تُعرف اليمن عند العالم بوضعها السيئ، ففي اليمن توجد الحروب، والأمراض، والمجاعة، وغيرها من العلل التي تجبر السامع على التعاطف مع ما يحدث. بالطبع كل هذه المآسي لا يمكن نكرانها، فالواقع هو المتحدث. لكن، ماذا لو تكلم المستقبل؟، ماذا لو قال إن الوضع الحالي (رغم مرارته) قد يكون أهون من القادم؟ بالطبع لا يدعو هذا المقال للتشاؤم، وإنما لتسلط الضوء على مأساة مستقبلية أكبر، يطبخ لها حاليا على نار هادئة، والتحذير منها قبل فوات الأوان.
يقال: "العلم في الصغر.. كالنقش على الحجر"، فالأطفال ذاكرتهم قوية، وما يتعلمونه في صغرهم يشكل أساسا لما يمكن أن يبنى عليه مستقبلا، ولهذا تهتم الدول بالتعليم، وتصرف عليه مليارات الدولارات.
لكن في المقابل، فإن النظام التعليمي، أحد الوجبات الشهية للأنظمة القمعية، فأنت لست بحاجة لشيء سوى أن تقول ما تريد، بالشكل الذي يتناسب مع رغباتك، لتتلقاه العقول بشغف، وتتنافس على استيعابه، أو على الأقل حفظه، ثم تضعه في خانة المسلمات، فأنت السلطة، وما تقوله أنت محلّ تقبُّل عند الجميع، لا سيما الأطفال، ولهذا فإن الأنظمة تتفنن في صياغة أفكارها، وتزيين غلاف تلك الأفكار، وتسويقها على شكل منهج تعليمي، يختبر فيه الطالب آخِر الترم، ويكون محدداً لمدى "نجاحه" في المستقبل.
أما الوضع في اليمن، فهو شبيه جداً بالسردية السابقة، سوى أن أغلفة الأفكار ليست مزينة، والدرس يفهم من عنوانه. رغم نيران اليمن المشتعلة حاليا، إلا أن هناك جيل يجهز ليكون وقوداً لنيران أكبر، فالطفل في اليمن أمام خيارين، إما أن يعتنق السلاح ليكتوي بالنار الآن، أو يعتنق الكتاب، ليكتوي بالنيران لاحقاً، لكن هذه المرة ليست بإكراه، وإنما حصيلة ما زرعته الكتب، وقتها يكون ظلام الجهل، خيراً من نور جحيم العلم المشتعلة.
مئات الآلاف من الطلاب في اليمن، يخضعون لتعبئة ممنهجة تحت مسمى المناهج التعليمية، والدورات الصيفية، تجهيزاً لمعارك (أكثر شراسة) في المستقبل، وقتها لن يكونوا مكرهين على القتال، فهم قد جُهزوا لهذا اليوم، وهنا يتدخل المستقبل محذراً الحاضر، وقد أَعذر من أَنذر.