”نداء بوست“- حوارات سياسية- كندة الأحمد- إسطنبول
قال رئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة السابق ورئيس هيئة التفاوض السورية الأسبق الدكتور نصر الحريري في حوار خاص لـموقع “نداء بوست“ إنه لم تكن هناك عملية سياسية ”جدية قط“ في ما يتعلق بالقضية السورية. وأضاف الحريري ”كانت هناك محاولة بناء لعملية تفاوضية بأركانها الأساسية، الأمم المتحدة كراعية مظلة بمرجعياتها الدولية ومن ضمنها بيان جنيف وقرارات مجلس الامن 2118 و2254، والنظام وقوى الثورة والمعارضة، لكن النظام السوري عرقل العملية السياسية ورفض كل الحلول المطروحة على الطاولة“.
في هذا الحوار يبيّن الحريري كيف أنه ومع أن اجتماعات حقيقية عقدت في جنيف من ممثلي قوى الثورة والمعارضة؛ الائتلاف بداية، ومن ثم هيئة التفاوض السورية، لكن ”فعلياً كان هناك نقص في تلك العملية، من “جنيف 2“ إلى ”جنيف 8“ وحتى في ”أستانا“ و ” اللجنة الدستورية ” ، إذ لم تكن هناك نية حقيقة للدخول في عملية تفاوضية متكاملة.
ويرجع الحريري أسباب عرقلة ال مفاوضات بما فيها “اللجنة الدستورية” إلى التعطيل المتعمّد من قبل نظام الأسد للعملية السياسية، مدعوماً بروسيا وإيران، لأنه كان ولا يزال يعول فقط على الحل العسكري، ولا يؤمن بالحل السياسي ولا يسعى إليه.
تراخي الموقف الدولي
أما العامل الآخر المؤثر في الملف السوري فهو التراخي الذي طرأ على المواقف الدولية، وهذا شجع النظام أكثر بأن يحاول شلّ العملية التفاوضية بالكامل ويتمادى في جرائمه المرتكبة ضد الشعب السوري قتلا وتهجيراً واعتقالاً .
ويبيّن الحريري ذلك بالقول: “شهدنا تبدّلاً ملحوظاً من مواقف بعض الدول من مواقفها الأولية بشأن مطالبة الأسد بالرحيل، وبأنه نظام فاقد للشرعية، إلى الحديث بشكل تدريجي عن الحاجة لتغيير سلوك النظام فقط دون تغييره ، علاوة على أن أدوات الضغط الدولية لم تكن جادة بشأن محاسبة الأسد على ارتكابه المجازر بحق الشعب السوري، بما فيها الضربات الكيماوية التي راح ضحيتها الآف الأطفال والنساء، وكل ذلك أدى إلى تراجع دور الأمم المتحدة بسبب بهذا الضعف الدولي” من جهة وشكل بطاقة خضراء للنظام وداعميه لارتكاب المزيد من الجرائم .
ويرى الحريري أن الأمم المتحدة خرجت من وظيفتها المفوضة بتطبيق قرارات مجلس الامن إلى وظيفة ”ميسّرة”، دون أن يكون لها دور فاعل، وأصبحت وظيفتها فقط محاولة إيجاد صيغ، حتى وإن كانت شكلية، لتقول إن هناك عملية تفاوضية قائمة وحية ، وهذا لا ينبغي أن يكون هدفا بحد ذاته على حساب هدر الدم السوري وإطالة معاناته الممتدة منذ عقود ، ومن ذلك على سبيل المثال مبادرة “الخطوة مقابل خطوة“ التي طرحها المبعوث الدولي غير بيدرسون، في حين أن التفويض واضح تماماً بتطبيق خارطة طريق ارتضاهامجلس الامن ( هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية ودستور جديد وانتخابات باشراف الامم المتحدة بعد تطبيق البنود الانسانية فوق التفاوضية على رأسها ملف المعتقلين .
