تنعقد في جنيف الجولة السادسة من مفاوضات اللجنة الدستورية برعاية الأمم المتحدة بتاريخ 2021/10/16، حيث من المفترض أن تناقش المبادئ الدستورية، وهو يعني أن تلج اللجنة صلب التوافق على الدستور الجديد، مما سيفتح الباب أمام الحل السياسي وَفْق القرار الأممي 2015/2254.
لقراءة المشهد التفاوضي، ينبغي قراءة مقدمات مواقف الدول الفاعلة بالصراع السوري إضافة لمقدمات موقف نظام الأسد ومقدمات المعارضة السورية.
أمريكيّاً لا يزال موقف الولايات المتحدة الأمريكية قيد التصريحات المتمسكة بالقرار 2254 دون تقديم جهود سياسية دبلوماسية تخدم تنفيذ القرار باستثناء سلاح العقوبات الاقتصادية وفي مقدمتها قانون "قيصر".
هذا الموقف الأمريكي يكشف عن تربُّص بتورط أكبر للروس والإيرانيين يستنزفهما في سورية ويورطهما في مستنقعها، ولهذا حين اجتمع جو بايدن بفلاديمير بوتين في جنيف في يوليو الماضي، كان الأمريكيون يريدون تغييراً بالموقف الروسي من النظام السوري وضرورة اقتراب الروس من تفاهُمات مشتركة حول تنفيذ القرار 2254 ، ويترافق ذلك بخطوات ملموسة منهم مقابل وضع خارطة لرفع العقوبات الغربية والاستعداد لتمويل مشروع إعادة الإعمار.
التصريحات الرسمية الأمريكية لا تزال تطالب بمحاسبة النظام السوري على عدم التزامه بتسليم وتدمير سلاحه الكيميائي، وتطالب بمحاسبة المسؤولين عن استخدام هذا السلاح أمام محاكم دولية، رغم أن إدارة بايدن تحاول منح الأردن دور نافذة لتنفُّس النظام السوري، وهي نافذة مشروطة بتعديل الأوضاع في سورية، لجهة تعديل سلوك النظام.
مفهوم الأمريكيين بضرورة تعديل سلوك النظام لا يزال غامض المعنى والمعطيات، فهو ربما يتعلق بجوهر موقف النظام من إيران ومن موقفه المتملص والمعرقل لعمل اللجنة الدستورية التي ينسق أعمالها الوسيط الأممي غير بيدرسون.
الروس وهم مستثمرون كبار في الصراع السوري ولمصلحة النظام السوري اكتشفوا أن كل محاولاتهم لبديل عن القرار 2254 عَبْر مسار "أستانا/سوتشي" ستصدم أخيراً بالرفض الأمريكي، وهذا يعني ضياع استثمارهم العسكري والسياسي والاقتصادي، وهو يعني نكبة لسياسة بوتين في سورية، وارتدادها إلى الداخل الروسي.
اجتماع القمة بين بوتين بايدن في جنيف وضع خطوطاً عامةً لحل الخلافات بين بلديهما، ومن ذلك حل الصراع السوري، وقد طلب الأمريكيون في جنيف أن تضغط روسيا من أجل تعديل سلوك النظام، إذا كانوا جادين في التفاهم وَفْق 2254.
الروس وجدوا أن التفاهم مع الأمريكيين سيكون له أثمان يجب دفعها سوريّاً وفي قضايا صراعية دولية، ولهذا قاموا باستدعاء الأسد سريّاً للقاء بوتين، والذي أفهمه ماذا ينبغي عليه أن يفعله وتحديداً حِيال التفاعل الجدي في مفاوضات اللجنة الدستورية، وأن هذا مطلب روسي مهم.
لذلك ذهب غير بيدرسون إلى دمشق لمناقشة جدول أعمال الجلسة السادسة التي ستلتئم في 16 تشرين الأول/ أكتوبر، ولم يرشح منها حقيقة ما توصل إليه في دمشق.
الروس معنيون أكثر من قبل بالحل السياسي الدولي لأنه سيضمن لهم وجودهم في سورية بصورة جديدة ومشاركة بإعادة الإعمار والخلاص من عبء وضع النظام السوري المثقل بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، عَبْر صيغة تفاهُمات مع الأمريكيين.
بالنسبة للدور التركي، لا يزال الموقف التركي واضحاً حيال مسألتين حاسمتين هما منع تدفق لاجئين جدد عَبْر الهجوم على إدلب والثاني دفع تنظيم pkk بعيداً عن الحدود مسافة ثلاثين كم.
الأتراك ومعهم الفصائل المسلحة المدعومة منهم لا يزالون يشكلون ورقة حاسمة في أي حل سياسي قادم، وهذا تدركه روسيا والولايات المتحدة التي تناصر التنظيم المصنف إرهابياً pkk.
دور تركيا في سورية ليس على انفصال بأدوارها في ليبيا وأذربيجان وغيرها، وهو موقف يرتبط بإستراتيجية تركية تقوم على تثبيت دور فاعل في سياسات الإقليم، هذا الموقف يدعمه التطور المستمر في الاقتصاد وقوة الجيش التركي.
إيرانياً، يبدو الموقف الإيراني أكثر صعوبة بالنسبة لوجود قوات إيرانية وميليشيات في سورية فهي تتعرض لهجمات إسرائيلية مستمرة، لمنع إيران من تثبيت وضعها عسكرياً على الأرض.
صعوبة الموقف الإيراني تأتي من حجم انخراطها في الاستثمار بالصراع في سورية اقتصادياً وعسكرياً، فهذا الاستثمار مهدَّد بالتبخر بنسبة كبيرة حين تتغير معادلة الوضع الداخلي السوري نتيجة التفاهمات الروسية الأمريكية، ولن يستطيع الإيرانيون منع مرور التفاهم رغم أنهم سيحاولون عرقلته عَبْر أذرعهم داخل النظام.
المشروع الإيراني الهلال الشيعي حين تخرج منه الحلقة السورية لن يستطيع تنفيذ الإستراتيجية الإيرانية المستندة على تشيُّع البلدان التي لها نفوذ فيها في هذه المرحلة.
بالنسبة للنظام السوري رفضه أو قبوله بالعملية السلمية ليس قراره بل قرار مَن منع سقوطه ودعمه ولهذا فهو في المحصِّلة لا يملك قراره السياسي.
وَفْق ما تقدم ستكون جلسة مفاوضات جنيف السادسة جلسة كاشفة للجميع وبالتالي إذا استمر تعطيل النظام لمناقشة المبادئ الدستورية فهذا يعني انكشافاً للموقف الروسي الذي لا يزال يمارس المناورة والتعطيل، أما ما يخص موقف المعارضة فيجب أن يشكل بداية لتشكيل موقف أكثر وطنية ورفضاً لأي إجراء لا يتم من خلاله تنفيذ القرار 2254 من خلال الانتقال السياسي الصريح والواضح.
أيام قليلة وينكشف ضوء الحقيقة.