المصدر: تي. آر. تي. ورلد
بقلم: نزار محمد (محلل مستقل في شؤون الشرق الأوسط مقره في تورنتو، كندا)
ترجمة: عبد الحميد فحام
اختتمت الأمم المتحدة في 22 تشرين الأول/ أكتوبر، الجولة السادسة للجنة الدستورية السورية في جنيف، وقد وصف المبعوث الأممي الخاص لسورية غير بيدرسون، نتائج المحادثات بأنها "خيبة أمل كبيرة" وأعرب عن أسفه لعدم قدرة المشاركين على إيجاد أرضية مشتركة، وهو الدبلوماسي الرابع الذي يشغل هذا المنصب بعد استقالة الثلاثة الأوائل نتيجة الإحباط. تتألف اللجنة من 150 عضواً و45 من كاتبي الصياغات، موزعين مندوبيهم بالتساوي على نظام بشار الأسد السوري، ولجنة المفاوضات السورية الممثلة للمعارضة، وأعضاء المجتمع المدني المعتمدين مسبقاً، وهي اللجنة المصممة من حيث المبدأ لتوفير منبر للأحزاب لإصلاح وتعديل الميثاق السوري بشكل مشترك، فيما يشكل الإطار الذي تتم من خلاله عملية السلام السورية حالياً.
من الناحية النظرية، تتوافق المحادثات مع قرار الأمم المتحدة رقم 2254، الذي يدعو -من بين أمور أخرى- إلى انتقال سياسي يتم تتويجه بانتخابات حرة ونزيهة، تُجرى تحت إشراف الأمم المتحدة "وفقاً لأعلى المعايير الدولية للشفافية والمساءلة".
وقد أعرب دبلوماسيون سوريون عن دعمهم لهذه المبادرة. لكن منذ جلستها الافتتاحية في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019، لم تكن اللجنة الدستورية أكثر من مجرد وسيلة دبلوماسية يمكن لنظام الأسد من خلالها تأمين موقعه باعتباره المستفيد الوحيد من عملية التفاوض. أنه لا يمثل سوى أحدث أداة سياسية تحت تصرف نظام الأسد، الذي تمكن لسنوات من استغلال الهيئات الدبلوماسية لمقاومة التغيير بينما يماطل إلى ما لا نهاية تحت ستار التفاوض حول مستقبل سورية السياسي. على مدى عامين، ظل النظام يتشدق بفكرة الانخراط في محادثات مشروعة في إطار اللجنة الدستورية.
ومع ذلك، خلال هذا الوقت، بلورت قواته، بدعم من إيران (وفي بعض الأحيان روسيا)، نمطًا من اشتباك القوة الخشنة داخل سورية، والتي قام من خلالها باستفزازات محدودة -تتحول إلى اعتداءات عسكرية- يتبعها بشكل دوري وقف إطلاق نار يهدف إلى تعزيز السيطرة على جيوب الأراضي التي تمت استعادتها حديثاً. على جبهة إدلب، غالباً ما تُوجت هذه الهجمات المحدودة باتفاقات خفض التصعيد بوساطة موسكو ومفاوضات مع نظرائهم الأتراك، مما سمح للأولى بإعادة تحديد خطوط الترسيم في خدمة النظام مع كل هدنة إضافية، في بعض الأحيان، يكون هذا ممكناً من خلال حملات القصف التي تهدف تحديداً إلى تحفيز نزوح السكان نحو الحدود التركية، مستغلة مخاوف أنقرة من تدفق المزيد من اللاجئين كرافعة سياسية.
وفي درعا، سعت القوات الموالية لإيران داخل جيش النظام السوري، مثل الفرقة المدرعة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، شقيق بشار، إلى جانب حزب الله والميليشيات الأخرى الموالية للحكومة، منذ فترة طويلة لتقويض التكوينات الأمنية الهجينة التي ترعاها روسيا، لتأمين سلطة غير متنازع عليها في جميع أنحاء المحافظة، وخلال الصيف الماضي، أسفرت جولة القتال الأخيرة بين هذا المزيج من القوات وجيوب المعارضة في درعا البلد، والتي تعرضت خلالها الأحياء السكنية لحصار وقصف عشوائي من قبل الأول، عن صفقة بوساطة موسكو شهدت خضوع الثوار وتوسيع قوة النظام في الجنوب.
وعلى الرغم من اختلاف الديناميكيات السياسية والأمنية في شمال وجنوب سورية بشكل كبير، فإن الهدف النهائي هو نفسه في نهاية المطاف: الاستعادة الكاملة للأراضي السورية (على الرغم من افتقار النظام والجهات الراعية له حالياً إلى الموارد اللازمة للقيام بذلك). في ظل عجز المعسكر الموالي عن تحقيق مكاسب كاسحة، فقد مكنت هذه الهجمات دمشق من توسيع نفوذها تدريجياً على خلفية المفاوضات، التي تقوضها عمداً من أجل تأخير المحادثات وبالتالي عرقلة احتمال أن تحقق اللجنة تقدماً حقيقياً فيما يتعلق بمستقبل سورية السياسي.
