المصدر: فورين بوليسي
ترجمة: عبد الحميد فحام
لقد عَلّمنا التاريخ أنه عندما يكون زعيم بلد ما على استعداد لارتكاب إبادة جماعية، وخاصة إن كانت ضد شعبه، فيجب على العالم أن يتحد لعزله كما يجب أن يتم توجيه الاتهام إليه ومحاكمته وإدانته على جرائمه ضد الإنسانية.
لقد تسببت الحرب السورية في مقتل أكثر من 350 ألف شخص وتشويه الآلاف -بما في ذلك أكثر من 300 هجوم بالأسلحة الكيماوية، وقد نفّذ نظام الرئيس السوري بشار الأسد الغالبية العظمى منها. هذه جرائم ضد الإنسانية، وسيبقى ذكرى جريمة الأسد إلى الأبد إلى جانب أسوأ الجزارين المستبدين في العالم.
ومع ذلك، ينفي الأسد امتلاكه أسلحة كيماوية ولا يتعاون بشكل كامل مع عمليات التفتيش الدولية كما ينفي أن قواته الجوية أسقطت براميل متفجرة على مناطق مكتظة بالسكان فهو ينفي وجود البراميل المتفجرة أصلاً وينفي أيضاً التعرّض للمدنيين العُزّل عمداً في أي وقت مضى.
على مدى 10 سنوات، قدّمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية، التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تقارير تفصيلية عن العمليات الإجرامية التي قام بها لأسد، فضلاً عن العمليات الإجرامية للجهات الفاعلة غير الحكومية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة، ولكن وبشكل غير معقول يقوم الأسد بنفي كل شيء.
الآن، يؤدي مرور الوقت وقِصر الذاكرة الواضح إلى نسيان المجتمع الدولي لواحدة من أهم القواعد في الجغرافيا السياسية: لا تتفاوض أبداً مع الإرهابيين. وبعد أن تلقّى الأسد الدعم من روسيا وإيران، لا يزال الأسد ونظامه الشرير في السلطة. وعلى الرغم من القسوة التي لا يزال الأسد يمارسها على الشعب السوري، بدأت المنطقة في إعادته وعصابته الإجرامية إلى الأحضان.
في اجتماع عُقد في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2021 على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، التقى فيه وزير الخارجية المصري سامح شكري بنظيره السوري فيصل المقداد، للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة السورية قبل 10 سنوات.
وقال شكري متجاهلاً الإبادة الجماعية في ذلك العقد إن الوقت قد حان "لاستعادة مكانة سورية في العالم العربي".
وقد أعاد الأردن فتح التجارة وأعاد العلاقات مع نظام الأسد. وحذت الإمارات العربية المتحدة حذو الأردن، فأرسلت وزير خارجيتها، عبد الله بن زايد، للقاء الأسد في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وعلى الرغم من سنوات من الإدانة والاجتماعات الدولية العاجلة والتقارير التي لا تنتهي عن الفظائع الموثقة جيداً التي ارتكبها نظام الأسد، تظهر رسالة مُحزنة من بلاد الشام: اقتلوا شعبكم، احموا نظامكم، اختبئوا في ملجأ -وخلال بضع سنوات، سيتيح لكم العالم الخروج، ويغسل بالكامل، وينظف ما فعلتموه.
لا يمكننا ترك ذلك يحصل ويجب ألا نسمح لـ وصفة الأسد للبقاء السياسي أن تصبح مقياساً لرد فعل الديكتاتوريين على الاحتجاج والمعارضة.
يحتاج الدبلوماسيون والمشرعون الأمريكيون إلى التعمق في المسألة ومراجعة أنفسهم واستحضار قيمنا الإنسانية المشتركة.
عليهم أن يخبروا شركاء الولايات المتحدة في الأردن والإمارات ومصر أن التقارب مع النظام السوري أمر غير وارد.
يجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تطبق بشكل كامل قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سورية وأن تفرض عقوبات على المخالفين.
لقد صدر قانون "قيصر" لحماية الشعب السوري والحفاظ على وحدة المنطقة. (كتب أحد المؤلفين قانون "قيصر" وكذلك قانون محاسبة سورية واستعادة السيادة اللبنانية).
سيكون من السخرية أن نترك رسالته القوية -التي مفادها أن على الولايات المتحدة أن ترسم خطاً واضحاً ضد نظام الأسد- يُرمى بها عرض الحائط.
إن قانون قيصر يفرض عقوبات على وجه الخصوص على أي نشاط "يُسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية من الغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية".
هذا مهم لأن خطط جلب الغاز الطبيعي إلى لبنان تتصور أن يمر الغاز المصري عبر خطوط الأنابيب السورية -وبعضها لم يتم بناؤه بعد.
إذا كانت عمليات توصيل الغاز هذه تُسهّل صيانة أو توسيع إنتاج الغاز الطبيعي أو النفط في سورية، فيبدو واضحاً أن البناء الجديد أو صيانة البِنْية التحتية القديمة، بغض النظر عن الغرض الجدير بمساعدة المواطنين اللبنانيين، ينتهك قانون "قيصر".
يجب على إدارة بايدن أن تطبق القانون بصرامة وأن تعارض أي تطورات من شأنها أن تعزز صناعة الطاقة في عهد الأسد. بدلاً من ذلك، عليها البحث عن بدائل، بما في ذلك الشحنات البحرية والمصادر المتجددة، لتوفير الطاقة للبنان.
