"نداء بوست" – حوارات سياسية – حاوره: أسامة آغي
الجبهة الوطنية الديمقراطية "جود" ائتلاف قوى سورية ذات طابع علماني معارض للاستبداد، وهي جبهة ولدت منذ أشهر قليلة عبر مؤتمر افتراضي لأن النظام السوري منع انعقادها فيزيائياً في دمشق.
"نداء بوست" التقى برئيس الهيئة التنفيذية لـ "جود" سليمان الكفيري الذي يقيم في السويداء بسورية ووضع أمامه أسئلته حول التطورات السياسية في الساحة ورؤية جبهته لما يدور من حولها من مستجدات.
ضغط روسيا على الأسد لمصلحتها
يقول الكفيري إن أي نظام استبدادي شمولي لا بدّ أن يكون مغيّباً للدستور، ومعطلاً للقوانين، كما يشاء لترسيخ سلطته، ووفق رأي الكفيري فإن جولة جنيف السادسة "جاءت لتحريك المياه الراكدة، ولتعبّر عن ضعف القوى الدولية وهيئة الأمم المتحدة، وعدم جديتها في نصرة الشعب السوري، فهي بهذه الخطوة تعوّض عن تقصيرها وضعفها، وتجمّل وجودها.
ويعتقد الكفيري بأن لا جديد يحصل في الوضع السوري يجعلنا نتفاءل ونتوقع نتائج إيجابية متقدمة لهذه الجولة، ويضيف: "بخصوص الضغط الروسي على نظام الأسد، إذا كان هناك ضغطٌ، فهدفه تحقيق المصالح الروسية، وليس مصلحة الشعب السوري، وخصوصاً إن الموقف الروسي لا يعمل في الفراغ، بل مرتبط بتطور مواقف ومصالح الدول الأخرى الفاعلة بالمنطقة".
ويسمّي الكفيري الدول: (أمريكا وروسيا وتركيا وإيران) ويمكن أن نضيف قوات التحالف الدولية، وهي بينها تفاهمات، وتفاهماته تتحكم بها بوصلة المصالح، مصالح هذه الدول بعيدة عن مصالح الشعب السوري، على حد وصف الكفيري الذي يشير إلى أنها تدير الأزمة، ولا تسعى إلى حل نهائي، متمنياً أن تتحكم بالموقف القوى السورية لا غيرها.
ويضيف الكفيري أن المسألة السورية لا تبدو من أولويات السياسة الأمريكية، وليس من مؤشرات على ضغوط فعلية تمارسها على روسيا بهذا الشأن، أو أنها مستاءة من الدور الروسي في سوريا، خصوصاً وأن الروس قادرون على المواءمة بين هذا الدور ومصالح أصدقاء أمريكا الإقليميين فضلا عن الوجود الأمريكي في سورية شرق الفرات.
ويتابع قائلاً : "لا تستطيع السياسة الروسية في سورية إلا أن تراعي المعادلات الدقيقة مع القوى، والضغط على النظام لإحداث تغيير كبير في الواقع السوري، خشية أن يؤدي ذلك إلى تداعيات غير محسوبة، إلا إذا أبرمت في الخفاء أو العلن صفقة مع هذه الأطراف".
وينسحب ذلك على الموقف الروسي من مفاوضات جنيف، ففي غياب الثقل الدولي اللازم لدفع المفاوضات إلى الأمام، في الوقت نشهد اتجاهاً هنا وهناك لتطبيع العلاقات مع النظام، ولا يجد الروس ضرورة لممارسة ضغط كبير بشأن محادثات جنيف، إلا بالقدر الذي يخدم أجندتهم.
تعديل سلوك النظام أمرٌ غامض
وعن سؤالنا حول تعديل سلوك النظام وفق الطرح الأمريكي، يقول رئيس الجبهة الوطنية الديمقراطية إن مسألة تعديل سلوك النظام، أو إعادة تأهيله، هي مسألة تهتم بها جميع الدول الفاعلة والمؤثرة بالوضع السوري، وأعتقد بأن ذلك يرتبط بالاستفادة من النظام كورقة ضغط لتحقيق مصالح أكبر لهذه الدولة أو تلك أمام مصالح الدول الأخرى المتصارعة على الأرض السورية.
