المصدر: معهد الولايات المتحدة للسلام
بقلم: دونالد جنسن (مدير برنامج روسيا والاستقرار الإستراتيجي في معهد الولايات المتحدة للسلام)
ترجمة: عبدالحميد فحام
على الرغم من الخلاف حول مجموعة من القضايا الجيوستراتيجية الرئيسية، فقد سعت واشنطن وموسكو هذا العام بهدوء إلى استقرار العلاقات الثنائية المليئة بالتوتر.
وقد أعقب قمة شهر حزيران/ يونيو بين الرئيسين بايدن وبوتين في جنيف عدة ارتباطات رفيعة المستوى في الأشهر الأخيرة بين المسؤولين الأمريكيين والروس، بما في ذلك زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز في أوائل تشرين الثاني/ نوفمبر إلى موسكو.
فبالنسبة لإدارة بايدن، تسمح لها هذه المشاركة باستكشاف مجالات التوافق بينما تراقب عن كثب موسكو وجهودها لتقويض المصالح الأمريكية. أما بالنسبة لبوتين، فإن تلك المحادثات تظهر أن روسيا هي تلك القوة العالمية التي تدّعي.
وينبغي النظر إلى ما تركز عليه هذه المحادثات، وكيف يمكن لواشنطن أن توازن المنافسة والتعاون مع موسكو وكيف تؤثر تصرفات روسيا العدوانية تجاه أوكرانيا على العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا.
إن هذه هي المرة الرابعة على الأقل التي يزور فيها مسؤول أمريكي كبير موسكو منذ شهر تموز/ يوليو. فما الذي يدفع تحوّل إدارة بايدن نحو المزيد من المشاركة المباشرة مع روسيا؟
لقد زار مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز موسكو يومَيْ 2 و3 تشرين الثاني/ نوفمبر للرد على السلوك الروسي السيئ الأخير، بما في ذلك الحشد العسكري في أوكرانيا وتجدد النشاط الإلكتروني ضد الولايات المتحدة والاستعداد لخفض إمدادات الطاقة للأسواق العالمية مع اقتراب فصل الشتاء.
وبالإضافة إلى مكالمة هاتفية مع الرئيس بوتين، التقى بيرنز وجهاً لوجه مع نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، وسيرجي ناريشكين، رئيس جهاز المخابرات الخارجية (SVR).
وكان رد فعل الولايات المتحدة قوياً عندما حشد الكرملين قوات على طول الحدود الأوكرانية الربيع الماضي، وقد اشتكى الرئيس بايدن لبوتين من العدوان الروسي في أوكرانيا في قمتهما التي انعقدت في جنيف في حزيران/ يونيو، والتي أثمرت عن بعض النجاحات.
إن زيارة بيرنز وزيارة فيكتوريا نولاند، وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية الشهر الماضي، قد تدفع الكرملين إلى التصرف بضبط النفس مرة أخرى.
ينبغي النظر إلى ما تركز عليه هذه المحادثات، وكيف يمكن لواشنطن أن توازن المنافسة والتعاون مع موسكو وكيف تؤثر تصرفات روسيا العدوانية تجاه أوكرانيا على العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا.
إن هذه هي المرة الرابعة على الأقل التي يزور فيها مسؤول أمريكي كبير موسكو منذ شهر تموز/ يوليو. فما الذي يدفع تحول إدارة بايدن نحو المزيد من المشاركة المباشرة مع روسيا؟
ما هي القضايا التي تركز عليها هذه المحادثات؟ خلال قمتهما في حزيران/ يونيو، قال الرئيس بايدن إنه يتوقع أن تكون سياسات روسيا "مستقرة ويمكن التنبؤ بها".
وحتى الآن، تتركز الاتصالات المنتظمة على المحادثات العسكرية، بما في ذلك اجتماع أيلول/ سبتمبر بين كبار مسؤولي الدفاع في البلدين. لكن الاتصالات الدبلوماسية المنتظمة متوقفة.
وقد أجرى البلدان محادثات "بناءة" حول الاستقرار الإستراتيجي، لكن تلك المحادثات تعقدت بسبب النمو المتوقع في القوات النووية الصينية، والتي تعد أحد العوامل التي تقوض بنية الحد من التسلح الراسخة الموروثة من الحرب الباردة.
