بموجب معاهدتَيْ "كلستان" عام ١٨١٣، و"تركمان جاي" 1828،الموقَّعتين إثر حربين خسرتهما طهران أمام "بطرسبورغ" تم إخراج إيران القاجارية من القوقاز الذي تشكلت دوله الأربع، أذربيجان، أرمينيا، جورجيا، داغستان. بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراط عقد جمهورياتِه مطلع تسعينيات القرن الماضي.
أقر المجلس الأعلى لأذربيجان استقلال البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر عام "١٩٩١" التي خسرت خلال السنوات الأولى لاستقلالها "16%" من أراضيها ومنها إقليم "ناغورنو قرباخ" في الحرب التي نشبت مع أرمينيا المدعومة روسياً، فيما لم تحظَ أذربيجان سوى بدعم براغماتي قصير من طهران في محاولة لمناكفة السياسة الروسية في منطقة يعتبرها الطرفان الروسي والإيراني فضاءه الإستراتيجي.
دخلت تركيا على الخط مدفوعة برؤية الرئيس التركي الأسبق، "تورغوت أوزال" القاضية بتمدُّد النفوذ التركي للوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى التركمانية، فاعترفت أنقرة بالدولة الأذربيجانية في اليوم التالي لإعلانها، وبذلك عاد الصراع مجدداً بين الدول الوارثة للإمبراطوريات الثلاث الروسية، والعثمانية، والفارسية، بعد عقود من الاستقرار الناجم عن مبدأ الحياد التركي والتخوف الإيراني من الغضب السوفيتي.
لعبت السياسة الخارجية دوراً في إبعاد الجارتين الإيرانية والأذربيجانية عن بعضهم بعضاً رغم العامل التاريخي والديني (المذهبي) المشترك للدولتين، إذ انقلب الدعم الإيراني القصير لأذربيجان إلى عدوتها أرمينيا نتيجة توجُّه باكو إلى الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل خصوصاً، في ضوء السياسة الأذرية القائمة على إرادة البقاء نظراً لوضعها الحرج.
خلال الأسابيع الماضية تم تنفيذ ثلاث مناورات عسكرية في منطقة القوقاز، تحت مسمى "الأشقاء الثلاثة" حيث نفذت باكستان، وتركيا، وأذربيجان المناورة الأولى في أيلول/ سبتمبر الماضي، تبعتها المناورات الإيرانية بداية تشرين الأول/ أكتوبر الحالي على الحدود الأذربيجانية، أجرت بعدها تركيا وأذربيجان مناورات مشتركة في إقليم ناخشيفان، ما رفع وتيرةَ التوتر في منطقة تداخَل فيها النفوذ الإقليمي والدولي نظراً للأهمية التي تحظى بها كمصدر مهمّ للطاقة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي المميز والواقع في أغلب مشاريع خطوط إمداد الطاقة للدول المتنافسة.
فيما تأمل طهران الِاستفادة من أراضي الحليف الأرميني في مشروع خطوط إمداد الطاقة باتجاه الشمال والغرب، جاء الاتفاق الروسي الأذري الأرميني، لإنهاء الحرب بين الدولتين الأخيرتين في العام الماضي مخيِّباً للآمال الإيرانية، إذ شمل الاتفاق على فتح معبر "ميغري" بين أذربيجان، وإقليم ناخشيفان المحاذي للحدود التركية، مما أدى لربط أذربيجان بتركيا ومنح الأخيرة إمكانية الوصول إلى بحر قزوين، كما قلل المعبر الحاجة الأذرية للأراضي الإيرانية كطريق للوصول لناخشيفان مما أفقد طهران ورقةً للضغط على "باكو" كما تخشى طهران تطوُّر هذا المعبر لحدّ حرمانها من التواصل الجغرافي مع أرمينيا، مما يعني دفن مشروعها المأمول لنقل الطاقة، وهو ما يفسر تصريح وزير الخارجية الإيراني، "حسين أمير عبد اللهيان" أن بلاده لن تتسامح مع سعي أذربيجان إلى تغيير خريطة القوقاز.
تنظر طهران بتوجس لتمدُّد النفوذ التركي في القوقاز، ووسط آسيا عبَّر عنه احتجاجُ وزارة الخارجية الإيرانية على المناورات التركية الأذربيجانية المشتركة في بحر قزوين، إذ اعتبرت أن التدريبات تنتهك اتفاقية دولية تحظر الوجود العسكري لدول غير مطلة على البحر، فيما ردَّ محللون أذريون بأن إيران هي الدولة القوقازية الوحيدة التي لم تصادق على هذه الاتفاقية، وفيما تكتم طهران احتقانها تجاه أنقرة تنفثه في وجه تل أبيب، حيث صرح قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني العميد ”محمد باكبور”: «أن بلاده لن تقبل أن تتحول أراضي دول الجوار إلى ساحة آمِنة لإسرائيل» إلا أن العلاقة الأذربيجانية الإسرائيلية ليست جديدة حيث يربط الطرفين العديدُ من المعاهدات العسكرية والأمنية والاقتصادية يعود بعضها للسنوات الأولى لاستقلال أذربيجان، مما يدل على أنَّ القضية ليست شاحنات ومناورات أو وجود طرف الثالث كما تدَّعي طهران، ولكن القضية نابعة من إفرازات النصر الأذري في "قرباخ" وهو ما عبَّر عنه سابقاً النائب الإيراني محمد رضا أحمدي سنجاري بالقول: "إن باكو أصبحت متعجرفة بسبب انتصارها العسكري على أرمينيا والذي تحقق بسبب (المنشطات التركية)" حسب سنجاري، أو أن الأمر كما أشار له الدبلوماسي السابق، فريدون مجلسي بالقول: "إن التوتر الأخير راجع إلى أزمة الاتفاق النووي" موضحاً أن الحكومة الحالية المعارضة للاتفاق تحاول تعليق المفاوضات للاستمرار في برنامجها النووي للوصول إلى النتيجة التي يمكن لها الاستفادة منها في المفاوضات، مضيفاً أن أي رد عسكري إيراني ضد أذربيجان يُعتبر بمثابة إعلان حرب مع الناتو.
خرجت إيران سابقاً من القوقاز مهزومةً أمام جيش إمبراطوري، فيما تبدو تحالُفات "باكو" -التي لم تبلغ من العمر "عمر أصغر برلماني إيراني"، حسب وصف سنجاري- تُخرج النفوذَ الإيراني من القوقاز وتُضاعِف هواجسَ طهران من تَنَامِي نزعةٍ انفصالية لدى الأذر الإيرانيين.