"نداء بوست" – حوارات سياسية – رزق العبي
لا تزال أصداء زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو حاضرة في وسائل الإعلام، المحليّة والعربية والعالمية، والتي تتّفق في غالبيتها على أنه استدعاء للأسد، ولا يقترب الحدث من كونه زيارة رسمية، إذا ما قِيس بالزيارات التي يجريها الرؤساء إلى موسكو أو أي بلد آخر من حيث البروتوكول المعمول به أو نمط وطريقة الاستقبال.
اجتماع بوتين مع الأسد الذي جاء أثناء زيارة لم يُعلن عنها سابقاً، وعُقد مساء 13 أيلول/ سبتمبر، وانتشر الخبر عبر الإعلان بعد التأكّد من وصول طائرة الأسد إلى دمشق. جاء الاجتماع قبل نحو أسبوعين على الذكرى السادسة للتدخل العسكري الروسي المباشر في سورية.
وهو أيضاً يأتي "بعد أيام من زيارة المبعوث الدولي إلى سورية غير بيدرسون لبحث استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية. وبعد جملة من التطورات في درعا التي أفضت إلى تطبيق رعاية روسية لاتفاق يسمح بعودة النظام إلى مناطق إضافية، وينهي عملياً اتفاق 2018 السابق".
ولعل أبرز ما يأتي ذكره من حيث توقيت الاجتماع "بعد كثرة الحديث عن تشغيل خط الغاز العربي ونقل كميات من مصر إلى لبنان عبر الأردن وسورية، وكذلك الحديث عن تخفيف جزء من العقوبات الأميركية على النظام، وخاصة المتعلقة بالمجال الإنساني والطبي، وكذلك زيادة الحديث عن رغبة مزيد من الدول بعودة النظام إلى جامعة الدول العربية والتطبيع معه".
وأيضاً جاء "بعد نحو شهر من زيارة الملك عبد الله الثاني إلى موسكو والحديث عن نقله مقترحات لتسوية في سورية بمشاركة روسيا والولايات المتحدة وأطراف إقليمية، وبعد أيام من حديث لافروف عن عدم قدرة تركيا على الوفاء بالتزاماتها في منطقة إدلب من جهة فرز مقاتلي هيئة تحرير الشام عن "المعارضة المعتدلة"، وفق اتفاق سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان في أيلول/ سبتمبر 2018".
الكاتب الصحفي سامر إلياس، المتخصص في الشؤون الروسية قال في حديث لموقع "نداء بوست": إنه "من المؤكد أن الزيارة هدفت إلى توجيه رسائل جدية للنظام السوري لا يصلح نقلها عبر المبعوثين الخاصين وممثلي الرئيس الروسي أو عبر القنوات الدبلوماسية، خاصة أن الإعلان جاء بعد ساعات من تلميح بوتين عن دخوله الحجر الصحي، وقبل ساعات من إعلان الكرملين أن الرئيس دخل فعلاً في الحجر الصحي بسبب إصابات كورونا ضمن الفريق المقرب منه".
وأضاف الكاتب المقيم في روسيا أنّ هناك "علاقة بزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد إلى موسكو في 9 أيلول/ سبتمبر، ومباحثاته مع الوزير لافروف التي ركزت على الملف السوري والوجود الإيراني، فربما أرادت روسيا تحديد خطوطها الحمراء للنظام في الجنوب السوري بعد عودة النظام إلى درعا البلد، وبعض المناطق الغربية في المحافظة، وأهم خطوط روسيا الحمراء هي الالتزام بأمن إسرائيل، وضرورة إبعاد الميليشيات والقوات الإيرانية عن الحدود مع الجزء المحتل من الجولان، والحدود مع الأردن".
ويعتقد إلياس المطّلع على الشؤون السياسية الروسية، أن يكون بوتين قد ضغط على الأسد للمضي في العملية السياسية وخاصة تسهيل استئناف عقد اجتماعات اللجنة الدستورية المتوقفة منذ بداية العام الحالي، والتي لم تبدأ بعد في مناقشة بنود الدستور في الجولات الخمس السابقة واقتصرت على "المبادئ الأساسية، والمواضيع الدستورية"، وهناك حديث عن اتفاق المبعوث بيدرسون مع النظام على عقد الجولة السادسة ما بين 6 و10 أكتوبر المقبل في جنيف.
لكن "إلياس" استبعد في الوقت نفسه وجود انفراجة كبيرة في الدخول بمناقشة مواد الدستور فالنظام والروس ماهرون في عملية كسب الوقت وإغراق النقاشات بتفاصيل.
وتابع إلياس: نظراً لأن الاجتماع جاء قبل يوم من لقاء مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك، مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنييف، فربما أطلع بوتين الأسد على مخططات روسيا التي سوف تقترحها على الجانب الأمريكي للمضي بالتسوية، والخطوات المطلوبة من النظام للمضي بمشروع روسيا المنطلق من الحصول على "حوافز" من الجانب الأمريكي، مثل تمويل مشروعات "الإنعاش المبكر" وتخفيف "قانون قيصر"، وإطلاق يد النظام لـ "محاربة الإرهاب" والسيطرة على مساحات جديدة، واستمرار تسهيل مرور الغاز العربي عبر سورية، مقابل إضعاف إيران، وتحقيق بعض التقدم في مسار اللجنة الدستورية، وتقديم النظام بعض التنازلات للأكراد لتشجيعهم على التفاوض مع دمشق.
ورأى "إلياس" أنّ "الاجتماع جاء أيضاً كدعاية بأن روسيا لا تتخلى عن حلفائها على عكس الولايات المتحدة، وأن وضع الأسد قوي بسبب روسيا وجيشها، وإنها تواصل العمل على إيجاد تسوية سياسية، في حين أن أميركا تركت حلفاءها في أفغانستان للانهيار والفوضى".
كما توقع الكاتب الفلسطيني السوري سامر إلياس، أن "تعقد روسيا وتركيا صفقة جديدة تتضمن تخلي تركيا عن مناطق جنوب الطريق الدولي اللاذقية حلب، والسماح بتمركز النظام في هذه المناطق، مقابل ضرب الأتراك بعض مواقع الأكراد في شمال شرقي سورية".
كما أنّ بوتين من وجهة نظر الضيف عمد إلى توجيه رسالة مباشرة للأميركان حول "الاحتلال غير الشرعي" لمناطق في سورية، فيما يبدو أنّ روسيا تواصل إقناع الأكراد والنظام بالحوار والتقارب بما لديها من أوراق تأثير على النظام ونقاط ضغط على الأكراد عبر التلويح بالورقة التركية والسماح لها بالتقدم في مناطق إضافية بشرق الفرات مع فصائل الجيش الوطني السوري.