ترجمة – قسم الترجمة في "نداء بوست" – عبدالحميد فحام
لقد ساهم كل الأطراف في الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة في لبنان، التي أغرقت البلاد في الظلام وأدّت لإفقار 78 في المائة من السكان. وقد كانت النخبة السياسية في البلاد وفصائلها الطائفية أكثر انشغالاً بالصراع الداخلي حول امتيازاتها التقليدية أكثر من انشغالها بمعالجة مشاكل البلاد. ففي العاشر من أيلول/ سبتمبر، وبعد أكثر من عام من الانتظار، حصلت البلاد على حكومة جديدة مستقلة ظاهرياً، برئاسة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. لكن هناك القليل من الدلائل على أنه سيكون لديه الإرادة أو القدرة على تمرير الإصلاحات السياسية أو الاقتصادية الضرورية.
ومع استمرار انهيار اقتصاد البلاد، تتزايد آمال العديد من اللبنانيين المعقودة على الولايات المتحدة. فقط واشنطن، كما يذهب التفكير السائد، لديها القدرة على ترتيب شريان حياة اقتصادي مع فرض التغييرات السياسية التي يحتاجها لبنان، والمبدأ الديمقراطي لضمان أن تكون هذه التغييرات ديمقراطية حقيقية، من خلال إبطال تأثير القوى السياسية الطائفية ورعاتها الإقليميين على حد سواء.
لسوء الحظ بالنسبة للبنان، ليس لدى الولايات المتحدة خطة نشطة لإنقاذ البلاد – ولا يوجد أي مؤشر على أن هناك خطة قيد التنفيذ.
حتى الآن، عرضت الولايات المتحدة دعماً خاصاً فقط، وفعلت الحد الأدنى لمنع البلاد من الانهيار التام. وبدلاً من ذلك، قامت بنقل عهدة ملف لبنان إلى فرنسا. فخلال العام الماضي، اتخذت فرنسا زمام المبادرة في محاولة حلّ الأزمات في مستعمرتها السابقة، وزار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون البلاد عدة مرات بعد انفجار ميناء بيروت في أغسطس 2020 للدفع من أجل عقد اجتماعي جديد بين الدولة اللبنانية والشعب اللبناني. ومع ذلك، اعتمدت الخطة الفرنسية بسذاجة على نفس النخبة السياسية التي استفادت من خطة تقاسم السلطة القائمة على الطائفية في البلاد لإصلاح ذلك النظام نفسه. ولم يكن هناك عصا، ولا تهديد بالانهيار لدفع الطبقة الحاكمة العنيدة للغاية – والتي يُزعم أنها فاسدة للغاية – على تغيير سلوكها.
ومع بدء خيبة الأمل من الفرنسيين، قال العديد من المحللين إن فرنسا ببساطة لم يكن لديها نوع التأثير الذي تمارسه الولايات المتحدة لإجبار النخبة السياسية المتغطرسة وغير المنضبطة على العمل. لكنهم محبطون من عدم اهتمام أمريكا الواضح. وقال المحلل السياسي اللبناني سامي نادر "لبنان ليس أولوية إدارة بايدن، أمن إسرائيل على رأس جدول أعمالهم، وإحياء الاتفاق مع إيران على رأس جدول أعمالهم، لكن لبنان ليس كذلك". ويتذكر نادر وقتاً كان فيه لبنان أولوية بالنسبة لواشنطن فقال: "خلال فترة جورج دبليو بوش، منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تصدّر لبنان أجندة واشنطن، لأنه شهد أول نجاح لسياسة أجندته الديمقراطية في لبنان، ورأينا الكثير من الأمل والدعم على جميع المستويات، وهي الأمور التي لم نعد نلحظها."
الأمريكيون هم أكبر مانح للمساعدات الإنسانية للبنان، ويموّلون القوات المسلّحة للبلاد، بل إنهم قالوا إنهم سيسهّلون حلول طاقة رخيصة ومستدامة للبلد التي تعاني من نقص الوقود والكهرباء. ومع ذلك، فإن الشعور السائد هو أن الولايات المتحدة تتفاعل فقط مع الأحداث بدلاً من تبنّي سياسة استباقية لانتزاع البلاد مما قال البنك الدولي إنه يمكن أن يكون أحد أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
ويتمتع العديد من اللبنانيين بعلاقات عميقة مع الولايات المتحدة ويتطلّعون إلى أسلوب الحياة الأمريكي والأفكار السياسية. إنهم يريدون أن تتوقف الولايات المتحدة عن رؤية لبنان من منظور إسرائيلي أو إيراني، ويأملون بدلاً من ذلك أن تصوغ سياسة أكثر شمولاً تركز على تنمية ديمقراطية طموحة.
رغب أكثر من مليون لبناني احتشدوا في شوارع البلاد في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في الإطاحة بنظام حكم طائفي يخدم مصالحه الخاصة، لكن المتظاهرين السلميين ببساطة لا يملكون الأدوات اللازمة لمواجهة دولة مسلّحة جيداً، تدعمها ميليشيا قوية. لقد توقّعوا أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها الدبلوماسي الهائل بشكل أكثر قوة لحماية حقوقهم – على سبيل المثال، من خلال جعل المساعدة للجيش اللبناني مشروطة بضمان أنه لن يستهدف المتظاهرين. علاوة على ذلك، يقولون إن الولايات المتحدة يمكنها بسهولة استخدام قوتها المالية لمعاقبة الفاسدين وتجميد أصولهم غير المشروعة في الخارج.
