قسم التحقيقات والمتابعة – "نداء بوست"
يعمل الحرس الثوري الإيراني -وعَبْر شركات تابعة مباشرة له- بمشروع إعادة تأهيل المناطق الإدارية في أحياء حلب الشرقية لاستحداث مجمعات سكنية لا سيما في المناطق المدمرة جزئياً والتي تحتاج لإعادة إعمار .
وبحسب مصادر خاصة لموقع "نداء بوست" فإن قيادة الحرس الثوري في حلب سهلت مجموعة لقاءات نهاية تموز/ يوليو الماضي بين عدة شركات في مجال الإنشاءات والمقاولات ممولة من الحرس الثوري الإيراني وبين رجال أعمال محليين، منهم بحسب مصادر "نداء بوست" رجل أعمال من حلب مقيم في دبي ويتنقل بشكل مستمر بين سورية والإمارات.
الهدف من المشروع هو خلق منطقة نفوذ إستراتيجية شرق حلب، وبالتحديد في أحياء "المرجة" و"الصالحين" شبيهة بالضاحية الجنوبية في بيروت، وتتزامن مع إدارة الحرس الثوري لعمليات التجنيس والتوطين لعائلات مقاتليه في دمشق.
وفي الثاني عشر من شهر أيار/ مايو الماضي، أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال تواجُده في دمشق، افتتاح قنصلية لبلاده في مدينة حلب، وبحسب ما أكدت مصادر خاصة لموقع "نداء بوست" حينها، فإن هذه القنصلية ستكون مقراً لاستخبارات الحرس الثوري.
وبالإضافة إلى عملية التجسس وجمع المعلومات، فإن مركز الاستخبارات الذي سيتم إقامته تحت ستار القنصلية، سيكون من ضِمن مهامه إحداث اختراقات مهمة في التجارة وسوق المال عن طريق رجال أعمال موالين لإيران، وكذلك العمل على استمالة رجال دين من أجل إقامة أرضية لتوسيع النفوذ الإيراني في حلب، وتزامن ذلك مع تصاعُد عملية شراء إيرانيين للعقارات في مدينة حلب، خاصة في منطقة جب الجلبي بمنطقة المشهد، بالإضافة إلى حي الإذاعة، ومنطقة بستان القصر.
حزام إيراني في دمشق وضاحية جنوبية بحلب
بحسب مصادر "نداء بوست" فإن الحرس الثوري الإيراني وعَبْر الشركات التابعة له مباشرة، كان قد حصل على امتيازات وحُزَم من التراخيص من النظام السوري في كل من دمشق وحلب منتصف عام 2021 الجاري، ويعتمد في مشروعه في كل من دمشق وحلب على توطين عائلات مقاتليه الذين حصلوا على الجنسية السورية، ومعظم عائلات مقاتلين هم أفغان وعراقيون ثم إيرانيون، في حين يتم توطين بعض عائلات المقاتلين اللبنانيين دون حصولهم على الجنسيات السورية.
وشهدت دمشق في شهر حزيران/ يونيو الماضي نشاطاً ملحوظاً لشركة "خاتم الأنبياء للبناء" التابعة لـ"الحرس الثوري"، المكلفة بتنفيذ مشاريع إعمار في المنطقة الواقعة بين دمشق وحمص، كانت إيران قد اتفقت عليها مع النظام السوري سابقاً، على أن توسع عملها لاحقاً ليشمل الساحل وحلب.
حُزَم التراخيص التي حصلت عليها الشركات الإيرانية من النظام السوري كانت بدعم وتنسيق كامل من السفارة الإيرانية في دمشق ومكتب ممثل المرشد الأعلى، وتم استصدار عقود استثمار طويلة الأمد تمكن هذه الشركات من تأهيل الوحدات الإدارية المستهدَفة بالمشروع حيث من المقرر أن تكون بداية التنفيذ في مناطق شرق حلب نهاية آب/ أغسطس الجاري.
وقد تابع موقع "نداء بوست" عَبْر مصادر خاصة دور الوسطاء المحليين في شراء الأراضي بدءاً من حي كرم الدعدع وصولاً إلى طريق المطار وحي الجزماتي بما يشمل حي الصالحين والمرجة شرق حلب.
