لقد كشفت مجريات الشهرين الماضيين في جنوب سورية مرة أخرى ضعف نظام بشار الأسد الممزق، ومدى اعتماده التامّ على شركائه الروس والإيرانيين للحفاظ على سيطرته حتى على المناطق التي يسيطر عليها ظاهرياً وكان سقوط كابول مسألة تحذيرية للأسد.
كانت مدينة درعا، بالقرب من الحدود مع الأردن، من بين المناطق التي أبرمت صفقات توسطت فيها روسيا مع الثوار لسيطرة النظام في عام 2018. وكانت درعا إحدى البؤر الأصلية للثورة السورية عام 2011، حيث شهدت المدينة أول احتجاجات حاشدة ضد حكم الأسد وظلّت المنطقة واحدة من أكثر المناطق معارضة للحكومة طوال الجزء الأكبر من العقد الماضي. وعندما توصّلت فصائل المعارضة المحلّية إلى "اتفاق مصالحة" مع دمشق في 2018، كان الأمر مختلفاً عن الصفقات الموازية في جيوب الثوار شمال حمص والغوطة الشرقية. فقد سُمح للمقاتلين بالاحتفاظ بالأسلحة الخفيفة والبقاء في المنطقة، ولم يُجبروا على العبور إلى إدلب كرفاقٍ لهم في أماكن أخرى. وكانت النتيجة ترتيباً متوتراً، ولكنه مستقر إلى حد كبير، كان قد شهد استمرار سيطرة المقاتلين المحليين من المعارضة على أحيائهم فيما سيطرت قوات أمن النظام على مداخل المدينة وطرق الإمداد.
وقد نجح هذا الاتفاق في الصمود لمدة ثلاث سنوات، على الرغم من التوترات المستمرة وتبادل إطلاق النار من حين لآخر. ووصلت الأمور أخيراً إلى ذروتها قبل شهرين، ومع ذلك، أثارت التوغلات الزاحفة من مناطق سيطرة ميليشيات النظام ردَّ فعلٍ عنيفاً من قِبل مقاتلي المعارضة فقامت الحكومة بفرض حصار واسع النطاق رداً على ذلك. وبعد أسابيع من الاشتباكات والقصف المدفعي وإرهاصات هجوم حكومي كبير، تدخل وسطاء روس لتأمين نزوح معظم المقاتلين المتبقين إلى شمالي سورية في 25 آب/ أغسطس. وسيشهد الاتفاق الذي سينتج عن هذه التحركات سيطرة قوات النظام سيطرة شبه كاملة على مدينة درعا بأكملها لأول مرة منذ عَقْد من الزمن.
لكن هذه النتيجة تكذّبها الكارثة العسكرية التي سبقتها. فمنذ أن قررت دمشق إنهاء الأزمة بالقوة في أواخر تموز/ يوليو، عانت قواتها من إذلال تِلْو الآخر. ولم يكن أداء الفرقة الرابعة المدرعة أفضل حالاً وهي الفرقة التي يُفترض أنها الأقوى، فهي الوحدة العسكرية التابعة للنظام بقيادة شقيق الأسد ماهر والمسؤول عن محاصرة درعا، وهي أفضل قليلاً من أي ميليشيا أخرى بالكاد مدربة تعمل في صفوف النظام.
وأظهرت لقطات مصورة لمقاتلين من المعارضة، على الرغم من عدم حيازتهم أسلحة ثقيلة ومعاناتهم لسنوات من الحصار، وهم يستولون على نقاط تفتيش تابعة للنظام ومجموعات من الجنود في تذكير لما حصل في أوائل العَقْد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفشلت الهجمات الحكومية في إحراز تقدُّم في الأحياء التي تسيطر عليها قوات المعارضة وتمّ دحر قوات النظام مراراً وتكراراً وبسهولة. وفي النهاية، كان الإنجاز الوحيد الذي تمكنت القوات الحكومية من تحقيقه هو قصف المدينة بشكل عشوائي.
ولذا فقد كان على أحد حلفاء النظام أن يرتب هذه الفوضى: في هذه الحالة، الحليف هو روسيا، التي نفذت وقف إطلاق النار لعام 2018 في المنطقة، واكتسبت ثقة السكان المحليين, ولو نسبياً أكثر من الميليشيات الإيرانية التي كانت الخيار الآخر.
من ناحية، أظهر هذا الترتيب في الأحداث الأخيرة النفوذ الذي يمتلكه الأسد على داعميه الأجانب. فكان الحاكم السوري قادراً على إعادة إشعال منطقة صراع مجمّدة وإجبارها على حلّ لا تراجع فيه، سواء كان ذلك بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية البحتة. لكن موسكو، التي لم تكن تريد أن ينهار الهدوء الهشّ الذي فرضته قبل ثلاث سنوات بشكل كامل، قامت بالتدخل وعرضت تنفيذ رغبة دمشق في فرض سيطرتها ولكن بوسائل أكثر ليونة.
إنه عجز النظام المطلق عن تحقيق أي شيء عسكريّاً، ومع ذلك، فهذه هي النتيجة الرئيسية الأخرى لهذه اللمحة. صحيح أن الجماعات المتحصنة في درعا لم تكن ناشئة, بل هي فصائل راسخة قويت شوكتها بسنوات من القتال. لكن القدرات القتالية حتى لقوات "النخبة" التابعة للنظام أثبتت بؤسها لدرجة أنه من الصعب تخيل أن يتم الإطاحة بأي تمرد منظم -ولو كان قليلاً- من قِبل نخبة مقاتلي النظام. ومن المحتمل أن تكون النتيجة الوحيدة المحتملة لمزيد من القتال في هذه البيئة الحضرية الكثيفة هي سلسلة غير محددة من هجمات المشاة الفاشلة التي ركزت على حملة قصف عشوائي، تماماً مثل فشل قوات النظام لسنوات في إحداث أي اختراق في أحياء مثل جوبر والقابون, وهما المنطقتان الواقعتان على بُعد كيلومترات قليلة من وسط دمشق. فلم يتمكن أي قدر من جهود إعادة التدريب الروسية من تغيير هذه المعادلة.
وتُظهر أحداث هذا الصيف في درعا أن الطريقة الوحيدة التي يتبعها نظام الأسد في الحفاظ على السيطرة –وهي القوّة الغاشمة- مقدّر لها أن تفشل في المرة الثانية التي ينسحب فيها داعموه الأجانب. وقد تخلّت الحكومة السورية منذ فترة طويلة عن أي مظاهر توحي بإعادة بناء البلد أو جعل الحياة صالحة للعيش لمواطنيها المتبقين، واختارت بدلاً من ذلك أن تستنزف الأموال القليلة التي لا تزال تتدفق إلى البلد بينما تحكم الشعب بالخوف. ثم تلقي بأعباء الحفاظ على الأمن على عاتق حلفائها.
في حين أن سورية بعيدة عن كونها مطابقة لأفغانستان التي هي تحت حماية الناتو، إلا أن هناك أوجُه تشابُه في اعتماد الأسد على القوات الأجنبية. ويبقى السؤال حول ما إذا كانت روسيا أو إيران ستسحبان قواتهما طواعية. لكن إذا فعلتا ذلك، فإن سقوط دمشق مع نظام الأسد قد يأتي بوتيرة متسارعة, تنافس في سرعتها سقوط كابول.
المصدر: تايمز-أوف-نيوز
ترجمة: عبدالحميد فحّام