”نداء بوست“ – حوارات – حاوره أسامة آغي
الحديث في الثورة السورية يحتاج إلى تسليط الضوء على مَسارها، ولعلّ مَن خاض غِمارها سياسياً وحقوقياً، يمكنه فعل شيء من ذلك، فلا يزال هناك تجنُّب لمراجعة شاملة لعمل مؤسسات الثورة بأنساقها المختلفة من سياسية وعسكرية وإعلامية.. إلخ.
"نداء بوست" ذهب بأسئلته إلى الحقوقي الشهير هيثم المالح، الذي كان عضواً في المجلس الوطني، ثم غادره فأسس مع آخرين -ومنهم المعارض كمال اللبواني- "التجمع الوطني السوري"، بُغية إضاءة مَسار مشاهد الثورة وأحداثها خلال العشر سنوات المنصرمة، فكان هذا الحوار.
”نداء بوست“: أكثر من عشرة أعوام على تفجُّر الثورة السورية السلمية ضدّ نظام الأسد الاستبدادي. هل تعتقد بعد هذا الزمن الطويل، أننا نحتاج كسوريين إلى مراجعة نقدية جادة لمسار ثورتنا، وأقصد بالمسار الأدوات والوسائل والبِنَى السياسية والعسكرية للثورة؟
يفتقدون خبرة العمل العامّ
مراجعة مسيرة العمل الثوري بأنساقه السياسية والعسكرية والإعلامية ضرورة لتطويره وتصويبه. وفي هذا يقول الحقوقي هيثم المالح:
"المراجعة أمر عادي سواء كان تنظيماً سياسياً أو عسكرياً، والمنظمات تحتاج دائماً لأن تراجع مسيرتها السابقة، وتعدّل فيها، أو تغيّر إستراتيجيتها".
ويضيف المالح: "والثورة السورية -بلا شك- مضى عليها عشر سنوات، وحتى الآن لا يوجد قيادة موحَّدة، فلا بدَّ من أجل النصر العسكري، أن يكون هناك قيادة موحدة، تضع إستراتيجية عامة للثورة فيما يتعلق بالجانب العسكري أو في الجانب السياسي".
ويستعرض المالح تجربة المجلس الوطني فيقول: "معلوم أن الجسم الأول الذي شُكّل هو المجلس الوطني السوري، لكنه لم ينجح لأسباب عديدة، من أهمها أن مَن تصدّر المشهد ليس له خبرة سابقة في الشأن العامّ أو العمل العامّ، ومنها طبعاً الثورة".
ويوضح المالح تجربته فيقول: "وأنا في الحقيقة دخلت في المجلس الوطني السوري، في اجتماع تونس، قبل الاجتماع التقيت بالدكتور برهان غليون في جنيف، بعد لقائهم مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون".
وكان قد رُتب لي لقاءٌ منفردٌ مع السيدة كلينتون، يقول المالح ويضيف: لكنها اضطرت لمغادرة الفندق الذي كنت موجوداً فيه، بناءً على طلب السفارة الأمريكية ومن ثَمَّ التقيت بأحد مستشاريها وفاعليها، وتحدثت معه حول الوضع السياسي في سورية، وتقدمت منه بطلبات محددة، ثم التقيت بالدكتور برهان مع المكتب التنفيذي، واعترضت على الطريقة التي تسير عليها قيادة المجلس القيادي السوري برئاسة برهان غليون".
ويتابع المالح كلامه: "وقلت له -أي لبرهان غليون- من الأجدر بكم أن تبقوا في تركيا، وأن تستكملوا إنجاز النظام الأساسي بشكل كامل، وأن تلجؤوا إلى تأسيس مكاتب المجلس الوطني وتنجزوا مكاتبه الضرورية التي لا غنى عنها، مثل مكتب العلاقات الدولية، ومكتب العلاقات العامة، ومكتب الإعلام، وخلية أزمة وإلى آخره".
