نداء بوست – ترجمات – ديلي صباح
زار ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، تركيا، الأربعاء، وأبرم 10 اتفاقيات في مجالات الطاقة والبيئة والتمويل والتجارة. وقد تم الترحيب بهذه الخطوة باعتبارها "فصلاً جديداً" في العلاقات الثنائية.
من المحتمل أن يؤثر قرار تركيا والإمارات العربية المتحدة، اللتين شهدتَا توترات كبيرة في العديد من المجالات قبل عام واحد فقط، على محاولات التطبيع في الشرق الأوسط. وسيكون من المنطقي بالتأكيد اعتبار هذا التقارب أحد أهم التطوُّرات في العام الحالي.
يبقى أن نرى إلى أين سيأخذ التطبيع في العلاقات -الذي استرشد بتقييم المصالح المشتركة- البلديْنِ، وكيف سيؤثر على الخلافات في بعض المجالات الرئيسية مثل ليبيا وشرق البحر المتوسط وسورية.
ولكن يجب التأكيد على أنه تم تشجيع أنقرة وأبو ظبي على العمل معاً، بعد ما يقرب من عقد من المنافسة الشرسة، من خلال الاعتبارات الجيوسياسية والدروس المستفادة من مبادرات السياسة الخارجية الطموحة.
وليس سراً أن القوى الإقليمية في جميع أنحاء الشرق الأوسط سعت إلى التطبيع لبعض الوقت. فهناك محاولات مستمرة لتهدئة التوترات بين السعودية وإيران، والإمارات وإيران، والسعودية والإمارات وقطر. فقد كانت القوة الدافعة وراء هذه التطورات هي قرار إدارة بايدن إنهاء الدعم الأمريكي للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما عكس اتجاه سياسة دونالد ترامب. وفي الوقت نفسه، شجع تضاؤل تأثير سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران ، والتي يمكن للولايات المتحدة من خلالها التوصل إلى اتفاق نووي آخر، القوى الإقليمية على إعادة النظر في حساباتها الإستراتيجية.
وغنيّ عن القول، أن الإمارات اتخذت الخطوات ذات الصلة بشكل أسرع من البقية. وقد صرّحت تلك الدولة مراراً وتكراراً أنها سعت إلى التطبيع مع تركيا ومصر وإسرائيل والمملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن التعافي السريع، الذي حدث بين أنقرة وأبو ظبي، وطهران وأبو ظبي، لم يحدث في أي مكان آخر بعدُ.
التطبيع بين تركيا والإمارات له جذور ممتدة من الواقعية والبراغماتية. فقد دفع حسم أنقرة وإنجازاتها خلال حصار قطر عام 2017 ونتيجة لتدخلها في ليبيا، بعد ذلك بعامين، أبو ظبي إلى تطوير نوع جديد من العلاقة مع الأتراك كما أن مشاكل التدخل الإماراتي في اليمن تتطلب من ذلك البلد اتخاذ خطوات معينة في اتجاه مختلف.
بعد أن اعتمدت تركيا على قوتها العسكرية في سورية وليبيا وشرق البحر المتوسط، اختارت بدورها التطبيع مع القوى الإقليمية الشقيقة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، لتعزيز ما اكتسبته خلال التوترات. في الوقت نفسه، أدى انهيار سلاسل التوريد العالمية خلال جائحة فيروس "كورونا" إلى خلق فرص اقتصادية معينة لتركيا والإمارات العربية المتحدة، مما أدى إلى زيارة هذا الأسبوع وإبرام 10 اتفاقيات رئيسية.
في الوقت الذي يتوقع فيه المراقبون أن يؤدي التطبيع مع الإمارات إلى تسريع التطبيع مع إسرائيل ومصر والمملكة العربية السعودية، يبقى السؤال التالي: كيف سيؤثر هذا التقارب الاقتصادي بين أنقرة وأبو ظبي على المشاكل الأخرى؟
سيكون من غير الواقعي توقُّع قيام دولتين طَمُوحتين بمعالجة خلافاتهما على الفور. فمن الواضح أن المصالح الاقتصادية المشتركة يمكن أن تُشجِّع أنواعاً معينة من إعادة التفاوض والمساومة فيما يتعلق بالأزمات الإقليمية. ومع ذلك، فإن هذا الفصل الجديد يدور حول المنافسة والتعاون المتزامنين بين تركيا والإمارات العربية المتحدة في أماكن مثل شرق البحر الأبيض المتوسط واليونان وليبيا والقرن الإفريقي. سوف يستلزم هذا التطور حتماً نوعاً جديداً من العلاقة ففي الواقع، يعرف كِلا الجانبين كيف سيكون ردّ فعل الآخر إذا ما بدأت العلاقات بالتطور.
وللمضي قدماً، سيواجه هذا النوع الجديد من العلاقات الاختبارات التالية: قد يجعل دعم الإمارات العربية المتحدة لليونان تركيا غير مرتاحة، وستكون خطوات الإمارات العربية المتحدة لتمكين نظام الأسد ومقاتلي وحدات حماية الشعب وإيران في سورية مشكلة. وفي هذه الأثناء، في ليبيا، حيث ستُجرى انتخابات مُتنازَع عليها بشدة قريباً، يمكن لتركيا والإمارات العربية المتحدة لعب لعبة شدّ الحبل أو إطلاق مبادرة مشتركة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تظهر إثيوبيا كمجال جديد للتعاون.
وغنيٌّ عن القول أن هناك مجالات أخرى للمنافسة ستكون ذات صلة، ولكن النقطة الأساسية هي وصول تركيا والإمارات العربية المتحدة إلى المرحلة التي يمكنهما فيها إدارة المنافسة من خلال المفاوضات.
Author
-
باحث تركي في الحياة السياسية، اشتُهر بأنه مؤلّف دراسات أكاديمية حول تحوُّل الإسلام السياسي في ظِلّ حكم حزب العدالة والتن