ويرى الكفيري من جهة ثانية، أن النظام مستفيد من هذه اللعبة السياسية، ليكسب الوقت ويحقق انتصارات مرحلية، مضيفاً أن الإدارة الأمريكية لو أرادت وضع النقاط على الحروف لفعلت، ولكنها استخدمت تعبيراً غامضاً، كي لا تلزم نفسها بمواقف محددة ومسؤولة، ولكي تبقي المجال واسعاً للمساومة سواء مع الإيرانيين أو الأتراك أو الروس.
ويستطرد قائلاً : لقد علمتنا التجربة الطويلة على ألا نعوّل على الحكومة الأمريكية في تقديم الدعم الحقيقي والصادق لقضية الديمقراطية، ولم نلمس طيلة السنوات السابقة جهداً أمريكياً فاعلاً للمساعدة في إنجاز حلٍ سياسي عادل للأزمة السورية، وكان الرئيس الأمريكي أوباما قد عبّر حينها عن جوهر الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية بالقول: إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه المسألة السورية لا بد أن تأخذ في الاعتبار أولاً مصالح حلفائها في المنطقة، وفي مقدمتهم إسرائيل وتركيا.
هذا الموقف لا يزال مستمراً، حسب الكفيري، والنظام السوري مطمئن إلى أن الولايات المتحدة لن تترجم في القريب قولها بتعديل سلوك النظام إلى إجراءات ملموسة.
الروس لن يضحوا بعلاقتهم مع تركيا
وحول العلاقة بين الروس والأتراك في الوضع السوري، ومدى إمكانية تطور الصراع بينهما في إدلب، يقول رئيس "جود" إن أهداف روسيا واضحة، سواء المعلن منها أو المبطن، لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، فهي تعزف على أكثر من وتر، تقصف إدلب لخدمة النظام وتوسيع سيطرته الجغرافية، وتقول للعالم بأنها تحارب الإرهاب، وتريد التلويح بأن وجودها في الشمال الغربي من سورية يوازيه الوجود الأمريكي في الشمال الشرقي.
ويعتبر الكفيري أن هذه رسالة للحكم الذاتي في شرقي الفرات، كما أنها تحقق هدفاً على درجة عالية من الأهمية هو تأمين الطريق بين الشمال والعاصمة وبين الشرق والغرب، الذي يربط المحافظات ببعضها البعض. وأن الروس لا يرمون للضغط على الأتراك لإجبارهم على الخروج من سورية، وهم الذين أبرموا معهم أكثر من صفقة لدخول إدلب وعفرين وأجزاء أخرى من سورية.
يستبعد الكفيري أن يضحي الروس بعلاقاتهم المتطورة مع تركيا من أجل استعادة إدلب أو سواها، إلا إذا كان ذلك عبر صفقات متبادلة واتفاقات من تحت الطاولة، لذلك من غير المرجح أن تتطور الأعمال العسكرية حول إدلب إلى مواجهة بين الروس والأتراك يكون لها تداعيات خطيرة ليست روسيا مستعدة لها ولا ترغب فيها. وما يجري في إدلب هو نوع من تحريك الوضع للضغط في اتجاه إنجاز ما اتفق الطرفان عليه سابقاً، ويصعب الظن أن يتنازل الأتراك، في انتظار الحل السياسي النهائي.
جود للمّ شمل المعارضة
وحول سؤالنا عن ولادة "جود" في هذه المرحلة ومدى جدوى ذلك على صعيد الفعل السياسي السوري العام، يقول الكفيري إن "جود" لم تأت من فراغ، فهي جاءت بعد جهد طويل وحوار جدي وجاد مع قوى وأحزاب وتجمعات وشخصيات سياسية وفكرية هامة، لتلبي حالة ضرورية تقتضيها مصلحة الشعب السوري، بالانتقال السياسي الديمقراطي والتغيير الجذري للنظام بما يتفق مع القرارات الدولية وخصوصاً بيان جنيف1 والقرار 2254.
ويرى الكفيري أن "جود" بمثابة جبهة لتوحيد الجهود ولمّ شمل المعارضة ذات المصلحة بالتغيير الديمقراطي بعيدة عن سياسة الإقصاء أو التخوين أو الاتهام، لكن هويتها السياسية واضحة من خلال رؤيتها السياسية المقررة بالمؤتمر التأسيسي، موضحاً أن النشاط السياسي والتنظيمي بعد المؤتمر كان منصبّاً حول عدة مهام، فأمام "جود" تحديات واستحقاقات لا بدّ من التصدي لها، والأهم أنها أنجزت تأسيس بيتها الداخلي وبناءه بناءً ديمقراطياً بالحوار الهادئ.