جاءت كلمة الظواهري بمناسبة أحداث 11 سبتمبر والتي أثنى فيها على شهداء حراس الدين وتخصيصه بالذكر لخالد العاروري وإشادته بعملية تل السمن التي نفذتها بداية العام الجاري، جاءت جرعةً معنوية رافعة من رصيد ها مقابل "تحرير الشام".
وكان قائد "حراس الدين" أبي همام الشامي قد أردف كلمة الظواهري ببيان نشره موقع مقرب من الحراس في يوم 15 أيلول/سبتمبر يدعو فيه "تحرير الشام" إلى الامتثال للقضاء المستقلّ لفضّ الخلاف بين الطرفين المتعلق باعتقال "تحرير الشام" لمجموعة من قيادات حراس الدين، وعلى رأسهم رئيس مجلس الشورى أبي عبد الرحمن المكي، وكذلك السلاح والمقرات المصادرة من قِبل "تحرير الشام". واقترح الشامي في بيانه أن يتولى أبو قتادة الفلسطيني مهمة الحكم في الخصومة بين الطرفين كجهة محايدة، خصوصاً أن "تحرير الشام" قد ارتضته سابقاً قاضياً في حل نزاعاتها، مؤكداً (الشامي) أن الحراس ملتزمون بتعاليم وتوجيهات مشايخهم بعدم الانجرار إلى الاقتتال بين الفصائل وتركيز حربهم على النظام، متسائلاً عما يمنع "تحرير الشام" من القَبول بالاحتكام للشريعة، في بيان يبدو منه أن الشامي يحاول أن يوقع "تحرير الشام" بالحرج الأخلاقي وهي التي تقاتل الحراس، لأنهم يفتحون المعارك مع النظام، وتصرّ (تحرير الشام) في تحقيقها مع قياداتهم على أن تحصل على معلومات تتعلق بشبكات التمويل وشبكات التواصل مع قيادة القاعدة ومعرفة الخلايا والمجموعات التي تعمل خلف خطوط العدو، وهي في نفس الوقت تبحث إمكان فتح المعابر الاقتصادية مع النظام في الوقت الذي تتعرض فيه منطقة جبل الزاوية للقصف الوحشي من الروس والنظام والإيرانيين.
لكن الرد جاء من "تحرير الشام" التي يحاول الحراس إحراجها، جاء بتغريدات من الشرعي مظهر لويس بعدم رفض التحاكم للشريعة أساساً، بالتأكيد على بطلان دعوة الحراس للتحاكم أخلاقياً وشرعياً، معتبراً أن تحكيم الشريعة يكون "بالاعتصام وعدم شق الصف وإثارة الفتن والافتئات على الجهات العسكرية والإدارية… وليس من تحكيم الشريعة في شئ تدوير أسطوانات مشروخة تحت دعوى الحقوق المزعومة والمظلوميات الكاذبة، والتي لا تختلف عن دعاوى المنافقين في الهرولة نحو الشريعة عندما يظنون أنها تخدم أهواءهم"، بحسب مظهر لويس.
في محاولة منه لكشف الغطاء الأخلاقي الذي يحاول الحراس ارتداءه وإكساء موقف "تحرير الشام" التي يمثلها الثوب الأخلاقي والشرعي.
