عبد اللهيان يعرف حال لبنان أكثر مما يعرفه ميشيل عون. يرى أن السعودية وأمريكا مسؤولتان عن مأساة لبنان. ويُطَمْئن اللبنانيين بأن "ترويكا" المقاومة والجيش والحكومة ستكون الرابحة. أما سورية بالنسبة له فهي صدى لما قاله "سليماني" (الخط الأمامي للمقاومة)؛ لأن إيران إلى جانبها؛ وإسرائيل مرعوبة؛ فهي تردُّ على مقاومة وممانعة الأسدية والخامينائية بغارات سخيفة.
هذا هو مرشح الحرس الثوري الإيراني-ذراع الخامنئي في حكم إيران- "حسين أمير عبد اللهيان" لوزارة خارجية "الجمهورية الإسلامية"؛ والذي ينحدر من بلدة "دامغان" في محافظة "سمنان" الإيرانية. لأسباب كثيرة، يبدو أن الخيار وقع عليه بعد مفاضلة بينه وبين "علي باقري كني" و "سعيد جليلي".
هذا المرشح لم يجد حرجاً بالقول يوماً بأن زيارة "البابا" للعراق نتيجةٌ لأفضال وتضحيات قائد فيلق القدس "الشهيد" قاسم سليماني. نعم هذا هو "عبد اللهيان" الابن البارّ لحرس خامينائي الثوري، الذي ألصقه بالخارجية الإيرانية عنوة عند جواد ظريف عام 2013، والذي قرِفَ الحياة الدبلوماسية بسببه؛ فنقله المرشد عام 2016، نزولاً عند رغبة الحرس، ليكون مسؤول البرلمان الإيراني عن السياسة الخارجية؛ والتي أضحت منذ ذلك العام برأسين ظاهرياً.
لم يكن "عبد اللهيان" قد بلغ الثلاثين، عندما عيّنه خامنئي وحرسه الثوري عام 1992 خبيراً سياسياً في وزارة الخارجية الإيرانية، ثم نائبَ سفير في بغداد، فسفيراً في البحرين، وصولاً إلى نائب لجواد ظريف حتى 2016؛ حيث كان جواد ظريف قد أزاح كبار مسؤولي الوزارة السابقين، باستثناء "عبد اللهيان" لارتباطاته بالحرس الثوري، إلى أن طفح الكيل عام 2016، فأعاده الحرس الثوري كمستشار للشؤون الخارجية لرئيس البرلمان الإيراني "لاريجاني"؛ وأخيراً بوجود "رئيسي" الرئيس الجديد لإيران- الواضح الانتماء للحرس الثوري وإرث "سليماني"- يتم وضع حسين أمير عبد اللهيان على رأس الخارجية من الباب إلى المحراب.
خلال سنواته نائباً لظريف، جرت محاولات من قبل الثنائي (روحاني-ظريف) لتغييره بـ "محمد صدر"، الذي ينتقد السياسات الإقليمية لإيران، وخاصة تلك العلاقة مع الأسد؛ إلا أن سليماني وحرسه الثوري حالوا دون ذلك؛ ولم يكن الثنائي مستعداً لإثارة خلافات مع الحرس الثوري الأعز على قلب خامينائي. وقد يكون الأمر في النهاية مجرد لعب أدوار؛ إلا أن الواقع كان يَشِي بتلك الانقسامات.
قيل عن "جواد ظريف" بأنه الوجه الناعم لدولة الملالي؛ وها هو الشيء ذاته قد بدأ يتكرر في توصيف "عبد اللهيان" غير المعروف تماماً في دوائر صناعة القرار الغربية. وهنا يتم الاستشهاد بأول مشاركة له في لقاء أمني بين الأمريكيين والإيرانيين في العراق عام 2007 بعد قطيعة طويلة بين الجانبين. ويؤكد المسوِّقون بأن ذلك الشاب الأربعيني كان مع فكرة "الحوار مع الخصم"؛ ولكن هؤلاء ينسون أو يتناسون أن ما هو أعمق من الحوار يجري بين عصابة الملالي وما تسميه "الشيطان الأكبر".
مع وصول "عبد اللهيان" القادم بثقة إرث سليماني والحرس الثوري وبمباركة "الولي الفقيه" كتيار "متشدد"؛ ومع إزاحة صورة الاعتدال والمرونة التي تم رسمها لروحاني وظريف، ومع تلك المواجهة المفتَعَلَة حسب مبدأ "التقية"؛ ومواجهتهما مع التيار المتشدد؛ ترسل "الجمهورية الإسلامية" رسالة لمحيطها العربي وللعالم بأن ذلك التوتر قد زال، وأن مَن يُسمّون متشددين هم المقررون فوق الطاولة وتحتها، أكان ذلك بخصوص الملف النووي أم بالسياسة الإقليمية لطهران.
والأمر هكذا، ليبشر هذا العالم بسراديب جديدة بخصوص هذين الأمرين؛ فبوجود عبد اللهيان، لم يعد هناك فَرْق إذا بقي الملف النووي في عهدة خارجية طهران، أم عاد إلى المجلس الأعلى للأمن القومي؛ فالرجل تلميذ سليماني والاثنان كما يفتي الكاهن الأكبر، حارسَا "الثورة"؛ فاللعب الآن أضحى فوق الطاولة، لا حسب "التقية".
لمعرفة ما يحدث واستدراكاً لما حدث، لا بدّ أن يتذكّر السوريون أن الاسم الذي أطلقته إيران على الانتفاضات العربية عام 2010 ("The Islamic Rise " نهضة الإسلام)؛ حيث كان التهليل والترحيب والتشجيع للشعب المنتفض على أشدّه إيرانياً؛ وأن الموقف كان كذلك إلى أن قامت انتفاضة الشعب السوري عام 2011، فتحوّل الخطاب الإيراني إلى وصف ما يحدث في سورية بالإرهاب والمؤامرة الكونية؛ وعندها كان التدخل الإيراني، الذي نشهد نتائجه اليوم.
وبحكم معرفة "حسين أمير عبد اللهيان" باللغة العربية وانتمائه لفصيلة "سليماني" وخبرته المعمقة بالمنطقة العربية، وبحكم أنه كان لسان حال الخارجية الإيرانية منذ 2011 وأحد عرّابي دخول الحرس الثوري وميليشياته- وخاصة حزب الله- في سورية، بداية باسم مستشارين وصولاً إلى عشرات أصناف قطعان الميليشيات من مختلف الجنسيات والمرتزقة التي تبتزها وتستضيفها عصابة الملالي في إيران، ها هو المُضمَر يصبح علنياً، وها هي سياسة الملالي الخارجية تدفع بعبد اللهيان إلى السطح أمام السوريين وأمام العالم، متمثلة بشخص عبد اللهيان دون "تقية" أو بهلوانية الذي ينسب إليه أنه التقى مع المصريين ذات يوم في السنوات الماضية وهمس لهم قائلاً: "نحن وأنتم فقط في المنطقة نستحق الاحترام، الحضارة الفارسية والحضارة الفرعونية، وليس بيننا سوى بضع خيم" قال ذلك في جلسة خاصة، ولن يتردد في قولها علناً الآن. هذا إذا استمرت غفوة العرب.