كما أعربت إدارة بايدن عن اهتمامها بالمساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء العالم، فقد حان الوقت الآن لتنشيط تلك الأهداف السامية، وتعزيز الجهود لتقديم الأسد إلى العدالة. يجب على إدارة بايدن أن تستخدم كل قوتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة وفي المنتديات الأخرى لفضح وحشية الأسد حتى لا تفلت جرائمه من بين الثغرات.
وكخطوة حاسمة، يحتاج مجلس الشيوخ الأمريكي إلى تأكيد مرشح الرئيس جو بايدن للسفير المتجول للعدالة الجنائية العالمية، بيث فان شاك. وبمجرد تأكيدها، عليها أن تجعل المساءلة عن الأسد وحاشيته على الفور أولوية رئيسية لها. كما هو متصور في قانون "قيصر"، يجب على فريقها التنسيق مع وزارة العدل الأمريكية والوكالات الأخرى لجمع الأدلة وتجميعها، والحفاظ على سلسلة الحجز، والتشاور بنشاط مع الخبراء القانونيين من ذوي الخبرة في مقاضاة جرائم الحرب. وحالما يمكن توجيه الاتهامات، يجب تقديم إخطارات حمراء إلى الإنتربول بشأن الأسد وأتباعه.
النبأ السارّ، هو أن إحدى المحاكم أثبتت للتوّ أن تقديم الأسد ومساعديه إلى العدالة لا يزال ممكناً. واستناداً إلى مبدأ الولاية القضائية العالمية في القانون الدولي، فقد أدانت محكمة في ألمانيا عقيداً سابقاً في أحد أجهزة مخابرات الأسد بارتكاب جرائم حرب، في واحدة من أولى المحاكمات الجنائية في العالم على الفظائع في سورية.
لا تستطيع الولايات المتحدة ولا ينبغي لها أن تحاول فرض نوع من الحل العسكري للأزمة السورية. لكن إدارة بايدن مُحقّة في الاحتفاظ بقوات عسكرية في شمال شرق سورية لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
وجود تلك القوات يذكر العالم بالمصالح الأمريكية، ويوفر نافذة على الصراع الذي يواجهه الشعب السوري، ويعزز التنسيق مع القوات المناهضة للأسد.
على الرغم من أن إدارة بايدن تقول إنها ليس لديها خطط "لتطبيع أو تجديد" العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد ولا تشجع الآخرين على القيام بذلك، إلا أن هناك المزيد من الإجراءات الملموسة التي يمكن أن تتخذها، مثل إطلاع دول المنطقة بشكل واضح وصارم على العقوبات التي قد يواجهونها في ظل حكم قيصر أو عقوبات أخرى.
بدون دور القيادة الأمريكية المتمثل بضبط البوصلة الأخلاقية الدولية في سورية، من الصعب رؤية كيف ستستمر دول المنطقة وحول العالم في الوقوف بحزم ضد هذا الديكتاتور. نحن مسرورون بشكل خاص برسالة الحزبين الأخيرة إلى بايدن من رئيس وأعضاء بارزين في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب التي يحثون فيها على استعادة القيادة الأمريكية في سورية.
وتعرب الرسالة عن القلق بشأن قيام الدول العربية بتوسيع علاقاتها مع دمشق وتحذر إدارة بايدن: "الموافقة الضمنية على التعامل الدبلوماسي الرسمي مع النظام السوري تشكل سابقة خطيرة للسلطويين الذين يسعون إلى ارتكاب جرائم مماثلة ضد الإنسانية".
يجب أن يكون الانتقال السياسي في سورية إلى حكومة تمثل شعبها وتحافظ على السلام والاستقرار مع جيرانها هو محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة بشأن سورية.
وبدون إعطاء الأولوية لهذا الهدف، ستستمر سورية في نزيف العذاب من جهة ونشر الإرهاب من جهة أخرى.
لا ينبغي لشركاء الولايات المتحدة العرب الزحف إلى الأسد لأنهم يدركون خطأ عدم المبالاة الأمريكية بشأن قضية الانتقال السياسي في سورية. لا يمكن السماح لهم بالشعور بأن واشنطن تتصالح مع وجهة نظر موسكو التي تخدم مصالحها بأن الأسد، الذي يجلس على قمة الخراب الذي لا يزال مدعوماً من روسيا وإيران، قد فاز بالصراع من أجل سورية.
ونظراً لأنه يركز على التحدي المتزايد من الصين، ووباء كوفيد -19 العالمي، وتغير المناخ، يجب على إدارة بايدن أن تكون حريصة على تجنب الإيحاء بأنها غير مبالية تجاه مستقبل سورية، لأنها قد تشجع الآخرين عن غير قصد على قبول ما هو غير مقبول. بل يجب عليها تكثيف الضغط والإشادة بالموقف القوي ضد عودته من دول عربية مثل السعودية وقطر.
مرت سنوات قليلة منذ أن استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، وارتكب جرائم حرب، لكن الذكريات ما زالت حاضرة في أذهان العائلات السورية وأصدقاء الضحايا، بما في ذلك العديد من أقارب أحد كتاب هذه المقالة.
ولا يزال عشرات الآلاف من السوريين في سجون النظام يتعرضون للتعذيب والجوع والمرض والاغتصاب.
لقد حان الوقت لتجديد ذاكرتنا والمطالبة بالعدالة لما ارتكبه جزار دمشق. فهو لا مكان له أو أتباعه بين الشعوب المتحضرة.