منذ أواخر حزيران/ يونيو ، وسّعت روسيا مشاركتها الدبلوماسية في نزاع سد النهضة الإثيوبي الكبير بين مصر والسودان وإثيوبيا. و في 23 حزيران/ يونيو ، أعرب وزير الخارجية الإثيوبي ديميكي ميكونين ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن دعمهما المشترك لحل نزاع سد النهضة بقيادة الاتحاد الأفريقي. ومنذ ذلك الاجتماع ، ناقش لافروف قضية سد النهضة مع وزيرة الخارجية السودانية مريم المهدي ، وتشاور السفير المصري لدى روسيا إيهاب نصر مع نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين بشأن أزمة السد المقام على النيل.
في حين قدمت روسيا المساعدة الفنية للأطراف المتصارعة في سد النهضة ، فقد امتنعت عن إقحام نفسها في نزاع سد النيل كوسيط ، وبدلاً من ذلك قامت بموازنة وجهات نظر مصر والسودان وإثيوبيا في المحافل متعددة الأطراف. في الحقيقة فإن هذا الموقف يعكس النهج الذي تنتهجه الصين تجاه قضية سد النهضة ، ويتقارب جزئيًا مع دعم الولايات المتحدة للحل الذي يقوده الاتحاد الأفريقي للنزاع. وقد لقيت استراتيجية إقامة التوازن الروسية قبولاً في السودان وإثيوبيا ، لكنها خلقت خلافات كامنة مع مصر. لقد استمرت روسيا في سياسة عدم التدخل هذه ، لأنها حالت إلى حد كبير دون انتشار التوترات حول سد النهضة إلى مجالات أخرى من التعاون مع مصر ، وتعتقد أن موقفها سيساعد في تعزيز شراكتها مع إثيوبيا.
موقف روسيا المتطور من نزاع سد النهضة
خلال السنوات الأولى من نزاع سد النهضة ، الذي اندلع بسبب افتتاح إثيوبيا للسد في نيسان/ أبريل 2011 ، لم توضح روسيا موقفها بوضوح. وقد اتهم تقرير مجلس الشؤون الدولية الروسي لعام 2017 إثيوبيا بالاستفادة من عدم الاستقرار في مصر بعد الربيع العربي والانفصال الوشيك لجنوب السودان من خلال الكشف عن سد النهضة في عام 2011. ومع ذلك ، لم تدخل هذه الانتقادات في الخطاب الرسمي الروسي, وانتهى هذا الموقف اللامبالي تجاه سد النهضة في أكتوبر 2019 ، عندما صرح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن روسيا "مستعدة للوساطة" بين مصر وإثيوبيا ، حيث تتمتع بـ "علاقات ممتازة" مع كلا البلدين. فالتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على هامش القمة الروسية الأفريقية في سوتشي ، وناقش فلاديمير بوتين سد النهضة في لقاءات مع الزعيمين.
على الرغم من تعليقات بوغدانوف ودور موسكو المتزايد في التحكيم في النزاعات الإقليمية مثل ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ، لم تصبح روسيا وسيطًا في نزاع سد النهضة. ربما يُفسَّر ضبط النفس هذا من خلال الانحياز الفكري لروسيا مع دعوات إثيوبيا لعدم التدخل والتسبب بالمتاعب الدبلوماسية للقوى الإقليمية الأخرى ، مثل الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وتركيا. قبل زيارة لافروف إلى القاهرة في 12 نيسان/ أبريل ، حثّ وزير الخارجية المصري سامح شكري روسيا على الاستفادة من علاقاتها الوثيقة مع إثيوبيا لتخفيف نزاع سد النهضة ومواجهة السلوك الإثيوبي المزعزع للاستقرار في القرن الأفريقي. كما طالب شكري روسيا بالتنسيق مع أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن معالجة تهديد إثيوبيا للأمن الإقليمي. ولم يردّ لافروف على تصريحات شكري لكنه كرّر دعم روسيا للمفاوضات الثلاثية التي يتوسط فيها الاتحاد الافريقي.
كما تمّ الكشف عن نهج روسيا المتحفظ تجاه قضية سدّ النهضة في اجتماعات مجلس الأمن الدولي الأخيرة. و في 8 تموز/ يوليو ، أقرّ الممثل الدائم لروسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بقيمة سد النهضة في التخفيف من نقص الكهرباء في إثيوبيا ، بينما أشار أيضًا إلى "المخاوف المشروعة" لمصر والسودان من أن سد النهضة قد يؤدي إلى تفاقم موجات الجفاف. و لمنع النزاع من أن يصبح أزمة أمنية إقليمية ، دعم نيبينزيا الملء التدريجي لسد النهضة والمشاركة بين جميع دول حوض النيل في إدارة إمدادات المياه. لكن تلك التعليقات انتقدت وبطريقة حرفية عملية ملء إثيوبيا أحادي الجانب لسد النهضة ، لكنها خففت أيضًا من مزاعم السيسي العدائية بأن "جميع الخيارات كانت مفتوحة" بعد فشل محادثات سد النهضة في نيسان/ أبريل.