مضيفاً: "وقلت له الآن تتنقلون من عاصمة إلى عاصمة، هذا غير منتج بالنسبة للثورة، ولا يفيدها، ولا بدّ من مَأْسَسَة للمجلس الوطني، وبعدها تنطلقون ضِمن برنامج معين، وهذا لم يحصل، مما أسهم في إضعاف المجلس الوطني وعدم إمكانية تقدُّمه للأمام".
”نداء بوست“: استطاعت قُوى الثورة في مرحلتها الأولى كسب تأييدٍ دولي، تراجَع كثيراً. ما أسباب هذا التراجُع؟ هل يتعلق بانحياز الثورة إلى موقع أيديولوجي إسلامي؟ أم أن قيادات الثورة والمعارضة لم تكن على قدر المسؤولية بالحفاظ على هذا التأييد الكبير؟
تقاسُم المناصب هدفهم
في إجابته عن سؤالنا، يرى الحقوقي هيثم المالح أن مَأْسَسَة العمل تعني تنظيمه واقترابه من النجاح، فيقول في ذلك:
"أولاً أريد أن أصحح المرحلة الأولى، يعني في تشكيل الائتلاف وليس المجلس وطني، الحقيقة صوتت الهيئة العامة والجمعية العامة للأمم المتحدة بأكثرية 117 صوتاً، أيدوا تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، واعتبروه الممثل الشرعي للثورة السورية وللشعب السوري، هذا صحيح، لكن هذا التأييد تراجع، وأسباب التراجع تعود إلى السبب الأول الذي ذكرته، وهو العمل دون مَأْسَسَة".
ويوضح المالح: "كنت رئيس الهيئة القانونية أو اللجنة القانونية في الائتلاف، وقدّمت العديد من الأوراق من أجل تصويب المسار، ولكن، لم أجد مستمعاً مع الأسف الشديد، فالائتلاف حتى فترة متأخرة من عمره، كان هدفه تشكيل القيادات وتقاسم المناصب".
ويضيف المالح: "بالنسبة لي، أنا تقدّمت إلى الائتلاف بعدد كبير من مشاريع القرارات، فيها ما يتعلق بسحب ملف سورية من مجلس الأمن إلى الهيئة العامة للأمم المتحدة تحت بند اجتماع من أجل السِّلْم، كما حصل مع الكوريتين".
مبيّناً أنه تقدّم بمشروع قرار من أجل أن يذهب الائتلاف إلى التعاون مع دول تعتني بموضوع نزع الشرعية إلى محكمة العدل الدولية، وطالبت الائتلاف بالانضمام إلى مؤسسات الشفافية العالمية، من أجل المباشرة في استرداد الأموال المنهوبة، لكنه، كل ما يأتي عن طريق مكتبي (مكتب هيثم المالح)، الذي يمثّل الناحية القانونية، وضعوا عليه «بلوك» حتى لا يُنفَّذ منه شيء، أو لا يُعمل به".
ويرى المالح: أن أسباب التراجع لا علاقة لها بالأيديولوجية الإسلامية، فيقول: "إنه في 2013 دخل عدد يتجاوز 20 أو 22 شخصاً الائتلاف، أي "ما يسمى الكتلة الديمقراطية"، التي كان يترأسها ميشيل كيلو، وأنا كنت أدير جلسات في تلك الفترة".
معتبراً: "الحقيقة، أن الهيئة الديمقراطية (التكتل الديمقراطي) -إن شئنا أن نسميه- كانت مدعومة من السعودية بالتحديد، ومدعومة من تركية التي تحتضن الائتلاف، وبالتالي لا أحد يُلقي اللوم على ما يسمى الأيديولوجية الإسلامية، إنما قلت كما في بداية الجواب، الشغل الشاغل لهذه التكتلات الموجودة ضِمن الائتلاف هي عمليات المحاصصة".
