المصدر: ذا أتلانتيك كانسل
ترجمة: عبد الحميد فحام
بقلم: عبد الرحمن المصري (باحث غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط -أتلانتيك كانسل للأبحاث-وريم صلاحي (باحثة غير مقيمة في برنامج الشرق الأوسط -أتلانتيك كانسل)
انتهت مراجعة السياسة السورية التي بدأتها إدارة جو بايدن عند توليها المنصب قبل عام وتشير الدلائل الأولية إلى أن سياسة واشنطن الرسمية تجاه سورية ستكون خجولة بشكل ملحوظ. يبدو أن الإدارة لا تقوم فقط بإلغاء سورية من أولوياتها بسبب أجندة السياسة الخارجية الضيّقة، ولكنها تعلن بوضوح أكثر عن عدم وجود لا مصلحة إستراتيجية ولا نهج رسمي لفك الارتباط.
فخلال الأسابيع القليلة الماضية، ألمح العديد من مسؤولي إدارة بايدن إلى ثلاثة أهداف محددة تتعلق بسياسة سورية وتشمل هذه الأهداف: الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي بشكل صريح كجزء من الحملة المستمرة لمواجهة ومنع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)؛ الحفاظ على وقف إطلاق النار المحلي والمساهمة في الحد من العنف؛ وتحسين الأوضاع الإنسانية. في حين قد يُنظر إلى هذه الأهداف على أنها واقعية، إلا أنها لا تشكل سياسة تهدف إلى التأثير على مسار الصراع السوري. وبدلاً من ذلك، فإن هذه تمثل سياسة إدارة تهديدات بسيطة، مما يشير إلى نهج رجعي أمريكي تجاه الأحداث المستقبلية في سورية.
مقيداً بالعديد من القيود المحلية والدولية والخاصة بالنزاع، اقترب الرئيس بايدن من سورية دون توجيه وهدف واضحين منذ توليه منصبه في كانون الثاني/ يناير من عام 2021. وجاءت رئاسته أيضاً عندما وصل الصراع السوري إلى عقد من الزمن وواجه إرثاً من السياسة الأمريكية بشأن سورية التي كانت غير متماسكة بشكل كبير وغير متسقة بشكل واضح. على هذا النحو، من المحتمل أن إدارة بايدن لم تشعر أبداً أنها تستطيع إصلاح تحليل التكلفة والعائد الذي من شأنه أن يغير الحقائق على الأرض، لا سيما بوجود المنافسين. وتنظر روسيا وإيران إلى مصالحهما في الصراع على أنها أكثر حيوية بكثير مما تنظر إليه واشنطن. ونتيجة لذلك، عملت إدارة بايدن بنفس السياسة الضيقة التي اتبعها سلفها، دونالد ترامب.
على هذه الخلفية، يعيش السوريون واقعاً خافتاً ويواجهون ديناميكيات إقليمية تؤيد بشكل متزايد الاستبداد وتضفي عليه الشرعية. وعلى الرغم من الاقتصاد المدمر والظروف المعيشية غير المواتية بشكل متزايد في الأراضي التي يسيطر عليها النظام، فإن سيطرة نظام بشار الأسد على أجزاء كبيرة من سورية تبدو مؤكدة أكثر من أي وقت مضى مقارنة بأجزاء أخرى من البلاد. ولم تؤدِّ الجهود الإقليمية لتطبيع النظام إلا إلى تمكين القيادة الاستبدادية وكشف فشل واشنطن في تنسيق السياسات الإقليمية بين الحلفاء وعدم التزامها بسياسة العقوبات.
اليوم، وبعد الكثير من المداولات المفترضة في البيت الأبيض لتحديد المصالح الأمريكية في سورية، لا تنطوي السياسة الجديدة على أي تغيير في النهج وهي في الأساس استمرار للسياسة المؤقتة غير النشطة. وللمضي قدماً، فمن المرجح أن تحافظ الولايات المتحدة على المسار نفسه من فك الارتباط التدريجي عن سورية.