ثلاث مراحل لتوطين 80 ألف عائلة أجنبية
ينقسم المشروع إلى 3 مراحل، تتضمن الأولى شراء الأراضي بهدف تفريغ المنطقة من السكان الأصليين باستثناء عائلات من عشائر البقارة وعشيرة زينو الداعمين للمشروعين والمشتركين به، ثم إزالة الأنقاض التي خلفتها الحرب عَبْر لجان فنية مشتركة، ثم المباشَرة باستحداث المجمعات السكنية الجديدة بشراكة بين مؤسسات الحرس الثوري وشركات محلية أهمها شركة "القلعة المتحدة للبناء والتعمير" والتي حصلت على عقود شراء من مجلس محافظة حلب لمجموعة كبيرة من الأراضي الزراعية في غرب حي الصالحين مطلع العام الجاري.
وبحسب متابعات "نداء بوست" فإن المشاريع العمرانية التي حصلت عليها شركات تابعة للميليشيا في كل من دمشق وحلب تهدف إلى توطين عائلاتِ 20 ألفاً من مقاتليها في دمشق، ومثلهم في حلب مع دعم آليات نقل الملكية لهؤلاء المقاتلين والذين حصل معظمهم على الجنسية السورية، ثم لاحقاً توطين 20 ألفاً آخرين في دمشق ومثلهم في حلب ليكون مشروع التغيير الديموغرافي الذي يشرف عليه الحرس الثوري الإيراني في سورية هو صناعة ضاحية شرقية لحلب وطوق أمني في دمشق، قوامهما عائلات 80 ألف مقاتل أجنبي، ولاؤهم الكامل لإيران ومشروعها في المنطقة.
وكان نائب رئيس جمعية المقاولين في طهران، "إيرج رهبر"، كشف في تصريح صحفي أدلى به مطلع عام 2019 عن إبرام مذكرة تفاهم مع النظام السوري، تنص على بناء إيران 200 ألف وحدة سكنية في سورية، مشيراً إلى أن الأعمال الإنشائية المزمع تنفيذها تتركز في العاصمة دمشق.
أهداف استراتيجية بعيدة المدى
منذ تدخُّلها العسكري في سورية، الذي لم تُخْفِ إيران أنه انطلق من أساس طائفي مذهبي في الدرجة الأولى، ودفاعاً عن "الهلال الشيعي" ثانياً، عملت على إجراء تغيير ديموغرافي في المناطق التي دخلتها، وبشكل خاص في جنوب دمشق وريفها والغوطة الغربية، وحلب ودير الزور.
وتركزت عمليات توطين المقاتلين الأفغان والباكستانيين في منطقة السيدة زينب والقرى المحيطة بها جنوب دمشق، وفي مدينتَيْ داريا ومعضمية الشام في الغوطة الغربية، وفي مدينة القصير والقرى المحيطة بها جنوب حمص، إضافة إلى أحياء حلب وريفها الشرقي، ومدن وبلدات ريف دير الزور وبشكل خاصّ البوكمال والميادين.
وعملت طهران على محاولة اختراق المجتمع السوري من خلال برامجها الدينية والثقافية، والتي استهدفت الأطفال بالدرجة الأولى، بهدف تغيير أفكارهم وتأسيس جيل يحمل فكر ولاية "الفقيه"، مستغلة في ذلك حالة الفقر وحاجة بعض الأهالي للمساعدات التي يتطلب الحصول عليها اعتناق المذهب الشيعي.
وخلاصةُ القول أن إيران تبذل قصارى جهدها لضمان بقاء طويل الأمد في سورية، من خلال بناء قاعدة شعبية تدين بالولاء الكامل لها وإن كان ذلك على حساب السكان السوريين الأصليين، وتوطين الأفغان والباكستانيين محلهم، وتعزيز نفوذها في المجتمع المدني ليكون رديفاً لوجودها العسكري الذي من الممكن أن تفقده في حال حدوث توافُق دولي على ذلك.