تعكس قصة الصراع بين "تحرير الشام" و"تنظيم حراس" الدين طبيعة الصراعات بين المتشابهَين الأيديولوجيَّين، أو ما يسمى بصراع الأخوة الأعداء كتسمية الروائي اليوناني نيكوس كازانتزاكيس في روايته "الأخوة الأعداء"، في هذا الصراع يحاول كل من تحرير الشام وحراس الدين أن يبدو كلّ منهما أخلاقياً ومبدئياً في حربه، بين من يرفع راية الاعتصام ويتهم الآخر بشق عصا الوحدة وإثارة الفتن وأخذ المحرر إلى مغامرات عسكرية عبثية لا يتحمّل الفاعل نتائجها، كما كان الحال مع غرفة عمليات "فاثبتوا" التي شنت عدداً من المعارك منفردة دون تحمل أعباء الرباط وصد لهجمات النظام والتي كان الحراس جزءاً منها، وبين من يرفع راية الجهاد ويطالب بفتح الجبهات وعدم الرضا بالهدن والتسويات ويسعى لفتح المعابر التجارية مع النظام القاتل، هذه الذرائع التي يسوقها الطرفان تبدو للوهلة الأولى أنها أسباب أخلاقية منطقية ومقنعة، لكن هل الحقيقة هي كذلك؟
لمعرفة الحقيقة وبالعودة إلى تاريخ الطرفين، فقد كان جل قادة الحراس جزءاً أساسياً من جبهة النصرة التي فَكًكت أكثر من 15 فصيلاً عسكرياً من الجيش الحر، ولم نسمع وقتها من يُصغي لدعوات تحكيم الشريعة التي كان تطلقها فصائل الجيش الحر، بل شهدنا المبررات والمعاونة من قادة الحراس لجبهة النصرة في حربها على الفصائل، بل ربما يكونون جزءاً ممن حظي بالغنائم من سلاح فصائل الجيش الحر، وهو ما يوقع الحراس بمأزق أخلاقي تتعارض فيه الدعوات مع المواقف.
وهو ما يؤكد أن الحراس يلتزمون بهذا المبدأ من منطلق حالة الاستضعاف التي يعانون منها والعجز الذي أصابهم عن الرد بالقوة وإدراكهم لعبثية المواجهة مع تحرير الشام، ويُستبعد أن يكون موقفاً أيديولوجياً لا يزال يرى تحرير الشام فصيلاً مسلماً وفصائل الجيش الحر فصائل مرتدة، فما كفّرت من أجله فصائل الجيش الحر فعلت مثله تحرير الشام وزيادة.
وبالعودة إلى ردّ تحرير الشام على دعوات حراس الدين في رفضهم للتحاكم الشرعي، فإنها تكاد تتشابه مع ردود تنظيم داعش على الفصائل وعلى جبهة النصرة نفسها عندما كانت ترفض التحاكم مع الفصائل بحجة أنها دولة ولا يمكن للدولة أن تجلس للخصومة مع فصيل، وإن تحيكم الشريعة يبدأ من مبايعة هذا الفصيل لهذه الدولة ثم يرفع مظلمته لها، وهي التي تبتّ فيها، واليوم تحاول تحرير الشام أن تعرّف نفسها دولةً وسلطة، وعلى كل الفصائل والجماعات أن تنضوي تحت حكم هذه السلطة وترفع دعاويها إليها ولو كانت هي الخصم الظالم، وعليه فإن التحاكم للشريعة ينطلق أساساً من الاعتراف بها سلطةً شرعية ولو جاءت بالتغلب والقهر.
وهنا يبدو أن مفهوم تحكيم الشريعة والامتثال لها ما هو إلا مجرد غطاء أخلاقي يحاول كل واحد من الأخوة الأعداء أن يجرّه إلى طرفه.
يبدو أن الحرس وتحرير الشام يقراؤون من نفس كتاب روبرت غرين "33 إستراتيجية للحرب"، وبالتحديد في الإستراتيجية رقم 25، إستراتيجية السيطرة على التفوق الأخلاقي "إستراتيجية زعم الحق"، والتي يقول فيها: وفي عالم السياسة حيث يجب أن تبدو، ينبغي أن تبدو قضبتك أكثر عدالة من قضية أعدائك، التشكيك بدوافع أعدائك وإظهارهم بمظهر الأشرار".
إنّ تحرير الشام تدرك تماماً الدوافع العميقة لحراس الدين، في بناء مشروعية جهادية باستثمار اسم القاعدة والجهاد، وإظهار انتكاسات تحرير الشام السياسية وأطماعها السلطوية، وأنّ التحاكم للشريعة هو مجرد تكتيك مرحلي لإنهائها.
كما تدرك الحراس أنّ تحرير الشام وَفق أصولها المنهجية طائفة مرتدة، لكنها تترّس في الشريعة لشراء المزيد من الوقت الذي يسمح لها بإعادة بناء ذاتها فصيلاً قوياً.
وأمام هذا الفهم لبعضهما البعض ستبقى دعوة تحكيم الشريعة مجرد نفخة في الهواء والصراع هو سيد الموقف.