”نداء بوست“ – حوارات – حاوره أسامة آغي
هندسة المجتمع السوري إيرانياً، تعني بالمحصلة تغييراً في بِنْية هذا المجتمع فكرياً وثقافياً واجتماعياً، بما يخدم الهيمنة الإيرانية في المحيط العربي، وتحديداً في سورية.
"نداء بوست" التقى الكاتب ضياء قدور، وهو باحث في الشأن الإيراني أسهم في الأيام الماضية في دورة أقامها "وقف الديانة التركي"، بسلسلة محاضرات جاءت تحت عنوان ”الوعي السياسي والتأصيل الفكري“، وجوهر الدورة يتمثل بتسليط الضوء على العلاقة بين هذين المفهومين، وأهميتهما في قراءة الواقع، وجاءت مشاركة قدّور عَبْر مساهمة تحت عنوان "حول هندسة المجتمع السوري إيرانياً"، ولهذا طرح "نداء بوست" بعض الأسئلة على الباحث، فكان هذا الحوار.
الوعي السياسي والتأصيل الفكري
ينطوي هذا المصطلح بشِقَّيْهِ على رؤية فكرية سياسية، تُغني عملية البحث وفهم السياسات، يقول الكاتب ضياء قدور وهو ضابط منشق "بالنسبة للدورة التي أقامها "وقف الديانة التركي" مع منصة "مناصحة"، والتي شاركت بها، فهي كانت حول الوعي السياسي والتأصيل الفكري، حيث شاركت بمادة تتعلق بالدور الإيراني في إعادة هندسة المجتمع السوري".
ويضيف قدّور: الهدف الأساسي الذي يضمره الإيرانيون هو السعي لتأسيس إمبراطورية فارسية، وما نشر الفكر الشيعي في سورية أو المنطقة بشكل عامّ إلّا غلاف ولبوس لهذا الهدف الأساسي. حيث تسعى إيران لأن تصدّر نفسها في المنطقة وفي العالم كممثلة عن الشيعة.
وبرأي قدّور: هذا التحليل يدعمه تصريحات مسؤولين إيرانيين بارزين، والذين تحدثوا تكراراً ومراراً، عن أنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية، في إعادة واستحضار لأمجاد الإمبراطورية الفارسية القديمة، لذلك يضيف قدّور: الشكل الديني ليس إلا غلافاً ولبوساً لهدف يتركز على استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية.
ركائز المشروع الإيراني
وسألنا الكاتب ضياء قدور عن مشروع إيران في سورية، وعن الركائز التي يستند ويقوم عليها، وعن ماهيتها، فقال: "المشروع الإيراني يعتمد على ركائز عديدة تتعدى المادية، إلى ركائز سياسية وثقافية واقتصادية، والأهم من كل هذه الركائز الركيزة العسكرية، التي أصبحت إيران خلالها مبدعة في تشكيل الميليشيات الطائفية والإرهابية في المنطقة، وتسليح هذه الميليشيات بأسلحة نوعية، وفرض الهيمنة الإيرانية في جميع الدول التي تتدخل بها إيران".
ويرى قدّور: أن أدوات المشروع الإيراني تخطّت الأدوات العسكرية إلى أدوات أخرى كالثقافية والاقتصادية والسياسية، موضحاً، أي قدور: بما يخص سورية، فإن الأدوات الثقافية التي تعتمدها إيران في المنطقة، تعتمد بشكل أساسي على إعادة هندسة المجتمع السوري، من خلال تغيير التركيبة السكانية.
ويضيف قدّور: يلاحظ في عدة مناطق، سواء في الجنوب السوري، أو في الشرق السوري في مناطق دير الزور، حيث نشهد عمليات تشيُّع كبيرة جداً للأهالي في المنطقة، وتسهيلات، واستغلال إيراني للوضع المزري، الذي يعيشه الأهالي، للدفع بهم للانضمام إلى الميليشيات.
علاقة عضوية
وسألنا الكاتب ضياء قدّور عن العلاقة بين نظام الأسد وإيران، وفيما إذا كانت علاقة تتسم بطلب النظام للدعم الإيراني والمقابل الذي على النظام تقديمه، فقال: خلافاً لما تعتقده بعض الدول العربية، التي تسعى لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، تحت عنوان الحد من الوجود الإيراني والهيمنة الإيرانية، وهذا تذرعٌ، أصبحت العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني علاقة عضوية، تتسم بالتبعية والهيمنة الإيرانية، وهذا خلافاً لما كانت عليه العلاقة أثناء حكم حافظ الأسد، حيث كانت تتسم بعلاقة تحالف بين ندين.
