المصدر: ون ورلد ترجمة: عبدالحميد فحام
بمجرد النظر إليها، تبدو الخطة هي أن يتنازل الغرب عن عقوبات ضد النظام السوري فيما يتعلق بتسهيله تصدير الطاقة إلى لبنان عبر خط الغاز العربي مقابل مطالبة دمشق بانسحاب طهران بطريقة كريمة وعلى مراحل.
وقد استشهد موقع "أكسيوس" بمسؤوليْنِ إسرائيلييْنِ لم يذكر اسمَيْهما الأسبوع الماضي عندما أفادا بأن روسيا تطلب من حليفها الفعلي تنظيم قمة ثلاثية أخرى بشأن سورية مع الولايات المتحدة. وبحسب المصدر، فإن روسيا تريد استكشاف إمكانية إعفاء النظام السوري من العقوبات بما يسمح له بتسهيل شحن النفط والغاز إلى جيرانه في لبنان فهي البلد المتعطشة للطاقة.
وفي غضون ذلك، لا تزال الولايات المتحدة مُهتمة بالسعي إلى انسحاب إيران العسكري من الدولة التي مزّقتها الحرب.
وبحسب ما ورد فقد ناقش مُنسِّقها في الشرق الأوسط بريت ماكغورك إزالتها من المناطق المتاخمة لمرتفعات الجولان المحتلة من قِبَل "إسرائيل" عندما التقى نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين والمبعوث الرئاسي الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتييف في جنيف في منتصف أيلول/ سبتمبر.
السيناريو الناشئ هو السيناريو الذي قد تؤدي فيه "دبلوماسية الطاقة" الروسية في سورية إلى انسحاب إيران من ذلك البلد، حتى ولو جزئياً في الوقت الحالي استعداداً لرحيل كامل في المستقبل القريب.
والمنطق الذي يستند إليه هذا الاحتمال هو أن الغرب قَلِق للغاية بشأن إرسال إيران للوَقود مؤخراً إلى لبنان لدرجة أنه قد يكون على استعداد لتخفيف ضغط العقوبات الأحادية الجانب على النظام السوري، على الأقل فيما يتعلّق بتسهيل تصدير الطاقة إلى ذلك البلد المجاور عَبْر الغاز العربي مقابل أن تطلب دمشق سراً انسحاب طهران بكرامة ولكن على مراحل من البلاد.
يمكن تشجيع تحقيق هذا الأخير من خلال المزيد من تخفيف العقوبات لكل مرحلة أو كمكافأة لاستكمالها النهائي.
قد لا يكون هذا أمراً قائماً على التخمين كما يعتقد البعض في البداية للوهلة الأولى بسبب تسلسُل الأحداث المثير للفضول.
وقد زار وزير الخارجية "الإسرائيلي" موسكو قبل عدة أيام من صدور تقرير "أكسيوس"، وأعقب ذلك على الفور تقريباً زيارة مفاجئة لرئيس النظام السوري الأسد إلى العاصمة الروسية للقاء الرئيس الروسي. وبعد بضعة أيام، سُمح لإيران بالانضمام إلى منظمة "شنغهاي" للتعاون (SCO) كعضو كامل العضوية، وبعد فترة وجيزة قال الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة: إن بلاده "مُستعدة للعودة إلى الامتثال الكامل (مع خطة العمل الشاملة المشتركة) إذا فعلت إيران الشيء نفسه".
وبعد ذلك بيومين، التقى وزير خارجية النظام السوري مع نظيره الأردني في الأمم المتحدة، وهو أمر مُهِمّ؛ لأن الأردن هو دولة العبور التي يمر عبرها خط الغاز العربي في طريقه إلى سورية ثم لبنان. ومع وضع هذه السلسلة من الأحداث في الاعتبار، يبدأ كل شيء في التكشّف والوضوح.
