المُتَتبِّع لتاريخ "تحرير الشام" في شنّ عملياتها العسكرية ضد الفصائل بغية تفكيكها يلحظ الحالة المطّردة لسقوط المناطق التي تنتمي لها القوة الفصائلية المحلية المرابطة في هذه المنطقة.
وقد بدأ هذا الأمر نهاية عام 2014 حتى اليوم بعد أن فككت "تحرير الشام" "جبهة ثوار سورية" بقيادة جمال معروف ومعها جبهة "حق" بقيادة يوسف الحسن التي شكلها بالتنسيق مع الأحرار من أجل تأمين الدعم اللوجستي وألوية الأنصار بقيادة مثقال العبدالله وحركة "حزم" في قطاع إدلب وحماة والتي كانت تسدّ الرباط على جبهة حماة الشمالية بعد تفكيك هذه التجمعات الأربعة سقطت المناطق من "رحبة خطاب" حتى "مورك".
وقبلها كان الجولاني وإعلامه الرديف يروج لمعركة قادمة لتحرير مدينة "محردة" والدخول الوشيك لها وبدأ الحديث عن المواجهة الملحمية بين سهيل الحسن والجولاني لكن فجأة تنسحب "تحرير الشام" وتسلم المناطق حتى حدود "مورك".
وهنا كان لا بد لجبهة النصرة حينها من عمل عسكري كتغطية لاستعادة سمعتها العسكرية التي اهتزت بسقوط ريف حماة الشمالي فاختارت العمل على مدينة "نبل" و"الزهراء" في ريف حلب الغربي، وحشد أبو قدامة الأردني جميع السلاح الثقيل الذي استولت عليه "جبهة النصرة" من جبهة "ثوار سورية" و"حركة حزم" في قطاع حماة وانتهت المعركة بخسارة ٨ دبابات استولت عليها الميليشيات الإيرانية في بلدة "نبل" مع سقوط عشرات الشهداء وفشل الهجوم.
لم يتوقف الأمر هنا ففي نهاية 2016 ومع الحملة الروسية الإيرانية على حلب وبعد أن رفضت جبهة فتح الشام إخراج 150 عنصراً من عناصرها مقابل وقف الحملة الروسية على حلب كما رفضت الإعلان عن عدم وجودها في حلب كذلك قامت "فتح الشام" مع بعض الفصائل المحسوبة عليها بشن حملة عسكرية ضد فصيل تجمع فاستقم الفصيل الأكبر في حلب، والذي يرابط على معظم خط الرباط فيها واعتقل قائد الفصيل بحجة محاسبته على محاولة اغتيال أحد القادة العسكريين لكتيبة تضم 9 أشخاص والتي تبين بطلان الدعوى فيما بعد وانتهى الأمر بسقوط مدينة حلب بالكامل وخروج جميع الفصائل منها وفي مقدمتهم "جبهة النصرة" التي كان عناصرها في مقدمة مَن استقل حافلات النظام للإجلاء.
وفي عام ٢٠١٧ كانون الثاني/ يناير قامت جبهة "فتح الشام" بتفكيك جيش المجاهدين المرابط على جبهات الريف الغربي لحلب وسلب مستودعاته من السلاح.
وفي كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩ شنت "تحرير الشام" حملة عسكرية على حركة "نور الدين الزنكي" و"ثوار الشام" في ريف حلب الغربي بعد حملتين باءتا بالفشل لتنتهي الحملة الأخيرة بإجلاء "الزنكي" و"ثوار الشام" من ريف حلب الغربي بذريعة أن حركة "نور الدين الزنكي" تتواصل مع روسيا لتسليم الريف الغربي للنظام.
لكن بعد إجلاء حركة "الزنكي" من المنطقة بدأت بعدها الحملة الروسية على الريف الغربي في شهر شباط ٢٠٢٠ ويظهر الجولاني في هذه الأثناء في مقطع مرئيّ مصوَّر مع عدد من عناصر ما يسمى العصائب الحمراء يبايعون على الموت لكن بنفس الوقت كانت رافعات "تحرير الشام" تفكك محولات الكهرباء من ريف المهندسين في ريف حلب الغربي وتنقلها إلى إدلب.
فلم يعلم الناس هل يصدقون بيعة الموت؟ أم تفكيك المحولات؟ لدرجة أن الشيخ عبد الله المحيسني أصدر فتوى بعدم جواز فكّ هذه المحولات قبل المعارك لما لها من إشارة على سقوط المنطقة وهو ما يعود بإحباط الروح المعنوية للمقاتلين.
ولم تمض أيام على فيديو بيعة الموت الذي انتشر للجولاني مع العصائب الحمراء حتى خرجت صور على القنوات الروسية الإعلامية من داخل المقر الذي بايع فيه على الموت وقد سقطت المنطقة حتى الفوج 46 بيد النظام خلال ساعات.
