ويعيشون مع زملاء العمل أوقاتاً تكاد تساوي أو تزيد على تلك الأوقات التي يقضونها مع أُسَرهم وأبنائهم، فوقت العمل يضاف له التواصلات والرحلات والمناسبات خارج أوقات الدوام، لذا نجد أنه في عددٍ كبيرٍ من الوظائف يبحث الموظفون عن علاقة ارتباط جدية بعملهم، فهم يشعرون بأن الارتباط الحقيقي سيجعلهم أكثر استقراراً، سيضمن لهم دخلاً مستقراً وتنفيذاً لمُخطَّطاتهم التي يطمحون لها، كما أنها تضمن لهم الانتظامَ في برنامج الحياة اليومية والالتفات لحياتهم الشخصية والاجتماعية، في كثير من الحالات يبدو الأمر وكأن الموظف يبحث عن شريكته التي سيرتبط بها إلى وقت طويل بل ربما إلى الأبد.
تلعب المشاعر والظروف والسعي إلى تقديرها دوراً كبيراً في العلاقات بين الشركاء ولكن علاقات العمل غالباً ما تُبنى على أساس المصالح والقدرة على تحقيق الأهداف المشتركة لكلٍ من الموظف والشركة، الأمر يشبه تقريباً صديقة الشاب الوسيم في القصة السابقة، والتي تريد أن ترى لون الخاتم في البداية قبل أن تفكر بالارتباط، فهي لديها مخططات ومواصفات محدَّدة تطمح أن تحصل عليها من فتى أحلامها.
تضع الشركات وصفاً وظيفياً للأدوار التي يريدونها من الموظف ويبحثون عمن يُطابِق هذه الشروطَ كما يضعون معاييرَ دقيقةً للأداء يراجعونها دورياً ويطوِّرونها بما يتناسب مع مصلحة العمل، ويخضع الموظفون بشكل يومي لتقييمات الأداء سواءً علموا بذلك أم لم يعلموا فموظفُو الموارد البشرية في الشركات الكبرى أو مديروهم المباشرون في الشركات الصغيرة ينظرون إلى أدائهم بعين السخط في حال تراجُعه ولو لفترة قصيرة، وقد يقدّر عدد من المديرين الظروفَ الطارئة التي يمر بها الموظف ولكنهم في النهاية يتوقعون منه أن يرد الجميل في أقرب فرصة مُمكِنة.
تُعَدّ مسألة الراتب أمراً حيوياً في حياة الموظف ولكن ما يبحث عنه الموظفون في الشركات قد يكون أكثرَ من مجرد الرواتب التي يحصلون عليها في نهاية الشهر؛ "فالارتباط بالشركة" يمثل لهم أكثرَ من ذلك، خاصة إذا كانوا من النوع الذي يبحث عن علاقة دائمة وليس مجرد نزوة عابرة ريثما يجد عملاً ما مناسباً له ولِتطلُّعاته، حيث يبحث هؤلاء عن الشركات التي تُقدِّرهم كبَشَرٍ وتقدِّر ظروفهم كأفراد في المجتمع، كذلك تقدِّر طموحهم الساعي إلى التقدم والارتقاء على السلم الوظيفي مع تقدُّمهم بالخبرات والمهارات، وهم غالباً ما يرفضون البقاء في الشركات التي تقبلهم "على السَّرّاء والسَّرّاء"، فهم يريدون من الشركات ليس فقط المال بل ما هو أهمّ من المال، إنهم يبحثون عن تقدير ذواتهم ويرغبون بالعمل أو الارتباط مع المؤسسات التي تشعرهم بالأمان والودّ المُتبادَل، وغالباً ما ينظرون إلى تلك الشركات التي تمثل لهم حباً من طرفٍ واحدٍ بعين الشكّ والرِّيبة وبأنها قادرة على الاستغناء عنهم في أي وقت، مما يجعل عيونهم نحو الخارج وقُدْرتهم على الاستقرار والعطاء محدودةً.