ويقول الحريري الذي كان حاضراً في مختلف مفاصل السنوات الماضية، سواء من خلال المهام التي تم تكليفه بها في مؤسسات الثورة السورية، أو من خلال مشاركاته في الأروقة الدولية المعنية بالملف السوري، إن هناك قضايا إنسانية ”فوق تفاوضية“، لا يجوز أن تدخل في حقل النقاش أساساً، وتشكيل هيئة انتقالية كامل الصلاحية التنفيذية واللجنة الدستورية، لوضع دستور جديد، وهذا لم يتم إطلاقاً، وحتى باقي القضايا التي تم الاتفاق عليها في 2254، بدأت الأمم المتحدة تستنبط مبادرات ”غير مجدية“ بعيدة عنها
وأضاف بقوله: ”إذا تتبعنا كل جهاز من أجهزة الأمم المتحدة سنلاحظ أن هناك خللاً في عمله، وقضايا فساد تلاحق المشرفين على بعضها، وعلى وجه الخصوص في (الملف السوري)، مثلما شهدناه مؤخراً من فضيحة الفساد في مكاتب منظمة الصحة العالمية، أما بالنسبة للأداء السياسي لها، فكانَ هناك دوراً سلبياً في التعامل مع القضية السورية وبشكل علني“.
وفيما تحوّل دور الأمم إلى دور ”الميسّر“، تمادى النظام في رفض تطبيق بنود قرارات مجلس الامن، ولم تعد الأمم المتحدة إلى أصل المشكلة بذريعة أن النظام لن يقبل بهذه المقترحات أو تلك، ما دفعها للقبول بمبادرات أقل سقفاً، وخلق المزيد من الطاولات السياسية للتفاوض وبالتالي إضاعة المزيد من الوقت بدون نتيجة فعلية، على حد قول الحريري.
مصير اللجنة الدستورية
اللجنة الدستورية كانت أحد الأبواب الموجودة في قرار مجلس الأمن، وفقاً للحريري، وشاركت فيها هيئة التفاوض بناءً على محددات تضمن قوى الثورة والمعارضة ضمن خارطة الانتقال السياسي الموجودة في المرجعيات الدولية، ويعلم الجميع أنها لوحدها لن تكون حلا ولا بديلا للحل السياسي ، وأن النظام لن يأتي فيها إلى أي مفاوضات تحرز تقدما نوعيا وأنه بدون هيئة الحكم لن يكون للموضوع الدستوري أي معنى وبالفعل يعلم النظام والروس جيداً أن الدخول في هذه القضايا يعني البداية في مرحلة انتقال سياسي، وهذا ما لا يريدونه.
أما بالنسبة لمستقبل القرار (2254)، فيقول الحريري: ”يجب علينا كشعب سوري أن نلتزم بمبادئ ومكتسبات الثورة، سواء كانت مؤسسات أو قرارات، ومنها قرارات مجلس الامن إلا أن المطلوب المزيد من الخطوات الضرورية لتحقيق لانتقال السياسي وهنا لا بد من استجماع أوراق القوة للضغط بهذا الاتجاه وهو تطبيق 2254علما أن هذا هو الحد الادنى الذي قبل به الشعب السوري لتحقيق انتقاله ااسياسي المنشود ، هناك اطراف ودول تعمل على هدم او تتجاهل القرار 2254 وتحاول اجتراح مبادرات بعيدة عن جوهر 2254 علما انها دائما ما تظهر التزاما لفظيا بمرجعيته في أي حل سياسي .
كما اعتبر الحريري أن المجتمع الدولي ”تدحرج“ في تعامله حيال القضية السورية من بيان جنيف إلى (2118 إلى 2254) إلى”اللجنة الدستورية” ثم إلى مبادرة” الخطوة مقابل خطوة” التي رُفضت من قبل قوى الثورة والمعارضة السورية ( هيئة التفاوض السورية ) ، وهناك ”مخاوف من انزلاق العملية السياسية المتعلقة بقرار (2254) أكثر وهذا ربما ألمح إليها بيدرسون في زيارته الأخيرة إلى دمشق”.
