نداء بوست- سليمان السباعي- حمص اتضح لي من خلال تجربتي الشخصية في أقبية السجون التابعة لنظام الأسد، ومن خلال الوقوف أمام محققي أفرع المخابرات التابعة له أن "الكلمة" تُرهبهم أكثر من أي فعل آخر ناهَضَ حكمَهم خلال أحداث الثورة السورية منذ إطلاقتها وحتى الآن، وأن الصور التي يتمّ إرسالها لوسائل الإعلام بمختلف نواحيها تعتبر بمثابة رصاصة تِلْو الأخرى في عرش الحكم الذي يتم ترميمه أمام المجتمع الدولي من قِبل رأس الهرم "بشار الأسد" بأشلاء المطالبين بتغيير نظام الحكم.
بهذه الكلمات تحدث "مراسل إحدى الوسائل الإعلامية المعارضة" لـ "نداء بوست" والذي ما يزال يصر على ضرورة إكمال مسيرته ضدّ النظام الذي تسبب له "على الصعيد الشخصي" بمفارقة إخوته الثلاثة، ووالدته بالإضافة لكوكبة من أصدقاء الدرب، وحَمَلَة مشاعل الأمل بالتغيير، ناهيك عما تعرض له من الإذلال خلال فترة اعتقاله التي أمضى معظمها في فرعَيْ فلسطين وفرع التحقيق العسكري 248 داخل المربع الأمني في دمشق.
وعلى الرغم من إقراري بفشل عدد كبير من وسائل الإعلام المعارضة، وانحرافها عن مبادئها التي أسست عليها مع انطلاقة الثورة السورية، إلا أني ما أزال أصرّ على ضرورة متابعة طريقي، ونقل ما يجري من حولي من أحداث وتجاوُزات بحق المدنيين.. ربما اعتاد المتلقي للأخبار الواردة من الداخل السوري على أنباء الاعتقالات، والتشبيح على الأهالي، إلا أنه من المؤكدّ أن خلف كل حادثة اعتقالٍ أطفالاً تُشرد، أو تُيتم، وربما أرواحاً تُزهق داخل الظلام الذي يُحيط بالمعتقلين من كل جانب.
لا أكاد أخفي رغبتي بالخروج والسفر خارج سورية، والتمتع بعيش كريم مع أسرتي التي أرهقها صوت القنابل، والمعارك، والطائرات بصواريخها الفراغية تارة، والعنقودية تارة أخرى، ولا أخفي أنني ربما كنت السبب في ظلمهم بمسيرتي، وطريقي الذي اخترته ضدّ مجموعة نظام الاستبداد "نظام الأسد" لا سيما بعد أن أُتيحت لي فرصة السفر "كلاجئ سياسي" عقب خروجي من السجن مؤخراً.
لكن بالوقت ذاته "لا أبالغ" ولا أتصنّع "الوطنية إذا ما قلت بأنني لا أستطيع العيش خارج مدينتي "حمص" ففي كل شارع باتت هناك ذكرى راسخة في ذهني، تعيدني لذكريات أمضيتها مع أشخاص منهم مَن استُشهد، ومنهم مَن قرر المغادرة، ومنهم مَن يقبع أسيراً في سجون النظام.
لمَن سأترك بيتي؟ وأرضي وذكريات الطفولة العالقة في ذهني وتأبى مغادرته؟ أأتركها لمن قرر المجيء لاغتصابها بحجة مقاتلة الإرهاب؟ أُرمِّم نفسي التي تتحطم في كل يوم عشرات المرات مع رؤية الأعلام التي تعلو مقرات الميليشيات إعلاناً منها الانتصار على ثورتنا، وذلك من خلال نقل ما يجري حولي من أحداث، وذلك مع يقيني الراسخ بأنه مهما تصنّعت منظومة الاستبداد من أعمال فعبثاً تحاول فلا فناءَ لثائرٍ.