نداء بوست -أخبار ثقافية- متابعات
أجرت "الأناضول" مقابلة مع المفكر المغربي حسن أوريد، الذي انتقل من "دواليب السلطة إلى عالم الفكر والأدب" حتى أصبح واحداً من أهم الأُدباء المعاصرين.
وقال في معرض الحديث عن ثنائية السياسي والمفكر "لا يمكن البتة أن نُقيم فيصلاً بين الروائي وحياته، ولا أزعم أني أنفصل عن حياتي ومساري". وأضاف "من الأمور التي تستأثر باهتمامي علاقة الحاكم والمحكوم، أو السياسة عموماً، فأنا عشت هذه التجربة من داخل دواليب السلطة، وأعرفها ليس فقط من خلال نظرة هُلامية ولكنني على الأقل كنت فيها، وكنت في مقربة ممن زاولها، ولم تكن فقط بالنسبة لي لغزاً أو أسطورة".
وتابع "الجانب المرتبط بالسلطة وبعلاقة الحاكم والمحكوم يُعد حاضراً بقوة في أعمالي الأدبية، وأشرتُ إليه بدايةً في رواية المورسكي، وبطريقة أعمق في رواية ربيع قرطبة". ولفت أوريد، إلى أن "التجربة التي عشتها أثْرَت، أو على الأقل أثَّرَت على تجربتي في الكتابة". وعن ولع أوريد واهتمامه بالكتابة عن الأندلس، وذلك من خلال عدد من الروايات مثل: ربيع قرطبة، والمورسكي، وزينة الدنيا، أرجع أوريد، توجهه هذا إلى اعتبار أن الأندلس لا ترتبط بفترة زمنية ولا رقعة جغرافية، بل بفكرة مفادها التعايش والتودد، وتقبل الاختلاف واحترام الآخر.
وأضاف قائلاً: إن "فكرة الأندلس تعد نموذجاً ينصرف إلى المستقبل، وأنا أسعى لأن يبعث هذا الميراث الذي أعتبره ميراثاً غنياً". وبحسب المتحدث، فإن المجتمعات دائماً ما تكون بحاجة للتذكير بنماذج، مستدلاً على ذلك بأن أوروبا سارت على هذه الفكرة من خلال محاولة بعث سابقة للإرث الروماني، الأمر الذي يرى إسقاطه على الإرث الأندلسي.
واعتبر أن نموذج التعايش الأندلسي "لو كان سارياً في أوروبا لما كان هناك تطهير عرقي في البوسنة مثلا". وتابع إن التراث الأندلسي يُعد "كنزاً أو منجماً لم يستنفد بعد، وأعتقد أني كنت قبل 10 سنوات هاوياً بما يخص هذا التراث، أما الآن فقد انتقلت من طور الهواية إلى مستوى أريد أن يكون احترافياً". وعن ظروف تأليف كتاب "عالم بلا معالم" وهو آخِر أعماله الفكرية، والذي ناقش فيه الدكتاتورية الرقمية، قال أوريد، "حينما وقعت جائحة كورونا اغتنمت هذه الفترة لكي أتفكر في معالم العالم، بعد انتهاء الأحادية القطبية التي كانت الولايات المتحدة خلالها تقود العالم وتصوغ القيم، وظهور فاعلين جدد في الساحة الدولية والإقليمية".
وأضاف "من الأمور التي تناولها الكتاب، قضية فشل الاقتصاد الذي كان من المفترض أن يكون خادماً، والحال أنه أصبح سيداً ولم يسهم في سعادة المجتمعات". واستطرد "نحن الآن في فترة انتقالية، القديم انتهى، ولكن الجديد لم يولد، فنحن في عالم لم تتحدد معالمه، وأعتقد أن على المثقف أن يرصد هذه الفترة الرمادية التي نعيش فيها".
وعن العالم العربي ودور المثقف فيه، يرى أوريد، أن "من أعطاب العالم العربي غياب المثقف، ليس كفرد، وإنما غيابه بالنظر إلى اعتبارات موضوعية". وبحسب أوريد، فإن هذه الاعتبارات تتمثل في "العلاقة المتشنجة بين المثقف والسلطة، أو ارتياب السلطة من المثقف، إضافة إلى عدم احتضان المجتمع له، من خلال الجنوح والميل التقليدي للمجتمعات، الشيء الذي يجعلها ترتاب من المثقف".
وأردف "لا أعتقد بتطور المجتمع العربي من دون دور أساسي للمثقف، لأنه الذي يبصر المجتمع من خلال وظيفته النقدية". وتابع "أعتقد أن الوضعية التي يعيشها العالم العربي في جزء كبير منها يمكن أن تختزل في الوصاية، والتحجير الذي يوجد فيه المثقف".
ومضى قائلاً: "كل المجتمعات الحديثة قامت على دور نقدي للمثقف، ولا يمكن تصور مجتمع حديث من دون هذه الوظيفة". ويرى أوريد، أن المثقف "يشتغل بالأساس على المجتمع، ولا يعتبر من أدواره دمقرطة الدولة".
وأضاف "هذا العمل يتقاطع أو يؤثر ضمنياً على الدولة، لكن لا يمكن للمثقف أن يجمع بين سلطة نقدية وسلطة تبريرية، نظراً لعلاقة التضارب بينهما". ويشار إلى أن أوريد الأستاذ الجامعي في العلوم السياسية، سبق أن شغل عدداً من المناصب الرسمية، مثل الناطق باسم القصر الملكي (لأول مرة في تاريخ المملكة)، عقب وصول الملك محمد السادس للحكم، وشغل منصب والي (محافظ) جهة مكناس تافيلالت، قبل أن يعين لمدة ليست بالطويلة، مؤرخاً للمملكة.
ودشن المجال الفكري والأدبي، برواية "الحديث والشجن"، والتي أرخت لفترة سقوط جدار برلين تسعينيات القرن الماضي. وبعد أن ابتعد عن الكتابة لسنوات بحكم مسؤولياته الإدارية والسياسية، عاد مرة أخرى ليبدأ مرحلةً جديدةً في العمل الفكري والأدبي منذ 2010، بعدد من الأعمال باللغتين العربية والفرنسية التي لاقت رواجاً وتجاوباً نقدياً كبيرين. ومن هذه الأعمال؛ رواء مكة، ورباط المتنبي، ومرآة الغرب المنكسرة، والإسلام السياسي في الميزان، ومن أجل ثورة ثقافية بالمغرب، وعالم بلا معالم، وأفول الغرب.
لم يكن عمل أوريد، في أجهزة الدولة منعزلاً عن تجربته الفكرية والأدبية، وهو ما يؤكده بقوله: إن الروائي "لا يكون روائياً إلا إذا كانت حياته رواية، فهو في نهاية المطاف ينضح من حياته المعين الذي يأخذ ويستقي منه.
المصدر "الأناضول"