بقلم: سيث فرانتزمان
ترجمة: عبدالحميد فحام
إيران قلقة وترى أن تحالفًا ناشئاً بين تركيا وأذربيجان، وكذلك بين أذربيجان وإسرائيل، من المُحتمل أن يقطع الطريق البري الذي يصلها بروسيا. وتخشى أن تعمل تركيا وأذربيجان بعد ذلك مباشرة مع الصين، وتقوم بتنحية إيران جانباً، مما يُضعفها اقتصادياً في الوقت الذي تكون فيه طهران ضعيفة مسبقاً. و تريد إيران الآن أن تستفهم من الروس ما إذا كانوا يُدركون ما يحدث في ساحتهم الخلفية.
وهذا ما كان عليه تحليل وكالة أنباء فارس لسياسات روسيا، والذي يعكس على الأرجح كيف يرى حكام إيران التحدي. ويثير المقال تساؤلاً حول ماهية الخطط التركية التي تخص روسيا في القوقاز.
فلقد لعبت روسيا تقليدياً دوراً مهماً للغاية في منطقة القوقاز، ويمكن أن يتأثر هذا الدور بجهود تركيا لإحداث تغيير جيوسياسي في المنطقة.
و عندما تقول إيران مصطلح "جيوسياسية" فإنها تميل إلى التلميح إلى التدخل الإسرائيلي وكذلك إلى التحرّك التركي لتوسيع العلاقات مع باكو.
و كما يقول الإيرانيون أن "منطقة القوقاز هي بلا شك واحدة من المجالات الرئيسية للأمن القومي الروسي".
و لكن وفقاً للإيرانيين أيضاً فإن "أولوية روسيا كانت في كثير من الأحيان هي منع النفوذ الغربي والأمريكي في المنطقة، وخاصة في بحر قزوين والقوقاز. ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بذل الأمريكيون جهوداً كبيرة للتواجد في منطقة بحر قزوين بحجة تأمين هذه المنطقة". و أرادت إيران إبعاد الولايات المتحدة وأعربت عن أملها في أن توافق روسيا على ذلك.
و لهذا السبب كانت طهران سعيدة برؤية أمريكا تغادر أفغانستان وترى نفوذ الولايات المتحدة يتراجع. ويضيف المقال الذي نشرته وكالة فارس أن :"التحركات الجديدة من جانب أنقرة وباكو لتعطيل النظام الجيوسياسي في المنطقة يمكن، إلى حَدٍّ ما، أن تقوم بتحويل المَدّ ليكون على حساب الروس؛ وعلى أي حال، يبدو أن روسيا تقوم حاليًا بتقييم الوضع".
كما أن إيران تريد روسيا أن تعرف أنه يجب عليها أن تكون حذرة من العمل مع تركيا في قضايا مثل صفقات إس-400 وأن الوقت قد حان لأن تهتم موسكو بإيران أيضاً.
باختصار، تريد إيران من روسيا أن تكفّ عن الإنشغال مع تركيا بكل شيء مع تزايد دور أنقرة القوي. و تتفهم طهران أن موسكو استخدمت أنظمة إس -400 لإبعاد تركيا عن الغرب. لكن هذا يناسب مصالح تركيا. فلقد بذل الروس جهودًا كبيرة على مَرّ السنين لإبقاء تركيا بعيدة عن الجبهة الغربية قدر الإمكان. و كان بيع نظام الدفاع الصاروخي إس-400 لتركيا جزءاً من هذه الإستراتيجية ".
و تعرف إيران أن "الروس يواصلون إبداء الاهتمام ببيع معدات عسكرية أحدث لتركيا" و لكن إيران تتساءل: وماذا عنّا؟ وتقول إيران إن روسيا وتركيا لا تتفقان فيما يجري في سورية وليبيا.
و تمتلك تركيا أيضاً شبكة واسعة من الاتصالات الأمنية والاستخبارية مع أعضاء الناتو، ولا سيما الولايات المتحدة، والتي تستخدمها واشنطن كمنصة لجمع البيانات المُهمة عن المنطقة.
فتركيا، على سبيل المثال، تواصل نشر جزء من نظام الرادار الأمريكي في المنطقة، لمواجهة أي نوع من إطلاق الصواريخ الباليستية في المنطقة ". و تُشير إيران إلى أن تركيا لا تزال تحتفظ بقوات أمريكية في قاعدة إنجرليك. وتقول وكالة أنباء فارس الإيرانية أيضاً: "يبدو أن الأسلحة النووية الأمريكية لا تزال في الأقبية الخرسانية للقاعدة".