”نداء بوست“: خرجت القضية السورية من أيدي السوريين لصالح أجندات إقليمية ودولية، وبات القرار السوري رهن قوى خارجية. كيف يمكن للسوريين استعادة قرارهم الوطني؟ أم أن الأمر يتبع قوى أجنبية على الأرض، تحتل البلاد، وهي من يفرض القرارات؟
سورية محتلة والأسد ارتكب خيانة
في جوابه على سؤالنا يقول المحامي والناشط الحقوقي السوري هيثم المالح:
"يمكن استرداد القرار السوري وذلك يحتاج إلى قيادةٍ سياسيةٍ -تنبثق من رحم الثورة، وليس من أشخاص تركوا بلادهم من أربعين سنة أو خمسين، واكتسبوا جنسيات أخرى- قيادةٍ على مستوى دولة، شخصياتها مهمة معروفة".
ويرى المالح أن "هذه القيادة تشكل مكاتبها، التي يجب أن تُشكّل، ومنها خلية أزمة، وكما قلت تتبنى مشروع أنها تمثل الدولة، وبالتالي هي تنازع بشار الأسد في الشرعية والمشروعية".
مضيفاً: ولكن إذا شكّلت الهيئة السياسية قيادة سياسية، فهي معنية بتشكيل نواة جيش وشرطة وقضاء، واعتماد دستور 1950 للمرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، فهذا مشروع يقود العالم نحو البديل عن العصابة الحاكمة في دمشق". لكن هذا مع الأسف لم أجد تأييداً له في الائتلاف".
ويتابع المالح حديثه: "الحقيقة كما قلتم، القضية السورية، أو الملف السوري، خرج من يد السوريين، إن كانوا معارضة أو موالاة، والنظام السوري ليس له دور، تجري اجتماعات هنا وهناك بين الروس والإيرانيين والأتراك وغيرهم، والأمريكان، ولا يُدعى ممثلو النظام، (العصابة المسيطرة على سورية)، كذلك من المعارضة، هذا شيء صار مفروغاً منه".
ويؤكد المالح: "الآن سورية محتلة بشكل كامل من قِبل دولتين أساسيتين هما روسيا وإيران، وكذلك من قِبل الأمريكان والفرنسيين في منطقة الجزيرة، والروس بشكل خاصّ في منطقة الساحل، وبعض القواعد الأخرى، وبالتالي سورية محتلة، وبشار الأسد ارتكب الخيانة العظمى باستدعائه لدولتين للتدخل في الشأن السوري الداخلي، واحتلالهما الدولة من أجل الحفاظ على كرسي الرئاسة".
ويضيف المالح: "هناك إمكانية لاستعادة القرار الوطني، إذا كان هناك إرادة، وإن أي مشروع أو عمل، يريد إنسان ما أن يقوم به، أو هيئة أو كتلة أو حزب ما، فإنه يحتاج إلى ثلاث دعامات أساسية هي معرفة الهدف، وأن نسلك طريقاً يؤدي إليه، ويكون لدينا إرادة".
غير هذه الدعائم الثلاثة الهدف والطريق والإرادة بحاجة إلى إنشاء قيادة سياسية وعسكرية، متفرغة، وإن من يشكل هذه الهيئة هم الثورة، يعني الناس، الذين هم من داخل سورية، أي الذين ناضلوا وعاشوا وعملوا من أجل هذه اللحظات، لا أن نعتمد على أناس أحدهم يأتي من أمريكا وآخر يأتي من الصين".
ويوضح المالح فكرته أكثر فيقول: "يلزم أن يكون في القيادة قيادة من صميم الثورة، وهذه القيادة يكون عندها أسس نظرية، وأسس عملية، بمعنى أن يكون لها إستراتيجية معينة من أجل نجاحها، وأن تشكّل مكاتبها، وتنتخب رئيساً لا يتم تبديله كل ستة أشهر". مضيفاً: "والثورة بحاجة لشخصية، أضرب مثلاً ياسر عرفات، الذي انتخب رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومات وهو رئيس هذه المنظمة".
