المصدر: جيروزاليم بوست
ترجمة: عبد الحميد فحّام
بقلم: جاكوب نايغل، جوناثان شانزر
لقد تلقى وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس صدمةً الأسبوع الماضي عندما كشف تفاصيل حادثة أمنية عام 2018، عبرت خلالها طائرة إيرانية بدون طيار إلى المجال الجوي الإسرائيلي. وقد أسقط الإسرائيليون الطائرة بدون طيار، التي انطلقت من قاعدة T4 الجوية في سورية، وبالرغم من أن هذا كان أمراً معروفاً إلا غانتس كشف أن الطائرة بدون طيار كانت تهدف في الواقع إلى إيصال متفجرات إلى الجماعات الموجودة في الضفة الغربية. كانت هذه الحادثة واحدة فقط من بين أحداث كثيرة على الحدود السورية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، فلقد عمل الإسرائيليون بكل طاقتهم لمحاربة الجهود الإيرانية لاستغلال ضباب الحرب لتهريب مجموعة واسعة من الأسلحة المتطورة إلى الجماعات التي تقاتل إسرائيل، وخاصة حزب الله في لبنان، بالإضافة على ما يبدو إلى مجموعات وسلطات أخرى أيضاً.
والواقع أن عدد العمليات الإسرائيلية، بحسب تقارير صحفية أجنبية، قد ازداد في الآونة الأخيرة فلا يكاد يمر أسبوع دون ورود أنباء عن حدوث "انفجار" في سورية. ومن الثابت الآن أن معظم هذه الحوادث هي ضربات إسرائيلية تستهدف موظفين إيرانيين أو نقل ذخائر دقيقة التوجيه. إن الإسرائيليين يسمونها حملة "الحرب بين الحروب" فلقد تم إطلاق جهد منسق ومتواصل، في عام 2012، لفرض الخطوط الحمراء لإسرائيل في سورية التي مزقتها الحرب. ولقد أوضحت تل أبيب أنها لن تسمح للأفراد الإيرانيين أو وكلاء إيران الإرهابيين بالعمل على الأراضي السورية. وهذا لا يشمل حزب الله فقط، ولكن أيضاً عدداً كبيراً من الميليشيات الشيعية التي تتلقى رواتبها من طهران.
وتصر إسرائيل أيضاً على أن سورية لا يمكن أن تصبح نقطة عبور لما يوصف غالباً بأنه "أسلحة تغيير قواعد اللعبة". ففي أغلب الأحيان، يلاحظ الإسرائيليون عمليات الذخائر دقيقة التوجيه، أو أجزاء من الذرات الدقيقة المستخدمة في تصنيعها، أو آلات الإنتاج أو الأفراد المسؤولين عن نقل المعرفة التكنولوجية لإنتاج الذرات المستخدمة في هذا النوع من الذخائر.
وبمساعدة إيران، قام حزب الله بتصنيع الذخائر الدقيقة الموجهة أو تعديل الصواريخ الموجهة القديمة لتحويلها إلى ذخائر دقيقة بدقة -كل ذلك بهدف استهداف إسرائيل. وتشير التقارير إلى أنهم نجحوا في إنتاج عشرات من هذه الذخائر الفتاكة، أو حتى عدة مئات منها ولكنهم دفعوا ثمناً باهظاً. فلا تزال الخسائر في الأرواح تتزايد، وعدد الشحنات التي تم تدميرها هو الآن بالآلاف. وقد التزم المسؤولون الإسرائيليون في البداية الصمت بشأن حربهم بين الحروب خوفاً من تأجيج صراع أوسع. لكن ابتداءً من عام 2019، قاموا برفع الحجاب عن هذه الأنشطة. وقد كشف المسؤولون السياسيون والعسكريون على حد سواء المزيد والمزيد عن آلاف الأهداف التي دمرتها إسرائيل في سورية خلال السنوات القليلة الماضية.
يبدو أن الرسالة مخصصة لجمهور معين وهو النظام في إيران، وقد عبّر مسؤولو النظام مراراً عن هدفهم المتمثل في تسريع زوال إسرائيل وظل هذا الخطاب ثابتاً منذ الثورة الإسلامية عام 1979. ولكن في عام 2009، بدأ المرشد الأعلى علي خامنئي في توجيه مساعديه للاستثمار بكثافة في البحث والتطوير في مجال الذخائر الدقيقة الموجهة من خلال إدراك أن هذه الأسلحة ستغير قواعد اللعبة حقاً، والتي ستمكن النظام أو وكلاءه من ضرب أهداف إسرائيلية في حدود 20 قدماً من العلامة المقصودة. ومن المحتمل أيضاً أن يكونوا قادرين على التفوق على الدفاعات الجوية الإسرائيلية المتقدمة حيث سيكون الهدف هو ضرب أهداف يكون لها تأثير ملموس على الأمن الإسرائيلي.
