غاب عَلَم الثورة السورية عن مؤتمر عقدته المعارضة السورية في ما سُمي المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار في جنيف، وذلك بحضور 370 شخصية من كل التيارات السياسية ليست فقط المعارضة وحتى الرمادية المتحفظة على الكثير من مبادئ الثورة.
بدا هذا المؤتمر فرصة جديد قد تنتهزها المعارضة السورية لإعادة تجميع صفوفها وردم الهُوَّة بين التكتلات السياسية، ولا سيما أنّ بطاقة الدعوة التي أُرسلت لبعض التيارات السياسية حملت بلهجة واضحة خطاباً وطنيّاً وثوريّاً.
لكن كان الإشكال الأكبر في هذا المؤتمر وجود بعض الشخصيات الخلافية مقرَّبة من روسيا وأخرى مقرَّبة من دول أخرى لا تنظر للثورة السورية كما الشعب السوري، ولكن رغم ذلك استجاب الكثير من الشخصيات السورية المُعارِضة لحضور المؤتمر مبرِّرة وجودها بحالة الجمود السياسي التي تشهدها العملية السياسية.
ومن اليوم الأول في المؤتمر برزت الخلافات بين الحاضرين بشكل جليّ، بدءاً بالأوراق التي قدمتها اللجنة التحضيرية وهي مقدمة للمؤتمر الوطني السوري، وصولاً إلى ميثاق الوطن والمواطنة، ومشروع النظام الأساسي للمؤتمر الوطني السوري.
تجاوز عدد المعترضين على الأوراق الثلاثة أكثر من 150 شخصية في مشهد يعكس حالة عدم الرضا والتوافق. لذلك، تَقرَّر تشكيل لجنة سُميت "لجنة صياغة النقاط الخلافية وحلها" مكونة من خمسة أعضاء للنظر في الخلافات والعمل على حلها خلال اليوم الثاني.
لكن، على ما يبدو أنّ الهُوَّة بين الحاضرين كبيرة جدّاً، قد تكون معقَّدة أكثر من تلك بين النظام السوري والمعارضة السورية التقليدية، فهناك خلاف على تسمية الثورة، وعلى الأولويات التي من المفترض التي يتم نقاشها وعلى المرجعيات الدولية.
لم تصغِ اللجنة التحضيرية إلى المَطالب والملاحظات المقدَّمة مما زاد حِدّة النقاشات في اليوم الثاني تطورت إلى تلاسُن وسجالات أدت في النهاية لانسحاب عشرات الشخصيات، في مشهد مشابِه لمعظم مؤتمرات المعارضة السورية التي غالباً ما تنتهي بذات الطريقة.
اشتد الخلاف عندما رفضت اللجنة التحضيرية-المنظمة الاستجابة لمطالب غالبية الحضور برفع عَلَم الثورة السورية معتبِرةً إياه مصدراً للخلاف. ومما فاقمه أكثر قول أحد الحاضرين المحسوبين على المعارضة المقربة من روسيا "إنّ لسوريا عَلَماً واحداً وهو العَلَم السوري المُعترَف به من قِبل الأمم المتحدة".
بررت اللجنة التحضيرية عدم وجود أيّة راية برغبتها استقطاب أكبر قدر ممكن من المعارضين معتقدين أنّ هذه الطريقة قد تمنح زخماً للمؤتمر، لكن مع الأسف التعويل على هذه المنهجية من المفترض أن تكون نتائجها متوقَّعة سيما عندما يتعلق الأمر باسترضاء فئة على حساب راية الثورة السورية التي تحمل رمزية كبيرة لدى السوريين.
تقدمت 61 شخصية لانتخابات الهيئة العامة في المؤتمر نجحت 31 شخصية 25 منها مقربة من هيثم مناع، ضمت اللائحة أبرز شخصيات مِنصّة القاهرة سابقاً خالد الخطيب كذلك نائب رئيس هيئة التفاوض السابق خالد المحاميد.
وبعد هذه النتائج ظهرت الغايات الأساسية وراء المؤتمر وكان من الجليّ أنّ بعض الشخصيات المُعارِضة المقرَّبة من المحور الروسي والإماراتي ترغب بتشكيل منصة جديدة لها تجمعها بحيث تكون بنية هذه المنصة واسعة وتضم شخصيات من أطياف مختلفة من الداخل والخارج.
إنّ ولادة منصة جديدة للمعارضة يعني إمكانية إعادة هيكلة هيئة التفاوض لتضم التشكيل الجديد وبذلك يرتفع رصيد المعارضة المقربة من روسيا إلى نسبة جيدة مما ينعكس على الحل السياسي وطبيعته وشكله.
ويبدو أنّ اختيار عاصمة العلاقات الدولية وحل النزاعات جنيف مكاناً لعقد المؤتمر كان موفَّقاً لتسويقه دولياً.
بالعموم إنّ تعاطي المعارضة السورية بكل توجُّهاتها مع المشهد السوري بذات العقلية وبذات الأسلوب وانتهاجها ذات الأدوات التقليدية لن يؤدي بطبيعة الحال إلى أيّ نتائج مختلفة خاصةً في ظل إبعاد وتحييد الشباب الوطني بشكل ممنهج.