في أعوام أربعة من التسعينيات 1994-1997 نظمنا أسبوعاً سنوياً باسم الأسبوع الثقافي لقسم الفلسفة في محاولة لنَشْر خطاب التنوير والحرية والديمقراطية.
كان الدكتور حامد خليل حينها عميداً لكلية الآداب وصادق العظم رئيساً لقسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية، وللقسم شعبتان، شعبة الفلسفة رئيسها أحمد برقاوي وشعبة علم الاجتماع رئيسها خضر زكريا.
كان حامد خليل يؤدي وظيفة إدارية وحزبية وسياسية، فاقترح، على مجلس الجامعة إقامة أسابيع ثقافية في كلية الآداب.
وافقت الجامعة على الاقتراح دون أي اكتراث برأي فرع الجامعة للحزب؛ لأن مصدر الاقتراح أعلى من صلاحياته.
وكانت العلاقة مباشرة بين حامد خليل ومكتب الإعداد الحزبي الذي يرأسه أحمد درغام، وهو أستاذ في قسم الفلسفة.
اجتمع حامد خليل بصادق العظم وأحمد برقاوي وخضر زكريا ويوسف سلامة، واقترح إقامة أسبوع ثقافي للقسم ودعوة مَن نشاء من مفكِّري الوطن العربي، وإن الموافقة تمت من جهات عُليا.
وإنه سيتكفل بالموافقات الأمنية للمَدْعُوِّين ممَّنْ هم على قائمة المنع من دخول سورية وخاصة من لبنان.
وهكذا كان هناك حماس لهذه الفكرة، واقترح صادق اللقاء في بيته الواسع لترتيب موضوع الأسبوع، وتحديد فقراته، واقتراح المشاركين به.
وجرت عدة جلسات في بيت العظم كانت تحضرها الأسماء السابقة بالإضافة إلى فيصل دراج، الذي كان صديق الجميع.
وفي هذه الاجتماعات كنا نقرر الموضوعات وفقرات الموضوعات وأسماء المشاركين بمشاركة حامد خليل، وكان حامد هو الضامن والحامي وصلة الوصل مع أصحاب القرار.
اشترك في أسبوعنا الثقافي نخبة من ذلك الزمان من السوريين والعرب، والعالقون في ذاكرتي هم من سورية: نايف بلوز، يوسف سلامة، صادق العظم، طيب تيزيني، عادل العوا، غانم هنا، خضر زكريا، عدنان مسلم، وأنا، من قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية.
وعبد الرزاق عيد، جمال باروت، محمد الأطرش، عصام الزعيم، نبيل مرزوق، جودت سعيد، جورج طرابيشي.
ومن العرب: رفعت السعيد، محمود أمين العالم، محمد سعيد العشماوي، علي الدين هلال، الشيخ عبدالكريم، محمد عابد الجابري، ناصيف نصار، موسى وهبة، أحمد الربعي، عزمي بشارة.
كان المدرّج الخامس -وهو المدرّج الأكبر- يمتلئ بالحضور من كل الاتجاهات، والحوارات كلها تتجه نحو ضرورة الحرية والديمقراطية والعلمانية في عصر العولمة.
وكانت أكثر الأقسام في تلك السنوات تقيم أسابيع ثقافية، ولكنها كانت ذات أثر محدود.
ويبدو أنه في سنوات التسعينيات كان النظام يفكر بتجاوز أزمة كان يعيشها بعد زوال الاتحاد السوفيتي، فاختار أن ينفتح على آراء وتيارات النخب الثقافية آنذاك. المهم انتهت هذه الظاهرة إلى غير رجعة بعد السنوات الأربع، وأسبوع خامس محلي فاشل لم نكن مشاركين فيه.
بعد سبعة وعشرين عاماً تعلن جامعة دمشق عن الاحتفال بتوقيع كتاب بعنوان: (الإمام الحسين وآفاق المستقبل، قراءة معاصرة). تأليف عدد كبير من الكَتَبَة.
ما الفرق بين الظاهرتين؟ أسبوعنا الفلسفي الثقافي كان تعبيراً عن رغبة النظام في الخروج من أزمة ذات أسباب عالمية. فيما الاحتفال بكتاب عن الحسين تعبير عن مأزق وإعلان هزيمة تاريخية، إنه البصمة الإيرانية في السعي لهيمنة ثقافية بوصفها ثمن الانخراط العسكري الميليشياوي الشيعي في الدفاع عن النظام.
وبمعزل عما إذا كانت شخصية الحسين المسرودة في التاريخ الإسلامي حقيقية أم أسطورية، وبمعزل عن السردية الشيعية أو السنية حول مقتله، وبمعزل عن أن التاريخ بوصفه رواية شفاهية لا يعتد به، وبمعزل عن الحمولات الأيديولوجية لهذه القصة، ولو أننا، صدقنا جدلاً، كل السرديات التاريخية لمقتل الحسين، فإن هناك فرقاً بين الوعي الشعبي بشخصية الحسين، والبحث التاريخي المنهجي والنقدي للروايات التاريخية.
فواقعة الحسين إن كانت قد حصلت فعلاً، فإنها في علم التاريخ الذي يحترم العقل لا تعدو سوى محاولة شخص جاء للقيام بانقلاب مسلح على سلطة بني أمية، ليحكم وقد فشل في ذلك، وقُتل بسبب ذلك.
وتحويل جامعة دمشق إلى مكان للاحتفال بالقصص الأسطورية ليس سوى صورة من صور الانحطاط الذي يتولَّد من المأزق التاريخي.
فيديو يظهر حفل توقيع كتاب الإمام الحسين وآفاق المستقبل