يعمل محمد عمار، 23 عاماً، في ورشة تصليح الهواتف المحمولة في شارع مزدحم في حي تقطنه غالبية سورية في إسطنبول.
أكثر هدوءاً من زملائه في العمل ويرتدي ملابس أكثر رسمية، يأخذ محمد عمار وظيفته على مَحمَل الجد؛ لأنه يعرف مدى صعوبة العثور على عمل آخر. وفي الأشهر الثلاثة الماضية، كان خمسة من أصدقائه في أمسّ الحاجة إلى العمل، فقرّروا العودة إلى سورية، البلد الذي فرّوا منه قبل سنوات.
قال محمد عمار، الذي طلب عدم استخدام اسمه الأخير لأنه يعيش في تركيا بإقامة حماية مؤقتة: إن الوباء أثَّر على قرارهم. وقال: “عندما غادرنا، لم يكن لدينا المال للعيش”.
هذه هي الخيارات الصعبة التي يتصارع معها ملايين السوريين حول العالم.
فبعد 10 سنوات من الحرب، لا يزال رأس النظام السوري بشار الأسد في السلطة، ويسيطر على مساحات من البلاد بقبضة من حديد. وتسيطر الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة ومقاتلو المعارضة المدعومون من القوات التركية على أجزاء أخرى من البلاد.
قال محمد عمار: إن أثر جائحة “كوفيد -19” في تركيا كان قاسياً على السوريين وقد عاد أصدقاؤه الخمسة إلى أجزاء مختلفة من البلاد، لكنهم وجدوا أنفسهم جميعاً في ظروف قاسية بشكل متزايد مع نقص الغذاء والوقود وقلة فرص العمل.
وأوضح: “الآن، يجدون أنفسهم في بلد ترتفع فيه أسعار المواد الغذائية بشكل يفوق أي أرباح محتملة، فهم يأسفون لقرارهم بالعودة وهو يشعر بالقلق عليهم”.
وأشار محمد عمار: “الآن هم نادمون على قرارهم ولا يمكنهم الوصول إلى تركيا، فالحياة صعبة للغاية هناك، وهم يريدون العودة إلى هنا مرة أخرى “.
تُحذّر مجموعات الإغاثة من أن العودة إلى سورية هي احتمال خطير.
فقالت ماري فوريستير، الباحثة في شؤون اللاجئين والمهاجرين في منظمة العفو الدولية: “كان هناك ميل للاعتقاد بأن الحرب قد انتهت، وأن بعض أجزاء سورية آمِنة للعودة، وأن اللاجئين يمكنهم العودة إلى ديارهم”. “لكن هذا سابق لأوانه.”
في تقرير جديد بعنوان “أنت ذاهب إلى موتك” تابعت فوريستير حالات 66 سوريّاً عادوا إلى سورية خلال السنوات الأربع الماضية.
وأوضحت أن هؤلاء العائدين تم اعتقالهم عند نقاط التفتيش الحدودية وتم استجوابهم واتهامهم بأنهم إرهابيون.
وفي إحدى الحالات المروّعة بشكل خاص، تعرّضت امرأة وابنتها البالغة من العمر 5 سنوات للاغتصاب من قِبَل مسؤولي المخابرات.
وقالت فوريستير: “نعتقد أن هذه ليست حالات استثنائية ومنعزلة”. “لقد عاد الناس إلى مناطق مختلفة، عَبْر معابر حدودية مختلفة وتعرّضوا للإساءة في مراكز استخبارات مختلفة”.
وأضافت هيا أتاسي من الرابطة السورية لكرامة المواطن في بيروت أن هذه المخاطر لا تتوقف عند الحدود. يمكن الضغط على الشبان العائدين للخدمة العسكرية.
من المعروف أن النظام يحتجز الأشخاص الذين يشتبه في معارضتهم، وكذلك أفراد عائلاتهم. حتى الخدمات الحكومية الروتينية يمكن أن تعرضك للخطر؛ لأن الحكومة السورية تعتبر جميع العائدين خونة للدولة.
وقالت الأتاسي: إنه لا يمكنك إعادة بناء منزلك ما لم تحصل على تصريح أمني من المخابرات السورية. عندما تذهب وتتقدم بطلب للحصول على هذا التصريح، فمن المرجّح أن يعرفوا أنك عائد ولذلك يعتقلونك.
حتى في المناطق التي لا يسيطر عليها النظام السوري، أدّى التضخم المتفشي والاقتصاد الذي هو في حالة يرثى لها إلى جعل الكثيرين غير قادرين على تحمُّل تكاليف الغذاء والضروريات الأساسية، وسط تهديد دائم بالعنف.
في غضون ذلك، يواصل ملايين السوريين تدبير شؤونهم في الخارج. ففي إسطنبول، في إحدى البقاليات، قال موظف يُدعى حسن: إنه جاء إلى تركيا قبل أربع سنوات وإنه يحاول تأمين حياته بشكل مستمر.
لكن حسن، الذي طلب عدم استخدام اسمه الأخير لأسباب أمنية، قال إنه لن يعود أبداً إلى سورية.
وأضاف: “هناك ميليشيات إيرانية، وحزب الله، والروس والكثير من الميليشيات حتى أنه يبدو الأمر وكأنك تتجه إلى وسط قاعدة عسكرية ولا يمكنك الذهاب إلى هناك”.
المصدر: ذا ورلد ترجمة: عبدالحميد فحام