ووفقاً لذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أن تهديد الذخائر الدقيقة التوجيه هو ثاني أكثر التهديدات خطورة على البلاد، ويرتبط بالبرنامج النووي الإيراني. وعلى نحو متزايد، ترى إسرائيل هذين البرنامجين مترابطين فهما جزء من خطة إيرانية طويلة المدى لذلك، فكِلاهما يجب أن يتوقف حتى تعيش إسرائيل في سلام ويجب أن تستمر العمليات المخفية، والضربات ضد كِلا البرنامجين على قدم وساق.
ومن المثير للاهتمام أن الروس، الذين يستخدمون أسلحة مضادة للطائرات في سورية بإذن من النظام الحاكم، لا يشكون من الضربات الإسرائيلية المستمرة. وقد استثمر رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت وقتاً وجهداً كبيرين في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومستشاريه بأن من المصلحة الوطنية لروسيا هي طرد إيران من سورية، والروس منفتحون على هذه الفكرة، وقد أوضحت إسرائيل لبوتين أنه طالما استمر تهديد الذخائر الدقيقة، وطالما انتهكت إيران "الخطوط الحمراء" لإسرائيل، فإن الضربات ستستمر.
وبدون الاستقرار في سورية، ستكون الاستثمارات الروسية هناك في خطر فبوتين يفهم هذا الواقع. ويبقى أن نرى ما إذا كان على استعداد لاتخاذ خطوات لإخراج إيران من البلاد.
كما أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد نفسه، الذي لم يكن في السلطة لولا التدخل الإيراني في الحرب الجارية في البلاد، يهتف بهدوء للضربات الإسرائيلية لأن الإيرانيين ببساطة تجاوزوا فترة الترحيب بهم في سورية، منتهكين بذلك سيادة دولة حليفة لاستخدامها كمحافظة لتهريب هذه الأسلحة الفتاكة.
ولهذا السبب بدأ النظام في سورية في الانخراط في الدبلوماسية مع الدول العربية وعلى رأسها الإمارات ليتخلص من العزلة. ولكن لكي يحدث ذلك، يجب على الأسد أن ينفصل عن إيران ويجب أن ينتبه إلى أن الأقوال أسهل من الأفعال. وتشعر الدول العربية بقلق متزايد لأسباب كثيرة بشأن كيفية تهديد مشروع الذخائر الدقيقة الإيراني للبنان وهو بلد على وشك الانهيار السياسي والاقتصادي. وإذا استمر تهريب تلك الذخائر إلى حزب الله، فقد لا يكون أمام إسرائيل خيار سوى تدميرها. وقد يؤدي هذا إلى بدء حرب من شأنها أن تدمر البلد الذي كان يُعتبر ذات يوم معقلًا لليبرالية في الشرق الأوسط.
كل هذا يحدث الآن على خلفية استئناف المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية. ولا ترغب إسرائيل في شيء أكثر من أن ترى اتفاقاً يقضي حقاً على مساعي إيران لامتلاك سلاح نووي. لكن مفاوضات إدارة بايدن لا تتحدث عن صفقة شاملة كهذه كما أنهم لا يتحدثون عن إنهاء برنامج الذخائر الدقيقة التوجيه كجزء من هذه المحادثات. وهذا يترك إسرائيل بلا خيار سوى الاستمرار في شن حربها بين الحروب.
وتتفهم واشنطن موقف إسرائيل حيث يتجاهل البيت الأبيض بهدوء الحرب في الظل، بينما يصر على أنه لا يزال بإمكان إيران العودة إلى المفاوضات والانتقال بسرعة إلى بلد يتحمل المسؤولية، وله مصالح في الشرق الأوسط وهذا يعني أن لدى إسرائيل نافذة، ربما نافذة مغلقة، للتعامل مع تهديد الذخائر الدقيقة التوجيه ويمكنها أن تفعل ذلك بموافقة ضمنية من واشنطن وبتأييد شِبه صريح من الروس والسوريين.
لقد اشتعلت حملة الحرب بين الحروب على مدى سنوات لكنها وصلت الآن إلى مستويات جديدة من الشدة حيث ترى إسرائيل أن هذا هو السبيل الوحيد للتعامل مع التهديدات الإيرانية للمنطقة.