بعد عامين من المفاوضات الصعبة، وافقت اللجنة الدستورية السورية التي شكّلتها الأمم المتحدة أخيراً على بدء العمل الذي تم تكليفها به وهو البدء بصياغة دستور مُعَدّل، وقد كان الطريق للوصول إلى هذه النقطة مليئاً بالتحديات، معظمها سلسلة غريبة، ولكن متوقّعة من تكتيكات التأخير التي نفّذها وفد النظام السوري، مع ذلك على السطح على الأقل، يُمثل الانتقال إلى قضايا الإصلاح الفعلي هذا الأسبوع علامة فارقة في جهود الأمم المتحدة التفاوضية بشأن سورية، فبالنسبة لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لسورية، "غير بيدرسن" يمثل هذا أيضاً ختام تسعة أشهر من الدبلوماسية المُكثّفة، التي بدأت بعد اجتماع اللجنة الدستورية في شهر كانون الثاني/ يناير 2021 وانتهى بخلافات عامة.
ومع ذلك، في الحقيقة أن الأمر استغرق عامين للجنة الدستورية السورية للموافقة على بدء عملها الحقيقي، يوضّح التحدي الهائل الذي تواجهه الأمم المتحدة عندما تواجه الحدّ الأدنى من الاهتمام الغربي أو الاستثمار في دبلوماسية سورية. بالنسبة إلى المتفائلين -الذين لا يوجد منهم سوى القليل الذين يعملون في ملف سورية هذه الأيام -كانت هذه الخطوة الأخيرة التي تم إحرازها بشكل حيوي، من حيث إنها تُبقي عملية الأمم المتحدة على قيد الحياة، تاركة الباب مفتوحاً أمام جهد دبلوماسي هادف حقاً أو عندما يقرر الغرب في نهاية المطاف أن الأمر يستحق المشاركة، لكن بالنسبة للعديد من المتشائمين، فإن التقدّم البطيء بشكل مؤلم حتى الآن هو مجرّد دليل على أن النظام السوري يُبقي الدبلوماسية السورية على قيد الحياة لغرض استراتيجي التأخير حتى الوقت الذي تصبح فيه الدبلوماسية غير ذات قيمة، ولإدراك ذلك يحتاج المرء فقط إلى مقارنة الوضع في سورية في شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2019 (عندما تم إنشاء اللجنة الدستورية) واليوم، لمعرفة تأثير تأخيرات النظام.
في هذه الأثناء، مع استمرار انفصال الولايات المتحدة وأوروبا بشكل واضح عن أي دبلوماسية سورية حقيقية، فإن بعض جيران سورية في المنطقة المجاورة يأخذون زمام المبادرة بأنفسهم. الأردن والإمارات العربية المتحدة هما أبرز الفاعلين اللذان يتابعان جهود التواصل مع النظام السوري -مما يجعل تطبيع بشار الأسد واقعاً لا رجوع فيه تقريباً.
بعد أن انتخبت منظمة الصحة العالمية حكومة النظام في سورية للحصول على مقعد في مجلسها التنفيذي في شهر أيار/ مايو من عام 2021 وأعادت الإنتربول قبولها في شبكة اتصالاتها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، زار المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي دمشق في عطلة نهاية الأسبوع وأعلن عن جهود المفوضية "للتنسيق" و "التعاون" مع النظام لتسهيل عودة اللاجئين.
يبدو أن وصف لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة لـ سورية بأنها دولة غير آمنة لعودة اللاجئين قبل شهر واحد فقط، قد تمّ تجاهله بشكل ملحوظ من قبل أهم شخصية في المجتمع الدولي فيما يتعلق بسياسة اللاجئين، وهذه التطورات وغيرها هي إدانة دامغة لما يسمى "المجتمع الدولي" وتفانيه المزعوم في القواعد والمعايير والعدالة وحقوق الإنسان.
المصدر: معهد الشرق الأوسط للأبحاث / ترجمة: عبد الحميد فحام
Author
-
باحث رئيسي، مدير برنامج سوريا وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط للأبحاث