واجهت جميع السلطات الحاكمة لبلدان الربيع العربي تمرُّد الحركات الشعبية وثوراتها وهي مصابة بمرض الجُذَام السياسي.
والجُذام، لمن لا يعلم، مرض ناجم عن بكتيريا فطرية، وقد يستمر هذا المرض بلا أعراض لمدة قد تصل حتى عشرين عاماً. ثم يسبب هذا المرض فِقْدان الإحساس بالألم، وضعف البصر، وفِقْدان بعض أجزاء من الجسد.
والمتأمل، حقاً، بالجماعات العسكرتارية الحاكمة يجد بأنها قد أصيبت جميعها بمرض الجُذَام السياسي.
فلم يَعُدْ لديها أي إحساس بالألم، وأصابها عجز في رؤية الواقع، وشيئاً فشيئاً راحت تفقد أعضاء جسدها الضرورية للبقاء، دون البحث عن أي دواء للبُرْء من هذا الداء. لكن جميع هذه الأجساد السياسية قد فقدت أهم عضو في الجسد وهو الرأس. فلم تعد قادرة على التفكير.
فحين انفجر الربيع العربي كانت جميع السلطات الحاكمة لبلدان الربيع فاقدة الرأس تماماً، ولهذا كان تعامُلها مع الربيع خِلْواً من التفكير، معتقدة بأنها بأطرافها المترهلة والمفقودة كانت قادرة على المواجهة، والانتصار على الحركات الشعبية.
وكانت كل سلطة من هذه السلطات تعاني من جُذامها الخاص، ومن أعراض مختلفة، وذلك وَفْق درجة شدة الجُذام وكيفه وترهل جسدها وفِقْدان مناعتها. لكنها جميعها كانت تشترك بالعماء. وحتى العماء كان متفاوتاً.
ومن هنا نفهم لماذا كان الجذام العراقي والسوري واليمني والليبي أخطر الأنواع. فالمعاناة من تخريب فيروس الجُذام كانت طويلة وشرسة في هذه البلاد.
لا شك بأن الجُذام السياسي وبخاصة في مراحله الأخيرة يولد الاستقواء عليه من قوى متعددة، وأخطر هذه القوى تلك المصابة بالجُذَام التاريخي.
فالحوثيون مثلاً، ليسوا جسداً صحيحاً ليشكل بديلاً عن الجُذام الذي أصاب بِنْية علي عبدالله صالح السلطوية؛ لأنهم جزء من الوسخ التاريخي الذي ولَّده علي عبدالله صالح. وهذا الوسخ التاريخي المنتشر الآن في العراق وسورية ولبنان قد أعاق التجاوز الواقعي والمنطقي والإنساني والديمقراطي لسلطات الجُذَام السياسي. وقِسْ على ذلك "داعش" و"النصرة" وبقايا أحزاب الحاكمية لله.
فالجُذَام التاريخي ليس بديلاً أبداً عن الجُذَام السياسي للوسخ التاريخي العسكرتاري الذي حطَّم المدنية والمدينة والنخبة والثقافة والاقتصاد والعلاقات المعشرية .
وسائلٍ يسأل: كيف يمكن التخلص من هذين النوعين من الجُذَام؟
يجب أن يعلم الجميع أن جسداً أصيب بالجذام وفَقَدَ أهم عضو من أعضائه -ألا وهو الرأس ومَلَكَة التفكير- لا يمكن أبداً أن يعود إلى حالته الطبيعية ويصبح قادراً على التفكر، وقِسْ على ذلك الجُذام التاريخي للحركات الأصولية العُنْفية من كل الأنواع.
ولهذا فالحلّ يكمن في ولادة جديدة للمجتمع وللسلطة أساسها العَقْد الوطني والعَقْد الاجتماعي.
ولهذا فإن استعادة المجتمع لجسده الصحي والشفاء من الجُذام السياسي الذي عاناه مستحيل مع بقاء ماهية السلطات المصابة بداء الجذام وبقاء الوسخ التاريخي. وعندما أقول ماهية السلطات فهذا يعني أنها ماهية غير قابلة للتغير أبداً.
فالحركات السياسية والاجتماعية المدنية من نقابات وجمعيات متحررة من سلطات الجُذام السلطوي والتاريخي هي البديل الواقعي، وهذا البديل يحتاج إلى خارطة طريق طويلة الأمد؛ لأن القوى الجُذامية رغم فِقْدانها للرأس -وبسبب فِقْدانها للرأس- لا ترى غير العنف والقتل والتدمير سبيلاً لبقائها. غير أن اقتناص لحظة انهيارها يحتاج إلى نخبة سياسية مبدعة تفكر بالمصير الوطني ليس إلا.