ويتابع المالح كلامه: "أنا في عام 2013 تقدّمت بمشروع كامل لسورية، تشكيل جيش وشرطة وقضاء، واعتماد دستور 1950 للمرحلة الانتقالية، مع تعديلات في مقدمته، وتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية، وقد رشحت نفسي لرئاسة دولة هذا المشروع المتكامل".
”نداء بوست“: سورية في واقعها الراهن تحت نفوذ قوى أجنبية، فمنطقة الجزيرة (الرقة ودير الزور والحسكة) تحت نفوذ أمريكي، ومناطق تحت نفوذ روسي وإيراني، ومناطق الشمال السوري تحت نفوذ الفصائل العسكرية المتحالفة مع تركيا. هل تعتقد أن ذلك سيقود إلى مناطق استقرار منفصلة عن بعضها في انتظار حل سياسي شامل للصراع السوري؟ وهل يمكن أن تتحول مناطق النفوذ إلى كيانات سياسية منفصلة ومعيقة لاستعادة وحدة البلاد؟
السوريون مطالبون بعدم التشرذم
يقول المالح في إجابته على سؤالنا: "السوريون كل السوريين مسؤولون عن تحرير بلدهم من الغزاة ومن النظام الفاشي الطائفي المجرم، لكن الناس الذين وضعوا أنفسهم في المقدمة مسؤولون مسؤولية أولى، وبالتالي على السوريين كلهم، أن يعملوا جاهدين على عدم تشكيل قيادات متفرقة ضِمن مناطق المحرر، أو حتى في مناطق اللجوء الكبيرة في تركيا".
ويرى المالح أنه "بين تركيا وسورية، يوجد تقريباً عشرة ملايين سوري، وهؤلاء يشكّلون دولة، فبالتالي يجب على السوريين إذا كانوا يريدون إنجاح ثورتهم وهذا ممكن طبعاً، أن يَحُولوا دون تشكيل قيادات أو تشرذم الوضع القائم أكثر من ذلك، وعليهم أن يعملوا إلى تكتيل المقاتلين من الفصائل، وعليهم أن يطردوا الغرباء، وأن يحملوا السلاح، لطرد هؤلاء الغرباء عن سورية". كل الغرباء، فلسنا بحاجةٍ لا لأفغاني، ولا لشيشاني".
”نداء بوست“: لو قلنا إن بعض معوقات الثورة هو ارتهانها لأيديولوجيا ذات بُعد ديني إسلامي. كيف يمكننا استعادة مربع الوطنية السورية دون تمييز اثني أو ديني أو طائفي؟ ألا ترى أن انفضاض التأييد سببه وجود منظمات عسكرية وسياسية ذات مرجعية إسلامية مثل هيئة تحرير الشام ومثيلاتها؟
قلت للفصائل: احذروا الإعلام
في إجابته على السؤال الخامس، يقول المالح: "كان من أخطاء العديد من الفصائل، أنها تبنت شعارات ذات بُعد ديني، أنا تحدثت مع العديد من الفصائل، أن نبتعد عن التسميات ذات الطابع الديني لمصلحة الثورة، فهذا أمر مهمٌ كثيراً، الحقيقة أنني طلبت من العديد من القادة ومن الشخصيات التي كانت تعمل في الجانب العسكري، أن يبتعدوا عن التواصل مع الإعلام، لأن الإعلام مخيفٌ وهذا خطر".
وقلت لهم، يضيف المالح: أنتم لا تعرفون مَن هذا الإعلام؟ ومِن أين أتى؟ فقد يكون الإعلام ملغوماً ومُخترَقاً أو أي شيء آخر، لذا اتركوا الإعلام لنا، فنحن مختصون بشغلة الإعلام، ونعرف كيف نشتغل مع الإعلام"، اتركوا الإعلام ولا تتواصلوا مع أجهزة المخابرات في الدول التي تزعم أنها تدعم سورية، فهذا خطأ كبير يجب أن ينأى الثوار بأنفسهم عن التواصل مع الدول، أو مع أجهزة مخابرات الدول، أو مع الإعلام، ويتركوا هذا للهيئة السياسية، التي تقود العمل السياسي".