كما أن صعود الصين، الشريك الدائم لروسيا يُضعف ادعاء الأخيرة بأنها النظير الإستراتيجي الوحيد للولايات المتحدة. وقد يكون الإرهاب وتغير المناخ من القضايا المطروحة على جدول الأعمال في المستقبل. ومع ذلك، فإن غياب بوتين عن قمة COP26 البيئية في غلاسكو يظهر عدم التزام موسكو بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
و من الأهمية بمكان أن نضع في اعتبارنا أن روسيا تحدد هذه المشكلات بشكل مختلف تماماً عن الولايات المتحدة.
حيث تتعارض طريقة دبلوماسية الكرملين أحياناً مع طريقتنا – فهي نتاج ثقافة إستراتيجية مختلفة تماماً ترى أن روسيا محاطة بالتهديدات -خاصة من الغرب- القادرة على تقويض النظام.
وتستخدم موسكو الخداع كأداة يومية للسياسة الخارجية وتنتهك الأعراف الدولية عندما تخدم مصالحها. إن هذه الاختلافات يمكن أن تجعل الاتفاقات بين الولايات المتحدة وروسيا صعبة وتؤدي إلى مشاكل في التنفيذ في المستقبل. ما الذي نفهمه من تجاور نهج كِلتا الحكومتين العلني والعدائي وهذه الاجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين؟ كيف يمكن للولايات المتحدة أن توازن المنافسة مع روسيا مع الحفاظ على التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك؟
يعكس نهج الحكومة العدائي العام اختلافات عميقة حول القضايا الحيوية وقد يكون مصمماً لطمأنة الجماهير المحلية، التي قد يكون بعضها حذراً من الاقتراب أكثر من اللازم من الطرف الآخر فالثقة بين البلدين منخفضة.
ومع ذلك، فإن انطباعي هو أنه في روسيا على وجه الخصوص، غطت وسائل الإعلام هذه الاجتماعات بكثافة – ويرجع ذلك جزئياً إلى ظهور واشنطن التي تتعامل مع الكرملين كإشارة مماثلة إلى أن روسيا هي القوة العظمى التي يدعي بوتين أنها كذلك.
والأهم من ذلك، يبدو أن الفهم العملي، هو أن الجانبين سيسعيان إلى اتفاق بشأن القضايا التي تتلاقى فيها مصالحهما ويتفقان على الاختلاف عندما لا يتقاربان.
إن هذا أصعب بكثير مما يبدو للوهلة الأولى فالسياسات البيروقراطية على كِلا الجانبين، بالإضافة إلى العوامل التي ذكرتها سابقاً تمنع ذلك.
ومن الضروري أن توضح إدارة بايدن ما هو موجود وما هو غير مطروح على الطاولة لأن موسكو من المرجح أن تدقق في المواقف الأمريكية بحثاً عن نقاط الضعف التي يمكن أن تستغلها، وقد تمارس "الربط" من خلال إحراز تقدم في قضية "الاهتمام المشترك" المشروط بالاتفاق على القضايا التي توجد فيها اختلافات كبيرة، مثل أوكرانيا.
لقد جاءت زيارة بيرنز في الوقت الذي ظهرت فيه أنباء عن قيام روسيا بتعزيز وجودها العسكري على الحدود مع أوكرانيا. يجب أن نتساءل ما هي الغاية من التعزيزات؟ وكيف يؤثر الوضع في أوكرانيا على الجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار في العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا؟
أشارك مدير وكالة المخابرات المركزية بيرنز قلقه بشأن التحركات غير النظامية للقوات الروسية بالقرب من الحدود الشمالية لأوكرانيا، وكان من دواعي سروري أنه اتصل بكييف الأسبوع الماضي ليؤكد للرئيس الأوكراني زيلينسكي دعم الولايات المتحدة في مواجهة الحركات المقلقة بشكل خاص؛ لأنها جاءت بعد مقال طويل لفلاديمير بوتين في الصيف الماضي يدعي فيه بأن الأوكرانيين والروس هم شعب واحد وتعليقات الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف العدوانية في صحيفة كوميرسانت بأن أوكرانيا ليست دولة ذات سيادة وتحت "حكم خارجي" من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
لقد استخدمت روسيا التهديد بالعمل العسكري، كجزء أساسي من حملتها الطويلة لترهيب وزعزعة استقرار أوكرانيا منذ أزمة ميدان 2014.
ويمكن أن تزيد من مشاركتها العسكرية الآن أو تستخدم العمليات لإبقاء أوكرانيا وشركائها في حالة من عدم التوازن.
لهذا السبب، من المهمّ أن تواصل إدارة بايدن الضغط على الكرملين لوقف عدوانه.