يبدو بالتأكيد أن روسيا تحاول التوسّط في صفقة كبرى في غرب آسيا. إذن يبدو أن الخطة هي أن يتنازل الغرب عن عقوبات مختارة ضد النظام السوري فيما يتعلق بتسهيله لتصدير الطاقة إلى لبنان عَبْر خط الغاز العربي مقابل مطالبة دمشق بانسحاب طهران الكريم ولكن على مراحل.
ويمكن القيام بذلك بحُجّة "حفظ ماء الوجه"، وهي أن المرحلة الأساسية لمكافحة الإرهاب من الصراع التي دعا فيها النظام السوري إيران للمشاركة إلى جانبه قد انتهت في الغالب، وبالتالي لم تَعُدْ هناك حاجة لوجود قواتها. أما بالنسبة لإيران، فلن تنسحب دون تلقي شيء آخر في المقابل، وهو عضويتها الكاملة في منظمة "شنغهاي" للتعاون وإمكانية عودة الولايات المتحدة إلى الامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة إذا قررت الحكومة الجديدة للجمهورية الإسلامية أن تفعل الشيء نفسه. لقد كنت أكتب عن هذا السيناريو منذ فترة طويلة مسبقاً.
يتناقض تقديري بشكل أساسي مع العقيدة التي فرضها محللو "بوابة مجتمع الوسائط البديلة" وهو مركز بحثي، حيث أكّدوا بغطرسة أن إيران لن تنسحب أبداً من سورية، ناهيك عن الوساطة الروسية.
ولكن الحقيقة هي أن هذا السيناريو هو أكثر احتمالية بكثير مما يقوله أولئك المجادلون (بالنظر إلى أن معظمهم ليسوا صحافيين وأن الغالبية العظمى بالتأكيد ليسوا مؤهلين لتسميتهم "محللين" بغض النظر عن كيفية وصفهم لأنفسهم). ومن الممكن أن الرئيس التركي أردوغان ناقش بعضاً من هذا الأمر مع نظيره الروسي عندما سافر إلى موسكو يوم الأربعاء ليرى كيف أكد المتحدث باسم الرئيس بوتين أن "سورية ستتصدر جدول الأعمال".
ومن المثير للاهتمام أن الزعيم التركي دعا الولايات المتحدة مؤخراً إلى الانسحاب من سورية، لذلك من الممكن أن يتم النظر في صفقة أكبر من مجرد انسحاب إيران مقابل تخفيف جزئي للعقوبات المفروضة على دمشق.
فقد تنسحب تركيا والولايات المتحدة بشكل متماثل بالتوازي مع إيران إذا قدم النظام السوري تنازلات سياسية مُعيَّنة، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانت دمشق ستجد مطالبهما مقبولة.
على أية حال، حتى انسحاب إيران الكريم -ولكن التدريجي من سورية- سيكون خطوة كبيرة في حد ذاته، خاصة إذا ترافق مع تخفيف جزئي للعقوبات المفروضة على النظام السوري.
ومع ذلك، يجب التأكيد على أنه لا يزال من الممكن حدوث الكثير من أجل تعويض هذا السيناريو، لذا يجب على المراقبين ألا يفسِّروا هذا التحليل على أنه يعلن بثقة أن هذه النتيجة ستحدث بالفعل، ولكن ببساطة يلفت الانتباه إلى تسلسُل الأحداث التي يحتمل ارتباطها والتي تشير إلى أن هذا تتم مناقشته حالياً خلف أبواب مغلقة.
فلقد تمَّ استنفاد أصحاب المصلحة الأساسيين في هذا الصراع بعد أكثر من عَقْد من الحرب التي شنتها كل دولة بدرجات متفاوتة بالإضافة إلى "الحرب العالمية الثالثة" الجارية، لذا فقد حان الوقت الآن للوصول إلى سلسلة من الصفقات لتحريك كل شيء نحو حل سياسي طالما أن لديهم جميعاً الإرادة لفعل ما هو مطلوب.