تعاظَم دَوْر "حزب الله" بعد ثورات الربيع العربي، فلم يعد مجرد أداة بيد إيران للسيطرة على لبنان، وللتحرّش بإسرائيل لتحقيق مكاسب إقليمية، بل بات سيفاً مُسلَّطاً على رقاب السوريين، ورأس حربة للتدخل في أي بلد عربي لتحقيق المصالح الإيرانية.
منذ الانسحاب الإسرائيلي عام ألفين لم يعد للحزب أي دَوْر سوى حراسة أمن إسرائيل. تعزَّز هذا الدور بقوّة القانون الدولي بعد نصره الإلهي عليها عام ألفين وستة. لكنّه أخذ مع ثورات الربيع العربي بُعداً آخر، فلم يَعُدْ كافياً أن يمنع الحزب التعرض لإسرائيل من لبنان فقط، بل بات من مهامه تفتيت المجتمعات التي يُحتمل أن تلعب هذا الدور مستقبلاً، وهذا ما حصل في سورية.
تستثمر إيرانُ "حزبَ الله" في تحقيق توازُن طائفي في المنطقة العربية، فهو مِبضَع جراحيّ لتطهير المناطق العربية من سُكانها السنّة، ومدينة "القصير" أحد الأمثلة الصارخة.
كذلك يعمل الحزب على زراعة الحشيش، وتصنيع الكوكايين والهيروين وكافة المواد المخدِّرة إلى بلدان الجوار العربية.
وهذا السلاح له استعمالات اجتماعية وأخرى سياسية. فتخريب بِنْية المجتمعات العربية يؤدي إلى إضعافها داخلياً، ويحقق بالتالي القدرة على احتلالها طائفياً عَبْر الدعايات الموجَّهة والعصابات المحلية المأجورة.
كذلك يدرّ هذا السلاح الأرباح الهائلة على خزينة الحزب، فالمال الطاهر الذي كان يتكلم عنه حسن نصر الله بعد تدمير إسرائيل لبنى لبنان التحتية، تأتي طهارته من كونه مُعقَّماً بالمخدِّرات.
سياسياً يحقق الحزب من خلال المخدرات الكثير فهو يُغرق الأسواق العربية والعالمية إن استطاع، ليبتزّ المجتمعات الباحثة عن الأمن والاستقرار.
إنّه ببساطة مثل السارق الذي يأخذ الناس رهائن في البنك الذي سطا عليه، فإن لم تستجب السلطات لطلباته أعدم أو آذَى الرهائن.
وهكذا حال بعض البلدان العربية التي تحاول الآن الحوار مع النظام السوري لتجنُّب شرّ الحزب ومن خلفه إيران، ولا يدري قادة هذه الدول أنّهم كالمستجير من الرمضاء بالنار.
لقد أصبح النظام السوري عاجزاً عن تأمين حماية إسرائيل كما فعل منذ عام 1970، فقَدَ النظام أغلب قواته البرية، وأصبح مُلزَماً بموجب القرارات الدولية على تسليم سلاحه الكيماوي، أي أنه بات من غير أسنان يفاوض بحمايتها لتأمين بقائه في مهمة الحراسة هذه. ومن جانب آخر، تمرّس أبناء سورية، وخاصّة أبناء الجنوب، على الحرب الشعبية خلال مقارعتهم لقوات النظام الأسدي، فما الضامن ألَّا توجّه هذه الخبرات إلى مساعدة الفلسطينيين أو إلى محاولة تحرير الجولان، في حال حصلت مفاجأة من أي نوعٍ أدّت إلى تغيير النظام أو تغيير بِنْيته؟
من هنا تأتي أهمية دور "حزب الله"، فهو المُوكَل الآن بالحراسة، وهو يقوم بها من خلال تهجير أبناء المناطق المحاذية للشريط الحدودي من جهة، ومن خلال بناء قواعد بريّة له يُطِلُّ من خلالها على الحدود ويمنع أي خطر آتٍ من سورية. إنّه دور مُتفاهَم عليه ما بين الإيرانيين والإسرائيليين، وعلى مَن يشكِّك في ذلك أن يقرأ الواقع منذ 2006 وحتى اللحظة.
هل تعدَّتْ صواريخ ما بعد حيفا حدود "مزارع شبعا"؟ هل قدَّم حزب الله أيّة مساعدة لرفاقه جماعة حماس في حروبهم الخلّبية مع إسرائيل منذ ذلك الوقت؟ لا، لم يفعل ولن يفعل أبداً. كلّ ما يقوم به الحزب مجرّد تنفيذٍ لسياسة مُتفَق عليها سلفاً.
موجات الهجرة المرعبة التي تعصف بسورية، خاصّة من مناطق سيطرة النظام، نتيجة الدمار والانهيار الاقتصادي الذي سببته آلة النظام الهمجية، كل هذا يؤسس لدور بعيد المدى لحزب الله. فمن يبقى في سورية من الشباب الذكور هو بطبيعة الحال أمام خيارات صعبة، فإمّا أن يذهب إلى تأدية الخدمة العسكرية في جيش النظام، وهناك سيلقى كلَّ مَهانةٍ وذُلٍّ وجُوع، أو أن يتطوّع مع الحزب، وهناك سيلقى الاحترام والتدريب والوفرة المادية، فأيهما سيختار؟
يسعى حزب الله لتجنيد أبناء المنطقة استكمالاً لبناء الهلال الشيعي، والعرب غافلون عمّا ينتظرهم على يد الشيطان المتخفِّي تحت عباءة نصر الله. سيأتي اليوم الذي لا يمكن فيه اقتلاع هذا السرطان من أرضنا ومن عقول أبنائنا. فهل يستفيق النيامُ قبل وقوع الفأس بالرأس؟
Author
-
محامٍ سوري، مؤسس ومدير سابق للهيئة السورية للعدالة والمحاسبة المسجلة في لاهاي