كما كانت تحرير الشام قد قامت بشن عمل عسكري على "أحرار الشام" وحركة "نور الدين الزنكي" ١٢١١٢٠١٧ وتلا هذا الهجوم انسحابها من شرق السكة في ٢٩١٢٠١٨ بمساحة ١٤٥٠كم وبعد سقوط 250 بلدة وقرية ومزرعة. وكانت مدينة "أبو ضهور" ومطار "أبو ضهور" العسكري القريب منها في ريف إدلب الشرقي، أبرز المواقع التي سيطرت عليها الميليشيات بعد انسحاب "تحرير الشام".
نفذت بعدها "تحرير الشام" عملية استشهادية وهمية تلاها الانسحاب الدراماتيكي من كل المنطقة بدون أي قتال بينما خسرت "تحرير الشام" حوالَيْ 700 قتيل في هجومها على مناطق حركة "الزنكي" في الريف الغربي لحلب بنفس التوقيت.
لتنشر بعدها "مؤسسة أمجاد" التابعة لـ" تحرير الشام"، إصداراً مرئياً أطلقت عليه اسم "السكة"، يتناول المراحل التي مرت بها المعارك في مناطق شرق سكة الحديد في ريفَيْ حماة الشرقي والشمالي الشرقي، وريف إدلب الجنوبي الشرقي، وريف حلب الجنوبي في الربع الأخير من العام 2017 حتى بداية العام 2018، ويثبت الفيلم براءتها من تسليم المنطقة.
وفي مطلع 2019 كانت قلعة المضيق ومناطق الريف الحموي من بين المناطق التي فرضت تحرير الشام سيطرتها عليها، بعد مواجهات أفضت إلى اتفاقيات تسليم وتجريد السلاح من حركة "أحرار الشام" المرابطة في تلك المنطقة وفي 9 من كانون الثاني 2019 حلّت حركة "أحرار الشام الإسلامية" نفسها في منطقة "سهل الغاب" بريف حماة الغربي، باتفاق مع "تحرير الشام". وبحسب نص الاتفاق فقد حلت "أحرار الشام" نفسها في جبل "شحشبو" و"سهل الغاب"، على أن تتبع المنطقة حكومةَ الإنقاذ إدارياً وخدمياً.
وفي شهر أيار/ مايو 2019 دخلت قوات الأسد والميليشيات المساندة لها قلعة المضيق وثلاث مناطق في الريف الغربي لحماة دون قتال، بعد انسحاب "تحرير الشام" وبذلك خسرنا منطقة "الغاب" ونتج عنه سقوط ريف حماة بمساحة ٨٢٠ كم مربعاً.
لم يتوقف الأمر هنا واستمرت "تحرير الشام" بتفكيك الفصائل وقامت بشنّ حملة عسكرية في شهر كانون الثاني/ يناير 2019 تستهدف الفصائل المسيطرة على "سراقب" و"معرة النعمان" و"جبل الزاوية" وفعلاً استولت عليها "تحرير الشام" في شهر آذار/ مارس 2019 وفرضت حكومة الإنقاذ إدارتها واستولت "تحرير الشام" على هذه المناطق وأضعفت فصائلها، وخرجت مظاهرات عارمة في "سراقب" و"معرة النعمان" تنادي بإسقاط النظام وتحرير الشام على حد سواء.
بعد ذلك بدأت الحملة الروسية على "معرة النعمان" في شهر نيسان/ إبريل عام 2019 ليدخل النظام "معرة النعمان" في نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2020 وقبل يوم من سقوط "المعرة" خرج الفرغلي بمقطع مرئي يزعم فيه أن "معرة النعمان" لن تسقط وأن مجاهدي "تحرير الشام" يسيطرون عليها لكنها سقطت وتبعتها مدينة "سراقب" وقسم من "جبل الزاوية".
واليوم تبدأ "تحرير الشام" بشن حملتها على فصائل مستقلة مرابطة على جبهة "الكبينة" (جنود الشام) مع أن هذه المجموعة ليس لها مشاكل مع أي من الفصائل ولا تحمل أي عقيدة تكفيرية، وقد سبقها تفكيك أنصار الإسلام واليوم يتم استهداف فصيل جند الله فهل نحن أمام نفس السيناريو؟ …. سيناريو التفكيك المفضي إلى سقوط الأرض! يبدو أن "تحرير الشام" لم تستوعب الدرس أو أنها استوعبته لكن مقتضيات بناء سلطة الوهم وشهوة تشييد صروح الحكم والتفرُّد به لمَجْد الشخص لا تعادلها مَفاسد التهجير وسقوط المُدُن وخسارة الأرض.