يستخدم فحص الحمض النووي في كثير من المسائل العلمية مثل معرفة الأمراض المحتملة لدى الجنين والتعرف على جنسه، ولكن الفكرة الأكثر شيوعاً في الاختبار هي التعرف على الأصل والعِرْق ونسبة القرابة وما إلى ذلك من مسائل يجري الحديث حولها دائماً عندما يذكر الـ "دي إن إي".
وقد يعتقد البعض أنه فقط الكائنات الحية هي من تمتلك أحماضاً نووية، ولكن مصطلح الحمض النووي بدأ يُتداوَل بشكل أكبر في عالم الأعمال ليتم تعميمه على الشركات والمؤسسات التي تمتلك مزايا خاصة تجعلها فريدة وتصبغ بها موظفيها مما يجعلهم متمايزين عن غيرهم من الموظفين.
نشأ مصطلح "الحمض النووي المؤسساتي" -في أواخر التسعينيات من القرن الماضي- وهو تشبيه قريب من الفكرة البيولوجية للأحماض النووية لدى البشر باعتبار أن هذا الأخير يمثل شفرة التعليمات الوراثية في الكائنات الحية، حيث يشار إلى الحمض النووي التنظيمي على أنه تجسيد لثقافة وهوية المؤسسة التي تميّزها عن غيرها من المؤسسات والأعمال التي يمارسها الموظفون لتحقيق هذه الهُوِيَّة التي تدخل فيها مجموعة القيم والرُّؤَى والرسائل والأهداف التي تَخُطّها الشركة خلال تاريخ عملها.
تتباهى معظم الشركات والمؤسسات برؤيتها المكتوبة ورسالتها الواضحة وأهدافها العميقة وإستراتيجيتها الفريدة، وما أن تزور أحد مواقع هذه المؤسسات حتى تجد قسماً خاصاً مُعَنْوَناً بـ"من نحن؟" أو "حَوْلنا" يحتوي على عناوين برّاقة وجمل فريدة تشكل انطباعك الخاص حول هذه المؤسسة، ولِمَ لا؟ فهي تمثل حمضها النووي الفريد الذي يجب أن تحمله أثناء فترة عملها ليصيغ شخصيتها ويجعل موظفيها ملتزمين بهذه الأهداف والرُّؤَى ومنظومة القيم والمبادئ المكتوبة لتجعلهم فعلياً يحملون شخصية متقاربة من بعضهم بعضاً فتشعر أحياناً أنك في حضرة فريق متقارب الأفكار يحمل جينات مشتركة ما هي إلا ثقافة الشركة النابعة من رؤيتها وأهدافها.
يمكن أن ننظر إلى الموظف الأصيل على أنه ذلك الموظف الذي يأخذ على عاتقه أن يحمل أفكار الشركة ويتجانس مع زملائه في العمل في الرؤية ويتحدث أمام الجمهور بنفس الخطاب المتفَق عليه داخل الشركة حتى لو كان له بعض الملاحظات حوله. الموظف الأصيل هو حلقة في سلسلة الشركة تشعر حين تقابله أنك تقابل الشركة نفسها أو تتعرف عليها من خلاله، إنه ابن الشركة وأحد أفراد أسرتها الذي يحمل حمضها النووي في فِكْره وعمله وممارساته.
على جانب آخر هناك موظفون يعملون مع المؤسسات ولكنهم لا ينتمون لها فكرياً ولا يَتبنَّوْنَ أهدافها، إنهم بشكل أو بآخر لا يحملون الحمض النووي للشركة، شأنهم في ذلك شأن أي زائر أو دخيل على الأسرة يمكن لاختبار الحمض النووي أن يكشف بأن شفرته الوراثية مختلفة تماماً عن شفرة بقية أفراد الأسرة، هذا الموظف قد يكون حالة طارئة في حياة الشركات والمؤسسات تم تعيينه بطريقة خاطئة في يوم عابر ولكن أثره يمكن أن يبقى، وقد يمثل كلفةً زائدةً في مُوازَنة الشركة، فهو لا يحمل ثقافتها ولا يتمتع بما يتمتع به الآخرون من حرص على تنميتها وتطويرها وصيانتها، ويمكن لأي مدير أو موظف مُتفرِّس أن يحلل شفرة هذا الموظف ويعرف أنه لا ينتمي للمكان كما أن الاختبارات التي تتعرض لها الشركة تجعل موظفين كهذا أول مَن يُفصِحون عن هُوِيَّتهم الحقيقية.
هكذا فإن المديرين عليهم أن يدركوا دائماً أنهم يعملون في أسرة تمتلك مشتركات واسعة، وأن إدخال أي موظف جديد على هذه الأسرة هو عملية دقيقة يجب أن تمر بمراحل طويلة لا تنتهي بعملية بَدْء العمل، ولكن تبدأ منها حيث يحتاج الموظف الجديد للتدريب والنقاش والتحفيز حتى يتحول إلى موظف أصيل يمتلك كل جِينات الشركة التي تحارب من أجلها للبقاء في سوق صعبة.