وأحد أسباب تلاشي الاحتجاجات هو الخوف المستمر من عمليات الاختطاف والاغتيالات والاعتقالات. فقد تم اعتقال عدد من المتظاهرين، وتعرّض كثيرون لمضايقات من قبل السلطات وتم ترويعهم من قبل أنصار حزب الله وحليفته حركة أمل. فقد أصيب لقمان سليم، أحد منتقدي حزب الله، بأربع رصاصات في رأسه وعُثر عليه مقتولاً في سيارته في جنوب لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله. كان الخوف الدائم من احتمال تعرضهم للقتل هو أيضاً سبب عدم ظهور قادة ليحلوا محل الحرس القديم. ونتيجة لذلك تبدد الزخم تدريجياً بينما تفاقمت معاناة الناس.
وقال محللون لبنانيون إنه بينما أعربت الولايات المتحدة عن تعاطفها العام مع المحتجين، فإنها لم توضح ما الذي ستفعله لدعمهم ودعم معيشتهم. علاوة على ذلك، بينما تركّز إدارة بايدن على إحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، فإن اللبنانيين متشككون بشأن ما سيعنيه ذلك، فهم يعرفون أن ذلك يعني تنامي قوة حزب الله المدعوم من إيران في الحكومة اللبنانية.
وقالت لوري هاتيان، الخبيرة اللبنانية في مجال الطاقة والمعلّقة السياسية، إنها تتساءل عما إذا كانت الولايات المتحدة لديها خطة متماسكة لإنقاذ لبنان. وأضافت: لا أعتقد أن لدى الولايات المتحدة سياسة واضحة تجاه لبنان. إنهم يقومون بأعمالهم كالمعتاد من خلال المنح المُقدمة إلى المنظمات غير الحكومية، ودعم الجيش، وهو ما اعتادوا القيام به أيضاً. لا أرى أي شيء آخر على المستوى السياسي، كما يعلم الجميع. لا أرى أي تحوّلات أو أي إستراتيجية. بل الولايات المتحدة تتفاعل فقط مع الأزمات الإنسانية".
لبنان في حالة هجرة أدمغة مُزمِنة
إن الإعلان الأخير عن أن الولايات المتحدة سوف تسهّل توفير الغاز والكهرباء لاقى ترحيباً واسعاً، ويأمل اللبنانيون في المزيد من هذه المبادرات. فقد أعطت الولايات المتحدة موافقتها على خطة متعددة الأطراف لتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأردن وسورية، والكهرباء الأردنية عبر الشبكة السورية. وستعفي الدول التي تتعامل مع سورية من العقوبات بموجب قانون قيصر وتسهّل خط ائتمان مضمون من البنك الدولي للبنان.
إن الحلفاء العرب لواشنطن -وكثير منهم يدفع باتجاه استئناف العلاقات مع سورية لموازنة النفوذ الإيراني في لبنان- مسرورون بهذه الخطط. لكن بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق المقيم في الولايات المتحدة، قال إن أمريكا ترتكب خطأ بالاعتماد على بشار الأسد لمواجهة إيران في لبنان. وأوضح أن "الميليشيات الإيرانية ستسيطر فعلياً على مناطق في سورية يمرّ عبرها الغاز المصري". وأضاف: "الأمريكيون يساعدون إيران، لا يحتوونها".
لم تعلّق الحكومة الأمريكية على النفوذ الذي وفّره المسار السوري لإيران، التي بحسب حزب الله، ترسل ناقلات خاصة بها إلى لبنان.
وتقول إحدى النظريات عن هذا التحفظ إن الولايات المتحدة ربما تأمل في التعاون مع إيران في الحفاظ على الاقتصاد اللبناني عائماً، حتى على حساب زيادة تمكين حزب الله. وأضاف نادر، المحلل اللبناني: "من خلال منح تنازل عن نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سورية الخاضعة للعقوبات، فمن الممكن أن تحاول الولايات المتحدة القول إن العقوبات ضد إيران ستُلغى أيضاً إذا نفذت الصفقة".
إن إدارة بايدن مصممة على الحد من الإنفاق في الشرق الأوسط والتراجع في أسرع وقت ممكن دون أي تشابكات أخرى، ويبدو أنها تميل إلى تشجيع الجهات الفاعلة الإقليمية على حل المشاكل الإقليمية.
ويقال: إن فكرة ممر الطاقة دفع بها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عندما التقى برئيس الولايات المتحدة، حيث افترض الرئيس جو بايدن في تموز (يوليو) أن هذا الترتيب لن يساعد الاقتصاد الأردني ويعوّض النقص الحاد في لبنان فحسب، بل سيعمل أيضاً على استقرار سورية.
لقد قدّمت الولايات المتحدة فقط ما يكفي من المساعدة لمنع لبنان من الانهيار. ولكن إذا كان من المتوقع أن تقف الدولة على قدميها، فستحتاج إلى الدفع الكامل للقوة الدبلوماسية والمالية الأمريكية من أجل إصلاح سياسي واسع النطاق، وربما أكثر من الأموال الأمريكية.
يحتاج لبنان إلى ضمانات أمريكية لنشطاء المجتمع المدني بأنه سيحوّل الوضع إلى جحيم إذا تمّ اغتيال أي منهم، وإظهار قدرة الولايات المتحدة على إيجاد ومعاقبة النخبة الفاسدة التي سلبت أموال الناس في البنوك الأجنبية، وتهديدها باستخدام سوط العقوبات التي كانت فرنسا خجولة للغاية من استخدامه، بالإضافة إلى إصرار الولايات المتحدة على جعل نزع سلاح حزب الله جزءاً من المفاوضات النووية مع إيران في فيينا. ويجب أن تعلم الإدارة الأمريكية أنه في غياب كل ذلك، قد لا يتعافى لبنان على الإطلاق.
المصدر: فورين بوليسي