سورية الأولى تُدعى سورية الأسد وهي مزرعة لعائلة الأسد، وتَعتبر كل مَن يعيش فيها عبيداً خلقهم الله لخدمة هذه العائلة "الوسخة" ولمن هو مقرب منها جداً أي الحثالات والشبيحة، وللأسف يقر بعبوديته ويتبعهم عملياً كل مَن لا كرامة له أو بقي صامتاً بعد 10 سنوات من الإبادة والقتل والتهجير والتدمير والسجن والتعذيب ووووووو.
سورية الأولى تكوَّنت من البداية وَفْق قانون الغاب بالقمع والحديد والنار وربطت مصيرها بمنظومة عالمية تحميها وبدأت تسرح وتمرح في المنطقة باستثناء حالات أغضبت حُماتها فعاقبوها مثل إجبار النظام على الانسحاب من لبنان عام 2006 خلال 48 ساعة، وكذلك تسليم عبدالله أوجلان لتركيا بعد إخراجه من سورية 1998 بعد تهديد تركي قاسي اللهجة.
وحمت سورية الأولى نفسها لخداع الشعوب بأنها تنتمي لمحور المقاومة والممانعة بقية نظام الملالي الإيراني الذي يقود عمليات تخريب وتدمير المنطقة العربية والذي أيضاً نشأ وترعرع بحماية غربية، ويبدو أنه أيضاً له تنسيق مع النظام العالمي.
استغلت سورية الأولى كل رصيد سورية الثانية لصالحها واعتبرته جزءاً من إنجازاتها فلا تاريخ قبلها.
غالبية السوريين في سورية الثانية يفتخرون بانتمائهم السوري ولكن من منطلق الحضارة والتاريخ والإنسانية وكون هذا الشعب متميزاً في إبداعاته ونمط حياته ويشهد له العالم بذلك بالمفهوم الإيجابي. بينما سورية الأولى حرَّفت كل شيء إيجابي لصالحها، وبلورت ثقافة قوامها تأليه هذه السلطة؛ لأنها هي الدولة وهي الشعب وهي التاريخ وهي الحضارة ولولاها لَمَا كانت سورية بهذه المكانة المرموقة في التاريخ.
لكن سورية الأولى قزَّمت سورية الثانية ومسخت عقول الناس وكرَّست سلطة الخوف والرعب وفرضت الصمت على الناس.
أدوات سورية الأولى هي القمع والاعتقال والتفرقة بين الناس ونشر الطائفية والمزاودة بشعارات قومية واجتماعية وأحياناً دينية لذرّ الرماد في العيون وهو أكبر عدو لتلك الشعارات.
وسورية الثانية هي سورية الشعب السوري المؤمن بحريته وكرامته سورية مهد الحضارات والثقافات والأديان التي يعتز بها مؤرخو العالم ويعتبرونها وطن الإنسان أينما كان.
سورية الثانية منها انتشرت المسيحية دين السلام والمحبة ومنها انتشرت أول أبجدية في التاريخ (أوغاريت) ومنها انتشرت الموسيقى وطريقة اكتشاف البحار وبناء السفن وصناعة الأصبغة الحمراء (الفينيقيين).
سورية الثانية هي سورية الكُبْرى المكونة من سورية المعروفة بهذا الاسم ومن لبنان وفلسطين والأردن أي سورية الثانية هي بلاد الشام.
وبلاد الشام تعاقبت فيها الحضارات وقدمت للتاريخ إسهامات كبيرة.
ففيها مدينة دمشق الفيحاء أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وفيها تأسست الدولة الأموية التي نشرت الإسلام في العالم بعد أن وطدت أسس الدولة الحديثة وقامت بتعريبها بمساعدة السريان.
في سورية القديمة كانت الحضارة الرومانية، حيث قدمت سورية للإمبراطورية الرومانية 6 أباطرة منهم إمبراطورة زنوبيا ملكة تدمر.
ومن سورية انطلق قسيسان ميفوديوس وكيريليوس وهما بيزنطيان وذهبا إلى روسيا وأسَّسا الأبجدية السلافية التي تعتبر أساس اللغة الروسية المعاصرة، طبعاً بهدف نشر المسيحية وتمكين السلافيين من قراءة الإنجيل.
لقرون طويلة كانت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية تابعة لبطريركية دمشق وسائر المشرق وكانوا -وما زالوا- يعتبرون أن القدس أكبر عاصمة روسية للمسيحيين. وهي كذلك للمسلمين- أولى القبلتين.
سورية الأولى هي سورية النظام وطغمة عائلة مستبدة احتكرت السلطة والثروة وهي ومَن يخدمها من شبيحة فئة قليلة تتحكم بالبلاد، ولا يمكنها أن تحل محل سورية الثانية- الشعب والبلاد والتاريخ والحضارة.
تلك قصة الثورة السلمية الشعبية: كانت ثورة سورية الثانية ضد سورية الأولى المزيفة ولكن العالم كله وقف ضد سورية الثانية لماذا؟
لأن سورية الثانية بعد أن تتخلص من هيمنة الفئة المستبدة يمكن أن تقلب وجه المنطقة والعالم كما كانت سابقاً؛ لأنها مركز حضاري وثقافي عالمي يستقطب اهتمام كل الدول والمختصين لعراقتها وتنوع ثقافاتها ودورها الحضاري.
وهل صدفة أن تمسك السلطة في سورية تلك العائلة القذرة منذ 1970؟ أعتقد أن وجود إسرائيل سهّل هذه المهمة وكل ما حدث خلال العشر سنوات الأخيرة يؤكد الروح العدائية لهذه السلطة ضد الشعب السوري، وقوة الارتباط والتبعية للخارج أي العمالة.
سورية الأولى -الأسد- زائلة لا محالة، وسورية الثانية -بلاد الشام مهد الحضارات والتاريخ- باقية ومنتصرة بإذن الله.
Author
-
د. محمود الحمزة عالم وسياسي سوري أستاذ دكتور في الرياضيات ومختص في تاريخ العلوم العربية يقيم في موسكو وكبير باحثين علمي