خاص – نداء بوست
أخيراً شكلت طالبان حكومتها الجديدة في أفغانستان، في الوقت الذي يستعصي تشكيل حكومات في بلدان هياكلها المدنية متقدمة مثل لبنان وتونس، وجميع هذه البلدان شهدت تغييرات تكاد تكون جذرية خلال الأعوام الماضية، إلا أن طالبان الوحيدة التي عبرت إلى هيئة تستطيع من خلالها التحول من حركة جهادية نضالية، إلى أفق الدولة التي تعيش وسط العالم في تعقيداته الحالية وتشابكاته العديدة.
بين الأسرة الدولية
تعليق المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، على إعلان حركة طالبان يوم أمس الثلاثاء، تشكيل حكومة تصريف أعمال في أفغانستان. جاء حيادياً، حين قال إن الأمم المتحدة لا تشارك في أعمال الاعتراف بالحكومات، لأن القرار في ذلك يعود إلى الدول الأعضاء. وأضاف "من وجهة نظرنا فيما يتعلق بالإعلان، فإن تسوية شاملة يتم التفاوض عليها هي وحدها التي ستحقق سلاماً مستداماً في أفغانستان".
كما أشار إلى أن الأمم المتحدة ما تزال ملتزمة بالمساهمة في حل سلمي، وفي تعزيز حقوق الإنسان لجميع الأفغان، وتعزيز التنمية المستدامة، وتقديم المساعدة الإنسانية المنقذة للحياة والدعم الحيوي للمدنيين المحتاجين.
أما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فأكد مجدداً أن تركيا ستستمر في متابعة المسار الجديد في أفغانستان عن كثب. وأضاف في مؤتمر صحافي قوله معتبراً أن حكومة طالبان "من الصعب تسميتها دائمة“، متسائلاً: ”لا نعرف إلى متى ستستمر هذه الحكومة، واجبنا الآن هو متابعة هذا المسار عن كثب".
بدورها، علقت الولايات المتحدة على لسان المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي على إعلان طالبان، بالقول: "إن واشنطن ليست في عجلة من أمرها للاعتراف بالحكومة الجديدة، الأمر سيعتمد على الخطوات التي تتخذها الحركة.. العالم يراقب ومن ضمنه الولايات المتحدة“.
الباحث في مركز أبعاد المتوسط للدراسات الإستراتيجية عبيدة فارس قال لـ ”نداء بوست“: إن خلافاً يدور اليوم في أوساط الخبراء حول العالم عما إذا كانت طالبان بنسختها الجديدة لعام 2021 قد تغيّرت عن نسختها التسعينية.
وأضاف فارس ”على ما يبدو فإنّ طالبان أرادت أن تُرسل عَبْر تشكيلتها الحكومية الجديدة رسالة طمأنة لجمهورها بأنها لم تتغير، وأن تصريحاتها الأخيرة التي صُنّفت "معتدلة" لا تمسّ جوهر فكرها وهيكلها“.
ويشير فارس إلى وجود ثلاثة وزراء على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة، معللاً تسمية طالبان لهم في هذا التوقيت بأنه رسالة من نوع خاص ليست بالضرورة موجهة إلى العالم الخارجي، ويضيف ”هذه الرسالة تستهدف الحاضنة الشعبية للحركة في أفغانستان وباكستان، ولم يتم استقبالها بشكل سلبي تماماً في الخارج، فالولايات المتحدة التي يفترض أن تكون أكثر المعنيين بتعيين شخصيات من قوائم عقوباتها، أو سجناء سابقين في غوانتانامو، تجاهلت تقريباً هذه الرسالة في موقفها الرسمي، واعتبرت أن أفعال الحكومة ستكون موضع الحكم الأمريكي لا تركيبتها“.
التحوّل من القتال إلى السياسة
تصريحات طالبان خلال الأيام الفائتة، تعكس انفتاحاً تريد الحركة أن تعزّزه، لتقول ها قد ألقينا السلاح. يقول فارس: ”تعكس تركيبة الحكومة الطالبانية أن الحركة لا تحمل إلا مشروعاً عسكرياً بإطار سياسي هش، دون مشروع لإدارة الدولة وتحقيق التنمية ولو بالحد الأدنى، فالوزراء جرى تعيينهم على ما يبدو بناء على ماضيهم (النضالي)، دون أن يمتلكوا الحد الأدنى من الخبرة في وزاراتهم، ما عدا وزارة الدفاع والداخلية بطبيعة الحال“.
تساعد طالبان تركيبتها القبلية التي مكنتها من بسط هيمنتها بسهولة على كامل جغرافيا أفغانستان، حتى الوادي المتمرد بات اليوم تابعاً لسلطة طالبان، ولم يبق سوى تحدي إدارة الدولة وإعادة الإعمار. وحول ذلك يقول فارس ”الحركة التي استطاعت بفضل تركيبتها القبلية والدعم الاستخباري الخارجي السيطرة على كامل أفغانستان اليوم كما فعلت في تسعينيات القرن الماضي، وتمكّنت من إسقاط كل الفاعلين المحليين آنذاك واليوم، لن تكون قادرة على بناء الدولة، ولا تتمكن من تحسين حياة المواطنين أو حتى الحفاظ على المستوى الحالي له“.
المتحدث باسم "طالبان" ذبيح الله مجاهد كان قد قال إنّ الحركة ستملأ الشواغر المتبقية في تركيبة الحكومة، وأنها تُجري مشاورات لاختيار الأشخاص المناسبين. وتتألف الحكومة من أمير خان متقي وزيراً للخارجية بالوكالة، وهداية الله بدري وزيراً للمالية بالوكالة، وسراج الدين حقاني وزيراً للداخلية بالوكالة، ومحمد يعقوب مجاهد وزيراً للدفاع بالوكالة، وعبد الحكيم شتي وزيراً للعدل بالوكالة، وعبد الحق واثق لرئاسة جهاز الاستخبارات.
وحتى يتضح مدى قدرة طالبان على الانتقال من ”الثورة“ إلى ”الدولة“ ثم إلى العالم، لتكمل بذلك الأنموذج الذي يراهن عليه كثير من المراقبين في العالم الإسلامي، سيكون عليها أن تخضع للمزيد من الاختبارات، التي قد لا تكون الحركة عابئة بها أساساً.