نداء بوست -محمد جميل خضر- عمّان
تواصل الحكومة الأردنية عبر أجهزتها الأمنية خنق أنفاس نقابة المعلمين الأردنيين، وبحسب ما رصد المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، منعت الحكومة قبل يومين نقابة المعلمين الأردنيين من عقد مؤتمر صحفي كانت النقابة تنوي عقده. ومن جهته، أصدر المركز بياناً دعا فيه إلى احترام حقوق الأفراد في الاجتماع "بالطرق السلمية والمشروعة التي لا تخالف القانون ولا تمس حقوق الأفراد وحرياتهم ".
وقال إن الحق في الاجتماع يعد "تجسيداً لمقتضيات الدستور الأردني والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها الأردن وأصبحت جزءاً من المنظومة التشريعية الوطنية".
وذكّر المركز الوطني لحقوق الإنسان في تفاصيل بيانه بالمادة (16) من الدستور الأردني التي تكفل الحق في التجمع السلمي طالما أن غاياته ووسائله مشروعة. كما أشار إلى قانون الاجتماعات العامة رقم7 لسنة 2004 وتعديلاته، وفيه تطرّق للحق في التجمع السلمي الذي لا تتطلب ممارسته والتعبير عنه أو مباشرته إذناً أو رخصة مسبقة، بل يكتفى بإشعار السلطات المعنية بموعد ومكان إقامة أي نشاط فقط، "كما أن أوامر الدفاع الصادرة لتنظيم هذا الحق في ظل جائحة كورونا حددت الأعداد المسموح بها خلال التجمعات، وبالتالي فإن الرقابة تكون على الالتزام بهذا الشرط وتحقيقه على أرض الواقع، مع مراعاة مقتضيات السلامة العامة، وليس منع الاجتماعات أو إعاقة تنفيذها".
علاقة الحكومة مع نقابة المعلمين الأردنيين مرّت خلال الأعوام الماضية بتقلبات وتصادمات وصلت ذروة تصعيدها مع مداهمة الشرطة نهاية تموز/ يوليو 2020، مقار نقابة المعلمين الأردنيين في العاصمة عمّان وأحد عشر فرعاً من فروعها في مختلف محافظات المملكة، ومن ثم وبحسب ما رصدت "هيومن رايتس ووتش"، إغلاقها جميعها، إضافة إلى اعتقال أعضاء مجلس النقابة. الإغلاق تلاه إصدار أمرٍ من النائب العام بإغلاق النقابة العمالية المستقلة المنتخبة، التي تمثل المدرسين في جميع أنحاء الأردن، لِعاميْن بعد "النزاعات البارزة بين الحكومة الأردنية والنقابة".
الإجراءات الرسمية لم تقتصر وقتها على ذلك، بل أصدر النائب العام، مستفيداً من سريان قانون الدفاع خلال جائحة كورونا، حظراً شاملاً على جميع التقارير الإعلامية حول الوضع، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، أو مشاركة تعليقات وسائل التواصل الاجتماعي. وهي إجراءات دفعت مايكل بَيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، إلى التعليق على كل ذلك قائلاً: "إغلاق إحدى النقابات العمالية المستقلة القليلة في الأردن عقب نزاع طويل مع الحكومة، ولأسباب قانونية مشكوك فيها، يثير مخاوف جدية بشأن احترام الحكومة سيادة القانون. الافتقار إلى الشفافية وحظر مناقشة هذا الحادث على وسائل التواصل الاجتماعي لن يؤدي سوى إلى تعزيز الاستنتاج أن السلطات تنتهك حقوق المواطنين ".
النزاعات بين النقابة التي تأسست في العام 2011، وبين الحكومة تركزت بشكل أساسي حول رواتب المعلمين في المدارس الحكومية، ففي أيلول/ سبتمبر 2019، قادت النقابة إضراباً لأربعة أسابيع في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بزيادة الرواتب 50%، وهي زيادة قالت النقابة إن الحكومة وعدت بها في 2014. إضراب نجم عنه في نهاية المطاف رضوخ الحكومة وموافقتها على زيادة من 35 إلى 75% بحسب رتبة المعلم.
وعادت التوترات وظهرت مجدداً بعد أن جمّدت الحكومة في نيسان/ إبريل 2020، وتحت ذريعة أزمة كورونا، جميع زيادات أجور القطاع العام حتى نهاية 2020. وقد سُجّلت في السياق مشاهد ومواقف مؤلمة ومرفوضة خلال أزمة تموز/ يوليو 2020، فقد اعتقل نائب نقيب نقابة المعلمين الأردنيين ناصر النواصرة، على طريقة المطاردات البوليسية للمجرمين وأصحاب السوابق، عندما قامت، بحسب كل الشهادات والأخبار المتواترة، ثلاث سيارات سوداء عالية (جيمس)، بمطاردته وهو يقود سيارته عائداً من مدينة إربد (100 كيلومتر شمال العاصمة)، وحاصرت سيارته وأخرجته منها واضعة كيساً أسود على رأسه ووجه، وقبضوا عليه بطريقة "غير لائقة".
وإضافة إلى أعضاء مجلس النقابة الـ 13 الذين اعتُقلوا في 25 يوليو/تموز 2020، قدم أعضاء النقابة إلى "هيومن رايتس ووتش" قوائم بأسماء عشرات الأعضاء الآخرين الذين اعتقلتهم الشرطة لاحقاً . نائب النقيب ناصر النواصرة والناطق الإعلامي في النقابة نور الدين نديم, قاما أيامها بإضراب شامل في معتقلهما عن الطعام، ما استدعى إدخالهما المستشفيات.
تشكّل، على وجه العموم، نقابة للمعلمين في أي دولة كانت، ضغطاً كبيراً على حكومات تلك الدول، بسبب الجسم المهول من عدد معلمي هكذا نقابة، ولارتباطها، من جهة ثانية، بملايين الطلبة، الذين سيكونون في قلب أي صراع بين نقابة معلمين وحكومة بلدها.
أردنياً لم ينتزع المعلمون حقهم بنقابة تمثلهم إلا بعد صراع مرير دام سنوات وقطف ثماره عام 2011، عام ربيع الثورات العربية.
Author
-
روائي وإعلامي فلسطيني/أردني..مُعِدّ ومنتج تلفزيوني.. صدر له ثلاث روايات وأربع مجموعات قصصية