نداء بوست – ستراسبورغ (فرنسا) – زويا بوستان
في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، حيث بدأت تظهر ملامح تجمع ناشط للاجئين السوريين، أحيا الفنانان السوريان كنان وكرم الزهير مساء الأمس حفلاً فنياً منوعاً في قاعة كنيسة Saint-Pierre-le-Vieux، قدما فيه عدداً من الفعاليات التي توزعت بين المقطوعات الموسيقية، والمشاهد الكوميدية الخفيفة.
ووسط حضور جاء في غالبيته فرنسياً، اهتز المكان بالنغمات القوية التي ارتجلها كرم على آلة الفيولا، في محاولته لتقديم تعابير موسيقية تربط بين الواقع وبين عوالم الحرب التي عاشها ويعيشها السوريون واللاجئون في غير مكان من العالم، وضمن هذا المسعى، جاءت الجمل حادة، جارحة، وفي بعض مراحل التصعيد الموسيقية، كان المستمعون يمضون في تخيل حوارات قوية بين طرفين، يبدوان في حالة صراع مستمر. فلم يكن رجع الموسيقى مستغرباً، بل كان يؤشر إلى وجود حساسية عالية، لدى كرم الذي تخرج من قسم التدريس الموسيقي في جامعة حمص. ومنذ وصوله إلى فرنسا عام 2011 التحق بجامعة ستراسبورغ لدراسة علم الموسيقى.
وفي الجزء الثاني من الحفل، قدم الفنان كنان الزهير مقاطع كوميدية باللغة الفرنسية، سخرت من النمطية المكرسة لصورة اللاجئ لدى الفرنسيين وغيرهم، وكذلك من وهم صعوبة تعلم اللغة، وحاول من خلال ذلك تبسيط العلاقة بين الجهتين، حيث لا تُخفي الكوميديا مثالب الناس، بل تقوم بإظهارها من أجل التعلم، والتكيف مع تعددية الحالات التي يعيشها الإنسان. وقد كان لافتاً أن السخرية تبدأ من نقد الذات، وتنتقل بعد ذلك إلى المحيط، فيظهر الجميع فيها متساوين، يعانون من ذات الآثار الاجتماعية، التي لا تفرق بين البشر وجنسياتهم.
ومن بعد هذه الفواصل الكوميدية، انطلق الحفل باتجاه مختلف، حيث بدأ الغناء باللغتين العربية والفرنسية يصدح في المكان، حيث غنى كنان عدداً من مطالع الأغاني التراثية السورية الشهيرة في أغنية واحدة، جالت بالحاضرين السوريين في مدن وأرجاء بلدهم، وأعادتهم إلى مراتب عالية في المزاج الموسيقي، ورغم التفاعل الواضح بين الفرنسيين وبين هذا المنحى الجميل في الموسيقى، إلا أن كنان انعطف بالحاضرين نحو خلق مساحة مشتركة بين الحساسية الموسيقية الفرنسية وتلك العربية، حينما استدعى أغنية شهيرة للمغني البلجيكي جاك برل تحمل عنوان "حين لا نملك سوى الحب، Quand on n'a que l'amour"، فغناها باللغتين، في تجربة غير مألوفة، بعد أن أضاف إليها مساحات واسعة من المشاعر الدفاقة مصاغة باللغة العربية، لتوازي محتواها في أصلها.
وبالتوازي مع العواطف العالية في تراث برل، أبكى الفنان الشاب خريج المعهد العالي للموسيقى بدمشق، جمهور السوريين الذين حضروا الحفل حينما أنشد بحمولة عاطفية عالية أغنية فيروز "احكيلي عن بلدي احكيلي"، فكانت هذه الأغنية ذروة الحفل، التي كشفت عن موهبة عالية لدى المشاركين فيه، تقوم في أصلها على شد الجمهور إلى الاستماع، والتنقل بين الضحك، وبين البكاء، في فترة زمنية قصيرة!
غير أن التوجه الأساسي لكنان والفريق، ظهر في سياق الحفل من خلال تجارب سابقة استندت إلى دعوة الجمهور الفرنسي إلى المشاركة في الغناء باللغة العربية، عبر اختيار أغنيات خفيفة بمعانٍ سهلة وواضحة، لفيروز ولسيد درويش، وهذا ما جرى من خلال مشاركة أصدقائه على الخشبة أولاً، ومن خلال القيام بتجربة حية مع الجمهور الحاضر حيث كُتبت كلمات أغنية "بنت الشلبية" الفيروزية على شاشة واسعة، لكي يقوم الجمهور بقراءة كلماتها، ثم تولى كنان تدريبه على نطق الكلمات، بشكل صحيح أولاً ثم نطقها في سياق اللحن الموسيقي ثانياً، فجاءت النتائج جميلة جداً ضمن التصور الموضوع للتجربة، حيث وصل المنشدون إلى عتبة جيدة، اختفت فيها اللكنة الغريبة، لصالح الانسياب اللفظي المترافق مع الموسيقى.