المصدر: ديلي ميرور
ترجمة: عبدالحميد فحام
إن كنت طبيباً فعالج نفسك، هذا غالباً ما يجب على دول مثل سريلانكا المتهمة بانتهاك حقوق الإنسان أن تخبر تلك البلدان التي تصور نفسها على أنها أبطال ميادين حقوق الإنسان، لكنها تنتهك حقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب، ثم تستمر في التستّر على جرائمها.
وما لم يتم الكشف عن هذه المعايير المزدوجة لحقوق الإنسان والقضاء عليها، فلا معنى للجهود الدولية المبذولة لخلق عالم يتم فيه حماية حقوق الإنسان ومراعاتها.
إن حقيقة الأمر هي أن نشاط القوى العظمى في مجال حقوق الإنسان مُسيَّس إلى حد كبير وغالبًا ما يستخدم في الترويج لمصالحها الذاتية.
ففي سياسات إساءة استخدام حقوق الإنسان، لا تزال القوى العظمى، على الرغم من سجلّها السيئ السمعة، تمتلك الشجاعة لارتداء عباءة أباطرة حقوق الإنسان كما هو حال الولايات المتحدة.
فلقد كانت الولايات المتحدة هي التي بادرت بتقديم قرار إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ضد سريلانكا في عام 2012، زاعمة أن الحكومة السريلانكية آنذاك قد ارتكبت جرائم حرب خلال المراحل الأخيرة من الحرب التي انتهت في عام 2009.
و لقد تم تصوير وإدانة سريلانكا كدولة منبوذة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان حتى عندما كانت الولايات المتحدة نفسها ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم حرب، بما في ذلك تعذيب المعتقلين، في أفغانستان والعراق وليبيا وعشرات الدول الأخرى، مع أنه لم يتم الكشف إلا عن جزء يسير من هذه الانتهاكات وبقي الجزء الأعظم مجهولاً حتى الآن.
ولقد تم الكشف خلال الأسبوع الماضي عن أسرار بعض الانتهاكات التي قامت بها أمريكا حيث ارتكبت القوات الأمريكية مجزرة ضد المدنيين في سورية في عام 2019 فيما يوصف الآن بأنه أسوأ فضائح التستر للجيش الأمريكي منذ مجزرة ماي لاي في فيتنام عام 1968.
ووفقًا لتقرير صحيفة نيويورك تايمز في 13 تشرين الثاني /نوفمبر من قبل الصحفيين ديف فيليبس وإريك شميت، قصفت القوات الجوية الأمريكية حشدًا من المدنيين الذين كانوا يحتمون بالقرب من بلدة الباغوز، مما أسفر عن مقتل أكثر من 70 شخصًا، خلال حملة ضد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وقال تقريرهم: "بدون سابق إنذار، اخترقت طائرة مقاتلة أمريكية من طراز F-15E مجال الرؤية عالي الدقة للطائرة بدون طيار وأسقطت قنبلة زنة 500 رطل على الحشد، فاندلع انفجار مروع. ومع تلاشي الدخان، تعثر عدد قليل من الناس بحثًا عن ملجأ يحميهم من الطيران فقامت طائرة بـ تتبعهم وألقت قنبلة زنة 2000 رطل، ثم أتبعتها بأخرى، مما أسفر عن مقتل معظم الناجين.
"كان ذلك في 18 آذار/ مارس 2019.ففي مركز العمليات الجوية المشتركة للجيش الأمريكي في قاعدة العديد الجوية في قطر، كان أفراد يرتدون الزي العسكري يشاهدون لقطات حية بطائرة بدون طيار يراقبون المشهد في حالة من الذهول، وفقًا لضابط كان هناك. و قد تم استدعاء محلل مرتبك كتب على نظام دردشة آمن يستخدمه أولئك الذين يراقبون الطائرة بدون طيار، "من أسقط تلك القنبلة؟" فأجاب شخص آخر، "لقد أوقعنا للتو 50 امرأة وطفلاً".
وتشير المحادثة إلى أنه من أسقط القنابل كانوا يعلمون أنهم يقتلون مدنيين بينهم نساء وأطفال.
وتُظهر اللقطات وجود اثنين أو ثلاثة رجال مسلحين فقط بالقرب من الحشد ولم يكن هناك أي نشاط عدائي أو إيماءة من المدنيين. غير أنه ليس من الغريب أن يحمل بعض الأشخاص أسلحة في بلد عالق في حرب طويلة.
و إذا ما ارتكب جيش دولة تنادي بحقوق الإنسان جريمة بحق بلد آخر، فإن الخطوة الصحيحة التالية هي إجراء تحقيق واتخاذ إجراءات ضد المخالفين و لكن ما حدث كان تسترًا كبيراً.
و قد كتب الصحفيان أنه بدلاً من المساءلة، "في كل خطوة تقريبًا، قام الجيش بخطوات أخفت الضربة الكارثية" و قد تم جرف موقع القصف بالجرافات. حيث تبرأت الوحدة التي نفذت الضربة من تنفيذ الهجوم؛ وتم دفن الأدلة الرئيسية؛ كما تم تغيير السجلات العسكرية؛ وتعثرت التحقيقات وتم تخريبها. وعلى الرغم من أن المفتش العام المستقل في البنتاغون تمكن من إطلاق تحقيق، فإن "التقرير الذي يحتوي على نتائجه قد تم تجميده وتجريده من أي إشارة إلى الضربة".
و يقول التقرير في نيويورك تايمز أن فرقة العمل 9، الوحدة التي تم تكليفها بالعملية الجوية، أكملت تقرير الخسائر المدنية في الغارة وادعت أن أربعة مدنيين فقط قتلوا في العملية "التي نُفذت بشكل قانوني دفاعًا عن النفس".
و على الرغم من أن الديمقراطيات الأمريكية والغربية ليست نظيفة تماماً فيما يتعلق بسجلاتها في مجال حقوق الإنسان، إلا أنها تمتلك نظامًا متطورًا للتحكم في الضرر إذا تم الكشف عن جرائم الحرب التي ارتكبتها. فغالبًا ما يفلت الجناة بعقوبة خفيفة لا تتناسب مع الجريمة.