"كل هذه الدلائل كافية لجعلنا نعتقد أن اعتماد تركيا على الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي هو شيء لا يمكن القضاء عليه من خلال القليل من الاختلافات السياسية." و السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الروس، على الرغم من كل هذا، يمكنهم السماح لأنقرة بالمُغامرة بدخول القوقاز، "كما يسأل المقال".
و يمكن أن يكون نفوذ تركيا في القوقاز ومنطقة بحر قزوين مثالاً ممتازًا لتحدّي قوة موسكو في المنطقة. فمنذُ انهيار الاتحاد السوفيتي، قام الروس بإتمام خطوات كبيرة في كسب ثقة دول المنطقة، وفي الوقت نفسه حقّقوا نجاحاً إلى حدٍّ ما ".
و يفترض المقال بأن روسيا كانت قادرة على جعل أرمينيا إلى جانبها في مختلف القضايا، لكنها فشلت في أوكرانيا وجورجيا في بعض القضايا الأخرى. فـ "الأحداث في أوكرانيا في 2014 غيّرت هذا التوجه إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، تحرّكت جمهورية أذربيجان نحو توسيع العلاقات العسكرية مع تركيا، وكما هو مُتوَقّع، تمكّنت من الحصول على دعم عسكري تركي في معركة ناغورنو كاراباخ الأخيرة.
كما تحرّكت جورجيا بجدّية أكبر لتقوية علاقاتها مع الغرب. و الآن قد يكون الوجود التركي الأكثر جدية في المنطقة فصلًا آخر في إضعاف الوجود الروسي في المنطقة.
و يبدو أن هذه نقطة ضعف إيرانية، فأهم تهديد يواجه الروس في الوضع الحالي هو توسيع وجود تركيا كعضو في الناتو في الممر الجنوبي للمنطقة. وفي الواقع، إذا تم تنفيذ خطة تركيا لضم نفسها بالكامل إلى جمهورية أذربيجان عبر أرمينيا، فمن المتوقع أن تواجه روسيا مشاكل مع إيران عبر الحدود البرية لأرمينيا.
وهذا من شأنه أن يجعل علاقة إيران مع روسيا تَقتَصر على بحر قزوين وكذلك في آسيا الوسطى، وسيعوق ذلك التفاعل بين إيران وروسيا . إن إيران تعترف صراحة الآن بأنها تواجه تحديًا حقيقيًا هنا. فـ "أرمينيا ، كدولة اعتمدت تاريخياً على الدعم الروسي في المنطقة، وستكون في مأزق, حيث أن مزيج هذه التطورات سيَكُفّ أيدي الروس في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون سلوك تركيا في مختلف الحالات أكثر تقلباً ومن الصعب التنبؤ به".
إيران قلقة لأن "تركيا بعد التجربتين في ليبيا وسورية، نشأت لديها رغبة قوية في تحقيق الحد الأدنى -على الأقل- من الإنجاز في منطقة القوقاز.
هذا الإنجاز يتمثّل في تحقيق الاتصال البري بجمهورية أذربيجان، و يمكن أن يتم تنفيذ مخططات تركيا لإقامة اتصال بري مع الممرات الواصلة بالصين دون المرور عبر إيران".
و يقول الإيرانيون أيضاً بأن روسيا قد تتحرك لتقييد حركة تركيا في المنطقة. وفي غضون ذلك، يمكن لإيران أن تلعب دورًا مُهمًا في صنع القرار لدى الروس. و يمكن اعتبار زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى موسكو خطوة في نفس الاتجاه ".
وتقول إيران الآن إن الوفد الذي أرسلوه إلى موسكو حذّرَ الروس من تصرفات تركيا وكذلك "وجود الإرهابيين وتحركات النظام الصهيوني في المنطقة ضد السلام والاستقرار والأمن".
وتقول إيران إن هذا أمر حساس للغاية. فهي تريد روسيا أن تعرف بأنها قلقة من وجود العلاقات الإسرائيلية الأذربيجانية وكذلك تحركات تركيا لفتح ممر بري. فـ "مما لا شك فيه، أن روسيا تراقب بجدية أيضًا التطورات في المنطقة، وتشكّلت الشكوك حول تحركات تركيا في القوقاز منذ فترة طويلة في الكرملين". ربما حصل ذلك ولكن إيران تُرسل رسائل فيما يتعلّق بهذا الموضوع تُشير إلى أي مدى تشعر بالقلق من أن الوقت قد لا يكون في صفّها. وتشعر أن روسيا تتجاهل مخاوفها وتُفضّل تركيا. إذن ماذا ستفعل إيران بعد ذلك؟ فهذا مفترق طرق تجد طهران نفسها عليه الآن.