الوجود العسكري
منذ 2013-2014، كان الوجود العسكري الأمريكي في سورية تكتيكياً إلى حد كبير. وفي حين أنه فعال في مواجهة تهديدات محددة، إلا أنه يفتقر إلى ارتباط بسياسة إستراتيجية. ففي أعقاب الهزيمة الإقليمية لتنظيم الدولة الإسلامية في عام 2019، كان لقرابة تسعمائة جندي أمريكي تمركزوا في الشمال الشرقي وفي ثكنة "التنف" في الجنوب الشرقي تأثير ملموس على الاستقرار وبناء القدرات. ومع ذلك، فإن وجود القوات يواجه أيضاً مأزقاً سياسياً بشكل متزايد. ومع حدوث عمليات أقل حركية ووسط نجاح مكافحة الإرهاب الذي تحول إلى صراع مُجمَّد، يتطلب الوجود العسكري الأمريكي هدفاً قابلاً للالتزام والتحقيق يتعلق بالواقع السياسي على الأرض. وبشكل لا جدال فيه، لم يتم هزيمة "داعش" بالكامل، ومع ذلك لم يعد يمثل التهديد الوجودي الذي كان عليه من قبل. وبدلاً من ذلك، فإن انعدام الأمن السياسي والاقتصادي في الشمال الشرقي له عواقب أكبر. وبالإضافة إلى ذلك، فلا تزال العلاقة بين تركيا والسلطات الكردية السورية التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية متوترة.
في حين أن الأمل قد يكون في أن الوجود الأمريكي السلبي يمكن أن يترجم إلى مكاسب سياسية واستقرار إقليمي أوسع، إلا أن تضييق هدف الوجود العسكري بشكل صريح إلى الحملة ضد "داعش" يعني ضمناً آفاقاً قاتمة. وفي ظل غياب أدوات مشاركة واضحة ومحددة تهدف إلى استدامة الوجود الأمريكي، فمن المرجح أن تستمر روسيا وإيران في تحديها، لا سيما في وقت يشكك فيه الشركاء -مثل الأكراد- في التزام واشنطن. كما تسعى موسكو جاهدة لوضع نفسها كوسيط متفانٍ وضامن للوضع الراهن، مما يؤدي إلى دفء علاقاتها مع القيادة الكردية في سورية. إلى جانب إيران، قد تستمر روسيا في فرض تكاليف على القوات الأمريكية لدفع الولايات المتحدة نحو المغادرة كما فعلت سابقاً.
في عام 2020، اشتبكت القوات الروسية مرتين مع الدوريات العسكرية الأمريكية في شمال شرق سورية، مما أدى إلى إصابة أربعة جنود أمريكيين. وطوال عام 2021، شنت الميليشيات المرتبطة بإيران ثلاث هجمات في المنطقة الرمادية على مواقع أمريكية إستراتيجية في سورية، باستخدام صواريخ وطائرات بدون طيار، وكان آخرها في كانون الأول/ ديسمبر 2021.
إذا حافظت الولايات المتحدة على التزامها الفاتر في شمال شرق سورية، وقصرت وجودها على حسابات الأمن القومي الضيقة بدلاً من الأهداف الأوسع لتحقيق الاستقرار وخفض التصعيد الإقليمي، فهناك خطر من أن تُترجم العداء المتزايد إلى انسحاب أمريكي محتمل. وسيكون هذا بالفعل بمثابة ناقوس الموت لقدرة واشنطن على التأثير بشكل هادف على ديناميكيات الصراع السوري، وأي تسوية سياسية مستقبلية.
تجميد الصراع
الهدف الثاني للسياسة الأمريكية المتعلقة بسورية هو الحفاظ على وقف إطلاق النار المحلي الحالي. ففي حين يتم الترحيب بأي جهد يهدف إلى الحد من العنف والحد من الأعمال العدائية، فمن غير الواضح كيف ستحقق واشنطن ذلك. وفي حين لعب الوجود العسكري الأمريكي دوراً في تحقيق الاستقرار في شمال شرق البلاد، فإن الحقيقة هي أن ما تبقى من وقف إطلاق النار المحلي الرسمي وغير الرسمي في جميع أنحاء سورية هو نتيجة ترتيبات أمنية مفصلة مدفوعة بالمصالح تشمل روسيا وإيران وتركيا. ولم تحاول الولايات المتحدة الانخراط في مثل هذه الاتفاقات وتُركت مستبعدة من جميع اللاعبين هناك تقريباً. وقد فشلت واشنطن في الحفاظ على وقف إطلاق النار في جنوب سورية في الصيف الماضي، وليس هناك ما يشير إلى أنها قادرة على التأثير على أي من البقية.