إن رئاسة الأسد، التي كانت مسؤولة بشكل أساسي عن اقتلاع نصف سكان البلاد، لن تنجو بالتأكيد من النتيجة السياسية للعملية -انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة- إذا تم السماح لها أن تتم من دون إعاقة. أي شيء هو مكسب للأسد ولا شيء لديه ليخسره. بالنسبة للمحور الموالي للأسد، فإن عملية السلام لا تهدف إلى توفير سلام عادل ولا أن تكون عملية ذات مغزى، إنها تمثل الفصل الأخير من عملية تحجّر لمحادثات السلام السورية، التي تهدف عن عمد إلى تغيير الواقع المادي داخل البلاد إلى واقع يترك الأطراف الأخرى لا تملك أي نفوذ لاستخدامه في تعزيز مواقفهم -كل ذلك في حين أن "حقائق جديدة على الأرض" تقوم بتحويل المفاوضات بشكل فعّال إلى ممارسة في العبث السياسي.
علاوة على ذلك، فإنه يتم إجبار الأطراف الأخرى على قبول الإطار الذي وضعه النظام كشرط مسبق لمشاركته الرسمية. فلا يحتاج المرء إلى النظر إلى ما وراء المبادئ الأساسية للمشروع المقترح -مكافحة "الإرهاب والتطرف"، والحفاظ على "سيادة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها"، والقوى القسرية، و "سيادة القانون" -للتأكد من أن تركيزها قد تم فرضه على اللجنة من قبل النظام، الذي يرغب في إضفاء الطابع الأمني على صياغة التسوية السلمية على أمل العودة إلى الشكل الذي أعيدت صياغته من الوضع القمعي الذي كان سائداً في سورية قبل عام 2011.
إن صياغة عناصر الدستور المتعلقة بما يسمى الإرهاب والتطرف، على وجه الخصوص، يجب أن يتم تشكيلها من قبل المندوبين الحكوميين، الذين يُصرّون على تعريف صاغته الأجهزة الأمنية -تعريف واسع بما يكفي لتشكيل أساس قانوني تبريراً لقمعها المستمر لجميع أشكال المعارضة. لذلك، فإن النظام لديه كل شيء ليكسبه ولا شيء يخسره بإطالة المحادثات إلى أجل غير مسمى، هذا صحيح بشكل خاص نظراً لإعادة التأكيد التدريجي للسيطرة العسكرية على غالبية البلاد، والموقف غير المستقر بشكل متزايد للقوات المدعومة من الولايات المتحدة، والتي يقودها الأكراد (الذين يسيطرون على مساحات من الأراضي في الشمال والشمال الشرقي)، وإعادة تأهيل الأسد المتسارع في الكتلة العربية في المنطقة، ببساطة ليس لدى النظام أي حافز للتصرف بحسن نية أو التصرف بشكل مُنتج. في حين أن الاستثناء الوحيد القابل للجدل لهذا قد يكون الرغبة في رفع العقوبات بموجب قانون قيصر، فإن موافقة إدارة جو بايدن الأخيرة على صفقة الغاز بين مصر والأردن -والتي أشارت إلى استعداد الولايات المتحدة لتخفيف الشروط المرتبطة بإطار العقوبات -من المحتمل أن تكون قد فسرتها دمشق على أنها مؤشر على أن جيرانها العرب يمكنهم الضغط على واشنطن لتخفيف المزيد من القيود لأن عزلتها تصبح أقل قابلية للاستمرار. ومع ذلك، ولعدد من الأسباب، بما في ذلك الرغبة في جذب الأسد لإبعاده عن حلفائه الإيرانيين، أعادت الدول العربية التواصل مع دمشق، ومن غير المرجح أن تعيد احتضان المعارضة بأي طريقة مؤثرة.
إن العنوان العريض يقول: المجتمع الدولي غير مهتم إلى حد كبير بمحادثات السلام السورية. فقد كان العديد من القادة حازمين ذات مرة علناً في مطالبتهم برحيل الأسد، وقد عكسوا مسارهم، وبالتالي تخلّوا عن الحاجة إلى معارضة يمكنهم من خلالها ممارسة الضغط على الأسد، فضلاً عن المراهنة على نتيجة عملية التفاوض، ومن خلال المشاركة في اللجنة الدستورية، فإن كلاً من المعارضة ومندوبي المجتمع المدني (غير المنحازين) هم في نهاية المطاف، وإن كان عن غير قصد، يخدمون مصالح النظام في دمشق. ومع ذلك، إذا قاطعوا العملية، فمن المؤكد أن القرار سيتم انتقاده من قبل مؤيديهم، بالإضافة إلى أن المعسكر الموالي للنظام قد يبرزه كدليل على إحجامهم عن الالتزام بالسلام، لذلك فهم لديهم مهمة لا يُحسَدون عليها تتمثل في إجبارهم على التفاوض مع طرف لا يهتم بالسلام والعمل ضِمن معايير يحددها اللاعبون الإقليميون والدوليون الذين يدافعون عن قضيتهم فقط عندما يناسبهم ذلك.