إعادة سورية للحضن العربي هو الوهم الذي ما تزال تعيشه الدول العربية وفي مقدمتها دول الخليج، وهذا الوهم يلتقي مع هدف إسرائيل ومصالح روسيا في المنطقة.
كان عنوان النظرة العربية وبالتحديد دول الخليج العربي للنظام في سورية قبيل الثورة أنَّ النظام السوري جزء من مشروع إيران في المنطقة، الأمر الذي تعزز خلال عشر سنوات من تدمير النظام لسورية وتشريد أبنائها بالشراكة مع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله، وكان الموقف الأمريكي متفاعلاً بشكل كبير جداً سياسياً وأمنياً وعسكرياً في خريطة الصراع المستمر في سورية، وهذا كان مؤثراً مباشراً على موقف حلفاء الولايات المتحدة الذين مازالوا حلفاءها حتى اليوم، لكن الموقف الأمريكي هو الذي تراجع تاركاً لمصالح هؤلاء الحلفاء وللأدوار التي يريدون أن يقوموا بها هامشاً واسعاً.
اهتمام الولايات المتحدة اليوم ليس في الشرق الأوسط مع بقاء عينها عليه، وهي لا تسمح بإيجاد صيغة نهائية للحل لا تناسبها، وليست مضطرة كما باقي الفاعلين الخارجيين لإيجاد حلول للقضية السورية، لكن الهامش واسع في ساحة مليئة بالمتناقضات والتحديات والقلق لتجد كل دولة مصالحها الخاصة أو تجد لها دوراً في جملة التدخلات الخارجية في القضية السورية، وبشكل مباشر فالمصالح الاقتصادية أو السياسية صعبة جداً وغير مُجدِية في سورية أو مع النظام، لكن تنظر الدول الإقليمية إلى تحقيق مصالح من خلال الوجود والدور الروسي في سورية، وإمكانية الضغط على المشروع الإيراني في سورية من خلال تفاهُمات مستمرة مع روسيا.
إعادة سورية إلى الحضن العربي هو عنوان عريض لتفاهمات الدول العربية ومنها دول الخليج مع روسيا، وإن كانت هذه الدول على يقين أنَّ النظام مرتبط بالدور الإيراني، وأنَّ بقاء النظام يمنع عودة سورية إلى الحضن العربي، لكن هذا العنوان مناسب للتصدير الإعلامي السياسي العامّ، ويلتقي مع مصالح روسيا وأهداف إسرائيل والخط العامّ الذي لا تعارضه الولايات المتحدة.
الوجود الإيراني اليوم في سورية أعمق وأكبر من البساطة التي تتحدث عنها التصريحات العربية، وحتى روسيا بحضورها الأمني والعسكري والسياسي لا تنظر إلى الموضوع بهذه البساطة، وتستطيع روسيا أن تضبط الوجود الإيراني في سورية بما لا يضر بمصالحها، لكنها لم تلتزم الجدية الكافية سابقاً سواء مع الولايات المتحدة أو مع إسرائيل في الحدّ من النفوذ الإيراني أو إبعاده حتى عن الجنوب السوري، فضلاً عن أن المشروع الإيراني المتجذر في المنطقة من طهران إلى بغداد إلى دمشق وصولاً إلى بيروت قطع أشواطاً كبيرة في خلق الحلفاء المحليين في سورية من مجموعات أمنية إلى تشكيلات عسكرية إلى شركات ومصالح اقتصادية.
تكتيكات جَزّ العشب التي عملت عليها إسرائيل لأعوام لم تؤثر سلباً على تزايُد النفوذ الإيراني في سورية، والموقف الأمريكي كان يختلف من إدارة لأخرى في التعامل مع النفوذ الإيراني في سورية، وبالتالي فتواصُل الحكام العرب مع النظام بشكل مباشر أو تفاهُمات الدول مع روسيا لن ينزع عن سورية قناعها الإيراني الأسود، فطالما أنهم يتعاملون مع سورية الأسد فهي سورية الفارسية، مختلفة كل الاختلاف عن سورية الياسمين الدمشقي الأبيض بعراقته وجماله العربي الأصيل.