كل الأطراف تبحث بهذا الشأن الآن، لكن على أرض الواقع لا أحد جدي حيال تطبيق هذا القرار، على حد تعبير الحريري الذي يضيف: ”ينبغي علينا كسوريين وكممثلين للشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات ان نقوده الى نصر هذه القضية او على الأقل أن نكون أحد العوامل المؤثرة الاساسية في تحقيق هذا الانتصار ، ولكن ما لا ينبغي قطعا هو أن نكون سببا في هزيمة ثورة هذا الشعب المضحي العظيم ، ومن هنا تلتزم مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية ببيان جنيف والقرار ٢٢٥٤ كأصلح أساس متاح في المقاربة السياسية للوصول إلى الحل في سورية
رئيس هيئة التفاوض السابق طالب ”بعدم التنازل عن المطالب الحقيقة للشعب السوري“، وأضاف: ”ينبغي أن تكون الحواس يقظة في الالتزام بما هو كاف لتلبية كل متطلبات الشعب السوري، وعدم تضييع مرجعياته فما تسعى إليه روسيا والنظام هوأخذ المسار السياسي واللجنة الدستورية إلى الاتجاه الذي يريدانه، ومن يعتقد أن النظام أو روسيا سيأتي للجولة التاسعة بعقلية (قرار 2254) وتحت رعاية الأمم المتحدة لتحقيق الانتقال السياسي يجب أن يعيد الحساب من جديد“، مشدداً على أنه من دون تشكيل هيئة الحكم لن تحقق اللجنة دستورية أي تقدم في مسارها السياسي.
بنظر الحريري بدأت الثورة السورية بمحرك أساسي، هو حراك الشعب السوري، وحينها لم يكن هناك أسلحة أو مناطق محررة أو مبعوثين أو قرارات دولية، والانطلاق كان من موقف محق وهو الظلم الذي تعرض إليه الشعب السوري من حزب البعث منذ زمن الأب حافظ إلى ابنه.
أما الآن فقد باتت هناك متغيرات كثيرة جداً، سواء بموقف الدول الداعمة للثورة السورية سلباً الا ما قل منهم أو في مواقف الدول التي تدعم نظام بشار الأسد والتي زادت تصلباً مثل إيران وروسيا، ودول أخرى كانت صديقة للشعب السوري، لكن الآن أصبحت تقدم دعمها له بشكل مكشوف.
ويطالب الحريري بتسليط الضوء أكثر على ما اعتبرها من العوامل الأساسية والفاعلة في تغيّر المشهد، ويقول: “تضارب المصالح لعب دوراً كبيراً، في تغيير موازين القوى على الأرض في الملف السوري، وبالتالي انخرطت روسيا بخسارة في حرب أوكرانيا، وقد أدى ذلك إلى تغيير كبير في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية، فضلاً عن المظاهرات والفوضى التي تشهدها إيران“.
أحداث الشمال السوري
وتعليقاً على الأحداث التي شهدها الشمال السوري مؤخراً ، قال الحريري: ”الصورة واضحة جداً، هجوم هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابياً بعيون السوريين والمجتمع الدولي ، استدعى خطة لإنقاذ ماتبقى من المناطق الخضراء، وهذا كان صدمة حقيقة لذلك توجب التعامل مع الملف بحذر شديد لا سيما وأن نظام الأسد حاول منذ بداية الحرب أن يسم الثورة السورية بغير صفاتها الحقيقية (ثورة جهاديين وعصابات مسلحة وتنظيمات سلفية) وقام بالفعل وطيلة الوقت بالمتاجرة بذلك لكسب نقاط لدى الغرب.
وأضاف: ”من يريد أن يتبنى هدف إزالة التصنيف من قوائم الإرهاب فعليه النظر في الأسباب التي جعلت العالم جميعه يصنفه كـ “تنظيم إرهابي” وتحت لائحة الإرهاب ويعمل على معالجتهاوحلها بشكل جذري، لكن أن تقوم الهيئة بالسيطرة على مناطق المعارضة وتصف نفسها بأنها من الفصائل المعتدلة فهذا أمر غير مقبول“.