ويعتقد قدّور: أنه خلافاً لهذه الذرائع التي لا دليل لها، وهي تحركات عبثية، لا يمكن تفسيرها، لأن التخلص من الوجود الإيراني، لا يمكن تحقيقه إلا بالتخلص من صبي طهران بشار الأسد ونظامه في سورية. وبرأي قدّور: أن النظام السوري تعرّض خلال السنوات العشر الماضية لضغوط إيرانية كبيرة، وهذا نتيجة اعتماده الكامل على إيران.
ويوضح قدّور الأمر على أنه يتعلق بـ: توريد الميليشيات الطائفية وتسليحها، أو من خلال توريد النفط ومشتقاته إلى سورية، ولذلك اضطر نظام الأسد في أغلب الأحيان إلى تقديم تنازُلات كبيرة للنظام الإيراني في سورية، سواء كانت التنازلات على المستوى الثقافي، حيث وجدنا العديد من القرارات، التي أتاحت فتح مراكز تنشر الفكر الشيعي، وتنشر اللغة الفارسية.
ويتابع قدّور توضيح صورة واقع ما تفعله إيران في سورية، فيقول: كذلك اضطر النظام الأسدي إلى تقديم تنازلات اقتصادية، هذه التنازلات تمثّلت بتوقيعه على اتفاقيات اقتصادية مع النظام الإيراني، وهو ما سيتيح مستقبلاً في حال تمّ المضي قدماً في هذه الاتفاقات، والتي لم يتم تنفيذ أغلبها حتى الآن على المستوى الاقتصادي، سيتيح مجالاً أوسع للتوغل الإيراني في سورية.
نفوذ إيران ومآلاته
وحول سعة النفوذ الإيراني في سورية ومآله، يقول الكاتب ضياء قدّور: إيران تحب تشكيل ميليشيات طائفية إلى جانب مؤسسات دينية، وهذان الكائنان يعملان خارج نطاق الدولة، فالحالة اللبنانية أو العراقية أو اليمنية تخبرانا بما يمكن أن تؤول له الحالة السورية، هذا الأمر لا يحبذه النظام السوري، لكنه أمر واقع ونتيجة حرب عشر سنوات، وإيران اليوم متوغلة ضمن الجيش السوري، وضمن القرار السوري، وقبضتها محكمة بشكل كبير.
ويرى قدور: الضغوط سواء كانت الضغوط العربية أو الروسية أو الإسرائيلية، سنقول إن الضغوط الروسية فشلت حتى اللحظة في تقليص الوجود الإيراني في الجنوب السوري، فمنذ عام 2018 وحتى اليوم تضاعفت المواقع الإيرانية في الجنوب السوري، أما التطبيع العربي مع نظام الأسد فلن يكون له تأثير على الوجود الإيراني على المدى المنظور.
ويعتقد قدور: أن إيران لا ترى خطراً على نفوذها على المدى المنظور من التطبيع العربي مع نظام الأسد، وهي تنظر إلى هذا التطبيع على أنه مزاحمة للنفوذ التركي القطري في الشمال الغربي السوري، وكذلك الأمر بالنسبة للضربات الإسرائيلية فهي تستهدف بشكل أساسي شحنات الصواريخ والأسلحة النوعية التي تهدد التوازن الإقليمي.
ويضيف قدور: إذا تخلّت إيران عن فكرة تحويل الجنوب السوري إلى جبهة متقدمة ضد إسرائيل، واكتفت في السيطرة على الطريق البري بين طهران وسورية، فليس لدى إسرائيل أي مشكلة. هي فقط تستهدف الأسلحة النوعية لأنها ترى فيها تهديداً لها وإخلالاً للتوازن في المنطقة.
ويتابع قدور: إيران برؤيتها لهذا الأمر، تعتبر أن تطبيع العرب مع نظام الأسد يأتي من منظور أن الدول العربية تسعى إلى تقليل التوتر مع إيران، هذا خلافاً لما يروّج في الإعلام. ويمكن أن تنظر إيران إلى حركة التطبيع العربي مع نظام الأسد، على أنها دعم لجهودها وجهود نظام الأسد وبمشاركة ميليشياوية كبيرة ضد الشمال السوري المحرر، لمزاحمة النفوذ التركي القطري في شمال غرب سورية.