قسم التحقيقات والمتابعة – محمد الشيخ
اضطر عبد الله المحمد وعائلته، إلى ترك منزله في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، والتوجه إلى أحد المخيمات الحدودية، بعدما عجز عن إقناع صاحب الشقة التي يقطنها منذ أشهر بعدم زيادة إيجارها الشهري، ورفعه إلى مبلغ لا يقدر على تأمينه.
"عبد الله" خرج قبل ثلاث سنوات من ريف حمص، بعد دخول قوات النظام السوري بموجب اتفاق "التسوية" الذي نص على تهجير رافضيه إلى الشمال السوري، ومنذ ذلك الوقت يقول لموقع "نداء بوست" إنه يعاني من مشكلة المسكن وتبديله بين الحين والآخر.
يؤكد محدثنا أنه تنقل منذ وصوله إلى الشمال السوري بين معظم مناطقه، بدءاً من "أريحا" في الريف الجنوبي، وسهل الغاب بريف حماة الغربي، ومدينة "دارة عزة" غرب حلب، و"عفرين" شمالها، و"جرابلس" في أقصى الشرق، إلى أن وصل به الأمر إلى "الدانا" المدينة الحدودية مع تركيا.
في بادئ الأمر اضطر "عبد الله" إلى ترك ريف إدلب الجنوبي بسبب الأوضاع الأمنية وقصف قوات النظام، وهو الأمر ذاته الذي دفعه لمغادرة منطقة "سهل الغاب" والنزوح إلى "دارة عزة" التي لم تسلم من الغارات والضربات المدفعية هي الأخرى.
ومنذ أكثر من عام وصل بطل قصتنا إلى مدينة "الدانا"، حيث استأجر منزلاً متواضعاً يتناسب مع دخله، إلا أن صاحب هذا المنزل قرر قبل أسابيع زيادة الإيجار بنسبة الضعف، وهو ما جعله يقصد المكاتب العقارية بحثاً عن مسكن أقل أجراً، إلا أنه فشل في ذلك.
وأشار إلى أنه أجرى رحلة بحث، استهدفت أكثر من 10 مكاتب عقارية، إلا أن أقل شقة وجدها طلب مالكها 65 دولاراً أمريكياً كإيجار شهري، موضحاً أنه يعمل في متجر لبيع الأدوات المنزلية، ويتقاضى 30 دولاراً أسبوعياً، ما يعني أن استئجار المنزل سيترك له ولأسرته 55 دولاراً فقط للعيش بها في الشهر، وهو أمر أشبه بالمستحيل، حسب وصفه.
وبعد ما عجز عن تأمين مسكن، توجه إلى مخيم على الحدود التركية يضم عشرات العوائل النازحة، إلا أن "عبد الله" اشتكى من سوء الأوضاع المعيشية والإنسانية، وغياب الخدمات الأساسية، وضيق المساحة المخصصة للأسرة، وعدم وجود خصوصية بسبب قرب المسافة بين الخيمة والاخرى، فضلاً عن كون المنافع مشتركة بين جميع قاطني المخيم.
مبالغ خيالية
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام، بصورة محادثة بين نازح وصاحب منزل في إدلب طلب 500 دولار كبدل إيجار شهري لمنزله، وهو رقم يعتبر خياليا بالنسبة لمنطقة ما زالت لا تنعم بكامل الاستقرار، فضلاً عن كون هذا المبلغ يعتبر أكبر بكثير من الإيجارات في مدينة "الريحانية" التركية التي لا تبعد عن الحدود السورية سوى بضعة كيلومترات.
وحول أسباب هذا الارتفاع الكبير في الإيجارات، قال "أبو محمد الحلبي" وهو صاحب مكتب عقاري في إدلب، إن هناك جملة من العوامل تتحكم في إيجارات المساكن، كالموقع والمساحة وتجهيز المنزل من الداخل، إلا أنه لم يخف وجود جشع لدى بعض أصحاب الشقق الذين يستغلون حاجة النازحين للمسكن لرفع الأسعار.
ويقطن منطقة شمال غربي سوريا أكثر من 4 ملايين نسمة، معظمهم من النازحين والمهجرين الذين خرجوا من مختلف المحافظات السورية بفعل العمليات العسكرية وحملات التهجير القسري الذي نفذته قوات النظام بدعم روسي وإيراني.
وتطرق "الحلبي" في حديثه لموقع "نداء بوست" إلى أن الاكتظاظ السكاني في المنطقة، وعدم وجود البدائل سوى المخميات، خلق ضغطاً على المدن والبلدات التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز بضع آلاف قبل اندلاع الثورة في آذار/ مارس 2011.
وتتراوح إيجارات المنازل في إدلب بين الخمسين والمئتي دولاراً شهرياً، وذلك بحسب المساحة وعدد الغرف والارتفاع الطابقي، وفقاً لـ"الحلبي".
قرارات دون تنفيذ
أصدرت حكومة "الإنقاذ" العاملة في محافظة إدلب، قراراً في 18 آب/ أغسطس عام 2019 بضبط إيجارات المنازل وعمل المكاتب العقارية ومنع أصحابها من استغلال النازحين، وذلك في أعقاب الحملة العسكرية التي تعرضت لها المحافظة من قبل قوات النظام وروسيا، وأسفرت عن قضم مساحات واسعة من أرياف إدلب وحلب وحماة.
وجاء في بنود قرار حكومة "الإنقاذ"، أن عقود الإيجار تمدد حكماً طالما أن أسباب التعاقد ما زالت قائمة، مع عدم إخلاء المستأجر إذا لم يخل بشروط العقد أو وجود أسباب قوية ومقنعة.
وأضاف القرار، أن بدل إيجارات المنازل يحدد وفق ما كان سائداً قبل موجة النزوح التي بدأت شهر نيسان/ أبريل 2019، بينما يتقاضى أصحاب المكاتب العقارية عمولة تساوي إيجار نصف شهر فقط مهما تمّ تمديد العقد، مطالباً إياهم بتسجيل العقود في المجالس المحلية.
ورغم ذلك القرار وما تبعه من قرارات في هذا الإطار، إلا أنها لم تترجم بشكل عملي، وعلى العكس من ذلك شهدت الإيجارات ارتفاعاً تدريجياً إلى أن وصلت إلى 4 أو 5 أضعاف ما كانت عليه قبل تلك القرارات.
وأثار عدم تطبيق تلك القرارات حفيظة السكان في إدلب، حيث أبدى عدد من الأهالي الذين التقى بهم موقع "نداء بوست" استغرابهم مما وصفوه بـ"تقاعس الإنقاذ" عن ذلك، وانشغالها بأمور أقل أهمية كمنع دخول الخضروات من ريف حلب.
تجدر الإشارة إلى أن موقع "نداء بوست" طرح عدداً من الأسئلة على مسؤوليين في حكومة "الإنقاذ" حول أسباب عدم تطبيق القرارات الخاصة بتحديد بدل الإيجارات وعدم وجود ضوابط لهذا الموضوع، إلا أنه لم يلق تجاوباً.