كما أشارَ الحريري إلى أن هناك سلوكيات حدثت غير مطلوبة، و“لا نستطيع أن نقول إن مؤسسات المعارضة تعاملت بالشكل المناسب أو بالسرعة الملائمة مع الحدث ، ولكن بنفس الوقت لا نستطيع أيضاً أن نقول إن الائتلاف أو الحكومة المؤقتة كانا متماهيين مع هذا الطرح كما يشاع خاصة و أن تطور الأحداث السريع جعل المقاربة اكثر صعوبة ، وقد صدر بيان عن اجتماع الهيئة العامة للإئتلاف قبل ايام أكد موقف الائتلاف من هيئةةتحرير الشام كتنظيم ارهابي“.
المناطق المحررة مرّت بثلاث مراحل، كما يوضح الحريري، كشفت نقاط الضعف والقوة لدى آلية عمل مؤسسات المعارضة على الأرض أولى تلك المراحل كانت قضية اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته، ومسألة الإدانة أمام هكذا جريمة، لا تكفي بقدر ما كان يتوجب محاكمة الأشخاص المتورطين على الفور. هذه قضية كان يجب أن يتم التعامل معها من قبل الجهات المعنية، و”المؤسسات” يجب أن تكون جاهزة للتعامل مع أي خرق أمني في المنطقة.
ويضيف الحريري: “لكن نحن كسوريين دفعنا تضحيات كبيرة، ولم يدفعها أحد في التاريخ المعاصر، ولن نقبل إلا بعملية تفاوضية محددة مع النظام تحت رعاية الامم المتحدة ، لا مصالحة ولا تفاهم، أما علاقتنا مع تركيا فهي مبنية على أساس المصلحة الوطنية، ولا يمكن للشعب السوري بعد كل هذه التضحيات أن يصالح الأسد، بالنسبة لنا الأولوية هي محاسبة الأسد على كل الجرائم التي قام بها بحق الشعب السوري، أما إذا استطاعت تركيا أن تصل عبر علاقتها المباشرة أو غير مباشرة، إلى جعل النظام أداةً في تحقيق عملية تفاوضية تؤدي إلى الحل السياسي الانتقالي في سورية، فهذا هو ما نسعى إليه“.
ويبين الحريري أن الخطوط التركية التي يتم الحديث عنها هي إجمالا ”الخطوط العامة في الحل السياسي وعودة اللاجئين، المتضمنة في ا القرار 2254 وهذا يشكل أساس و أولوية بالنسبة إلينا“.
وأشاد الحريري بالدور الذي لعبته تركيا طيلة السنوات الماضية، قائلاً: ”لقد تحملت تركيا العبء الأكبر في الملف السوري سياسياً وميدانياً وإنسانيا ، وكانت صديقة للشعب السوري، وهي من أهم الدول التي وقفت إلى جانب القضية السورية، لكن في نفس الوقت ينبغي على قوى الثورة والمعارضة أن تكون جاهزة لكل السيناريوهات، ونحن لدينا مصالح مشتركة وتشاور دائم مع الجانب التركي، وموقفانا مترابطان بشكل وثيق في ما يخدم قضيتنا معاً”.
ولعل الحريري كان صريحاً تماماً هنا عندما ختم حديثه بالقول: ”أما لو أرادت تركيا، أو أي دولة أخرى، أن تذهب في مسار يتنافى مع مبادئ الثورة السورية، فلن يقف أحد في طريقها، هذا شأنها ،لسنا في وارد التنظير على الدول فيما يجب عليه أن تفعله ، لكننا لن نتصرف إلا وفقا لمصلحة ثورتنا ووطننا و لكن لا أعتقد أن هناك حواراً منتجا بين تركيا والنظام لأننا نعرف النظام جيدا في رفضه لأي تفاهمات وتعويله على اضاعة الوقع، وإن حدث ذلك فلن يؤدي إلى نتائج حقيقية“، مؤكداً أن التطبيع مع النظام هو خطأ تاريخي مستنكرا ما قامت به حركة ”حماس” مؤخراً من تطبيع مع الأسد، في الوقت الذي رأى فيه الحريري أن ”اجتثاث النظام“ هو “الحل الوحيد والمطلب الوحيد“ لكل الشعب السوري وللمنطقة بأسرها.