وتفتقر إدارة بايدن بشدة إلى الرغبة في استخدام المزيد من الأدوات العسكرية في سورية لتحقيق الأهداف، وعلى هذا النحو، فقد قامت بتضخيم خطابها بشأن استخدام الدبلوماسية. وإذا استمر خصوم واشنطن في تحدي وجودها، فمن غير المرجح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على المساهمة في خفض التصعيد دون تدخل استباقي. ونظراً لافتقاره إلى النفوذ القادر على تحدي الجهات المعادية، فمن المرجح أن يواصل نظام الأسد العمل كالمعتاد، مدركاً أنه لا أحد من حلفائه الرئيسيين – روسيا وإيران – لديهما أي منافس حقيقي.
تحسين الظروف الإنسانية
تركيز الولايات المتحدة على العمل الإنساني كأحد الأهداف الثلاثة هو تحوُّل واضح عن الطبيعة السياسية وحقوق الإنسان للصراع. فبينما يُعد تحسين الظروف الإنسانية أمراً ضرورياً بلا شك، نظراً للفقر المتفشي وظروف شبه المجاعة، فهو حقاً على هامش الملف السوري، وتأثيره على سياسة الولايات المتحدة وتطور الصراع ضئيل للغاية. إن الوضع الإنساني المتردي هو نتاج الصراع وليس سببه، ومعالجته لن تؤثر حصرياً على مساره. إن التركيز على الجهود الإنسانية كهدف سياسي يطرح السؤال عن الدور المنشود للولايات المتحدة في تشكيل نهاية اللعبة في سورية.
وبينما تحافظ إدارة بايدن على التزامها الشفوي بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 – خارطة طريق للانتقال السياسي – فإن أولوياتها وإجراءاتها المعلنة لا تفعل شيئاً لوضع الأساس لهذا القرار. ومن خلال ضخ الدعم الإنساني لتحسين الظروف المعيشية بشكل جزئي، تلغي واشنطن أولويات التحوّل السياسي. وبذلك، يصبح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 غير ذي صلة بشكل متزايد وغير قابل للتطبيق لأن الحقائق على الأرض تحول دون أي إمكانية للتوصل إلى تسوية ذات مغزى.
وتشير الجهود الإقليمية الأخيرة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وكذلك قرار الإنتربول في تشرين الأول/ أكتوبر 2021 بالسماح لسورية بالانضمام إلى شبكتها دون اعتراض من الولايات المتحدة، إلى تحوّل معترَف به عن الطبيعة السياسية للصراع والقبول المتزايد لـ "الأمر الواقع".
وترسم أهداف مراجعة سياسة إدارة بايدن تجاه سورية صورة مقلقة لمزيد من فك الارتباط الأمريكي. فالالتزامات المعلنة، ولكن غير المدعومة بالحل السياسي بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 غير كافية عند مقارنتها بالدور النشط الذي تلعبه روسيا وإيران وتركيا في التأثير على الحقائق على الأرض. وفي نهاية المطاف، ستحدد هذه الحقائق المتغيرة مسار الصراع، بدلاً من أي مفاوضات مقرها جنيف، كما يتضح من الاختلافات المتعددة للمحادثات السياسية الفاشلة في الماضي.
المشكلة هنا هي أن هذه الأهداف الثلاثة المفترضة ليست في الحقيقة سوى أهداف مرغوبة. لا يتم تحديد أهداف السياسة السليمة من خلال هدف لتعزيز المصالح، ولكن أيضاً من خلال الوسائل الكافية لتحقيقها. وعلى الرغم من أنها ضيقة ومحدودة، فمن غير المرجح أن تترجم هذه الأهداف المعلنة إلى أهداف سياسية فعلية، بالنظر إلى أنها تفتقر إلى الالتزام الحاسم والأدوات المحددة للمشاركة. حتى بافتراض أنها تُترجم إلى أهداف سياسية فعلية، فمن غير المرجح أن تؤدي إلى رغبة الولايات المتحدة الكلامية في إيجاد حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2254 أو حتى دور واعد للولايات المتحدة في تشكيل حدّ يُنهي اللعبة في نهاية المطاف.