تُعَدّ لعبة الباليه مضرباً للمثل في المرونة، فاللعبة أو الرقصة تحتاج إلى قدرات فنية خاصة نابعة من تدريبات مطولة يقوم بها كل من لاعب أو لاعبة الباليه، ويضاف إلى المرونة القدرة العالية على التحمل وبالتالي صلابة في العمود الفقري وبِنية الجسد وتناغم تامّ مع المحيط، وهي تحتاج –بلا شك- إلى مزاج جيد قد لا يتوفر عند الكثيرين لتعلمها والصبر على تأدية حركاتها. وفي زمن الحرب نحتاج إلى "قوة قلب" غير اعتيادية أمام مشاهد القسوة والرعب التي نمر بها، وقد تمتد هذه القوة لتصبح صلابةً وتصلباً وقسوة في القلب والروح والجسد، بحيث نبدو مشدودين دائمي التوتر قليلي الصبر وكثيري الشكوى، مما يُصعِّب في النهاية أعمالنا ويُعقِّد الأجواء في المؤسسة التي نعمل بها أيّاً كان دورها.
إدارة المؤسسات في مناطق الحروب قد تبدو نوعاً من المغامرة، وقد لا يخطر على بال المدير إلا الاطلاع على كتابات شخصيات عسكرية مغامرة وجريئة تقتحم الساحات والميادين بدون أي خوف، ولكن على جانب آخر تحتاج الإدارة في زمن الحرب إلى كثير من المرونة، وبما يشبه ما يقوم به لاعب الباليه، فالقسوة وحدها لا تكفي وإن كانت مطلوبة في بعض الأحيان.
وقد يكون المطلوب في زمن الحرب -وكذلك الظروف والبيئات الصعبة أكثر من أي وقت سابق- مجموعة من النقاط الإدارية التي تتعلق بالمرونة أبرزها:
– إدراك مفهوم المرونة والتي لا تعني التحمل حتى أبعد الحدود بل تعني إمكانية تجديد نشاطنا وتطويره، فنحن لا نريد أن نكون ملاكمين في ساحة صراع يكملون جولتهم دون أي استراحة، بل على العكس تماماً نريد أن نعمل كشخص يولّد طاقات مختلفة بين الفينة والأخرى بحيث لا يمكن استهلاكه، وبالتالي لا يمكن أن يعلن في يوم من الأيام احتراقه الوظيفي، وليس التوقف لأخذ استراحة هو المطلوب فقط ولكن النوم الجيد للموظف وممارسة الرياضة والتسلية وعدم إغفال الجوانب الروحية له، وكذلك البيئة المريحة والشعور الدائم بأن أعمال الموظف موضع تقدير، لا يجب أن نضحي بأحد جنودنا الإداريين بل إدراك أن الحفاظ على روح وقدرات الموظف هي بمثابة الحفاظ على رأس المال.
– المرونة الوظيفية، وهي تدريب العاملين على التنقل بين الأدوار المختلفة وممارسة أدوار إسناد ودعم في أي وقت بما يسمح بإعادة تشكيل الفرق بشكل دائم للاستجابة للمهام المعقدة التي تواجهها الشركات أو المؤسسات العاملة في الظروف الصعبة، هنا تتغير المهامّ وتتعدد وتختلف المجالات الوظيفية التي قد يقوم بها الموظف من وقت لآخر، وهذا كله سيساعد ليس فقط على تأدية المهامّ بل على الاحتفاظ بالموظفين وعلى رفع الأداء وتقليل التكاليف وتواؤم الفرق وعملها بروح واحدة لتحقيق الأهداف المنوطة بها.
-التركيز على الرؤية وليس تفاصيل الأهداف، ففي بيئات صعبة ومعقدة يصعب الحفاظ والالتزام بمسار الهدف، ولكن كلما ارتفع فهم العاملين للرؤية استطاعوا أن يقتربوا من تحقيق الأهداف العامة للمنشأة وعلى المدراء أن يعيدوا دائماً نظرتهم للأهداف المرسومة وأن يكونوا على قدر عالٍ من المرونة بحيث لا يتمسكوا بالسيارة أو الطريق التي توصل للغاية بل أن يدركوا أن الوصول للغاية هو المقصود مهما كانت وسيلة السير وكذلك لو اختلفت الطرق.
كل ذلك يجب أن يتم في إطار أخلاقي بعيداً عن التخلي عن قيم المؤسسة وأخلاقيات الأعمال، فبيئة الأعمال تتصف بالأنانية والقسوة في الأوضاع الطبيعية فما بالك في أوقات حرجة كالظروف الصعبة أو في أوقات الحروب، لا شك أن منطق "الغاية تبرر الوسيلة" سيكون الأكثر قرباً للذاكرة، ولكنه يجب أن يكون الأبعد عن التطبيق، ففي النهاية قد لا يحقق المدراء وفِرَق الموظفين إنجازاتٍ ضخمةً ولكن أثرهم الأخلاقي ورضاهم عن عملهم والطمأنينة والسكينة النفسية التي يعيشونها ستكون كفيلة بجعلهم يستمرون في رسالة المؤسسة والمحاولة من جديد.