روسيا بين مصر وإثيوبيا
نظرًا لأن روسيا تعتقد أن امتلاكها لـ موطئ قدم جيوسياسي في شرق إفريقيا سيعزز نفوذها في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي ، فقد حافظت على علاقات متوازنة مع مصر والسودان وإثيوبيا. إلى جانب علاقاتها الاقتصادية المتنامية ، تنخرط روسيا بانتظام مع مصر بشأن النزاع في ليبيا ، وحاولت تأمين وصول طويل الأجل إلى المنشآت البحرية المصرية في البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2017. وروسيا بصدد الانتهاء من اتفاقية القاعدة البحرية في بورت-سودان ، والتي من شأنها أن توفر موطئ قدم لها على البحر الأحمر وتعزيز قدرتها على القيام بمهام مكافحة القرصنة في المحيط الهندي. وتحيط روسيا علماً أيضاً بطموحات إثيوبيا في أن تصبح قوة في البحر الأحمر ، وتعمل على رفع مستوى تعاونها الأمني مع أديس أبابا. على الرغم من أن السودان قد أيّد موقف موسكو بشأن سد النهضة ، إلّا أن انزعاج مصر من تعامل روسيا مع النزاع قد قوّض هذا التوازن.
و في مقال نشرته جريدة الشروق في 10 تموز (يوليو) ، وصف النائب المصري عماد الدين حسين موقف روسيا بأنه "سلبي للغاية" ، وادّعى أن بوتين كان "يحاول إرضاء إثيوبيا بشأن قضية السد". وقال المحلل المصري ممدوح منير بأن موقف روسيا بشأن سد النهضة يؤكد على منحها الأولوية للعلاقات مع إثيوبيا على مصر. هذه المشاعر السلبية لها آثار سياسية محتملة. فعلى الرغم من أن الفنيين الروس زاروا موقع مفاعل الضبعة النووي في 15 تموز/ يوليو ، فقد ورد أن مصر أوقفت اجتماعاتها مع شركة الطاقة النووية الروسية العملاقة روساتوم بسبب خلافاتهم حول سد النهضة. كما يعكس توسع التعاون الأمني المصري مع أوروبا شكوك القاهرة بشأن مكانة روسيا كشريك في مواجهة الأزمات.
ولتخفيف التوترات بشأن سد النهضة ، عززت روسيا تعاونها مع مصر في المجالات الأخرى. وفي 8 تموز/ يوليو ، ألغت روسيا حظرها على الرحلات الجوية إلى المنتجعات المصرية ، والذي تم فرضه بعد إسقاط طائرة ركاب فوق شبه جزيرة سيناء في عام 2015. وشرعت مصر في شراء طائرات روسية من طراز Su-35 ، لكنها لم تؤكد رسميًا وصولها. كما وافقت مصر على توسيع المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس وجاء ذلك في أعقاب تصريحات المسؤولين الروس حول تطوير الممر بين الشمال والجنوب كبديل لقناة السويس ، والتي تعرضت لانتقادات واسعة في مصر. كما ربطت روسيا الحوار مع المسؤولين المصريين بشأن نزاع سد النهضة بمحادثات حل النزاع في ليبيا وسوريا ، وهما مجالان حيويان للتعاون بين موسكو والقاهرة. إن هذه السياسات الرمزية والموضوعية تؤكد تجزئة روسيا ومصر لخلافاتهما بشأن سد النهضة.
لقد استفادت روسيا أيضًا من موقفها الداعم لإثيوبيا بشأن سد النهضة لتعزيز شراكتها مع أديس أبابا. ففي 12 تموز/ يوليو ، وقّعت روسيا وإثيوبيا اتفاقية تعاون عسكري ، سمحت لموسكو بتزويد المعلومات التكنولوجية للجيش الإثيوبي. وتصر وزارة الخارجية الروسية على أن هذه الاتفاقية لا علاقة لها بقضية سد النهضة وأنها لا تنعكس على تعاونها مع مصر والسودان. ومع ذلك ، فإن هناك اتجاهًا لتوسيع التعاون بين روسيا وإثيوبيا وقد بدأ هذا الاتجاه بسبب التناقضات في العلاقة بين الولايات المتحدة وإثيوبيا واحتضان رئيس الوزراء أبي أحمد المتحمس لنظام عالمي متعدد الأقطاب. تنظر روسيا أيضًا إلى إثيوبيا على أنها زبون أسلحة ثمين ، حيث إنها تشتري بانتظام أسلحة روسية منذ حرب بادمي 1998-2000 مع إريتريا ، وهي تنظر بشكل إيجابي إلى إصلاحات أبي أحمد الداخلية.
في شهر نيسان/ أبريل 2018 ، وقّعت روسيا اتفاقية أمنية مع إثيوبيا ، تناولت مكافحة الإرهاب والقرصنة وحفظ السلام, و قد وصل روسيا 1000 ضابط من الجيش الأثيوبي في كانون الأول/ ديسمبر عام 2019 ،للتدريب على العمليات البحرية. كما نسّقت روسيا مع الصين بشأن إحباط قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يدعو إلى تعليق العنف في تيغراي. وأشاد مؤيدو رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على نطاق واسع بدعم روسيا لعدم التدخل في تيغراي ، والذي يتناقض مع فرض الولايات المتحدة عقوبات على المسؤولين الإثيوبيين وأفراد الأمن.
وعلى الرغم من أن روسيا تخلّت عن تطلعاتها للوساطة في نزاع سد النهضة ، وتجنّب الإساءة إلى أي طرف من أطراف النزاع، إلّا أن موقف موسكو عزّز علاقتها مع إثيوبيا وتسبب في توتر شراكتها مع مصر. بينما تستعد إثيوبيا لاستضافة القمة الروسية الأفريقية لعام 2022 في تشرين الأول/ أكتوبر ، ستواصل روسيا دعم حل يقوده الاتحاد الأفريقي لأزمة سد النهضة وستسعى إلى تقليل التوترات مع مصر من خلال استكشاف سبل جديدة للتعاون.
ترجمة: عبدالحميد فحّام – قسم الترجمة
المصدر: معهد الشرق الأوسط
Author
-
محلل ومعلق جيوسياسي يكتب بشكل متكرر في الواشنطن بوست، والدبلومات، ومؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، والمونيتور