المصدر: ميدل أيست آي
بقلم: كريستوفر فيليبس (أستاذ العلاقات الدولية بجامعة كوين ماري بلندن ، حيث يشغل أيضاً منصب نائب العميد)
ترجمة: عبدالحميد فحام
لقد عادَ كل من الأردن وسورية صديقان مجدداً بشكل رسمي، فبعد عقد من الأعمال العدائية، و من دعم الملك عبد الله الثاني لأعداء رئيس النظام بشار الأسد في الحرب السورية، أعلن الجاران المنفصلان مؤخراً عن مجموعة من الإجراءات لتطبيع العلاقات.
وسيتم إعادة فتح الحدود بالكامل أمام التجارة وستستأنف الرحلات الجوية بين العواصم، و سيتم إعادة الحياة للتعاون الأمني والمائي، حتى أن الأسد وعبدالله تحدثا عبر الهاتف لأول مرة منذ عقد. كما أن الملك ضغط على حليفه، الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتخفيف الضغط على دمشق – تماماً بعكس ما جرى خلال السنوات القليلة الماضية، عندما استضاف الأردن ثوار سوريين بتسليح أمريكي. على كل حال لا تبدو هذه المصالحة مفاجئة حيث يخدم الانفراج أجندات الزعيمين المحلية والدولية على حد سواء، كما أن دفء العلاقات مدفوعة في المقام الأول بالبراغماتية، وهذا يتوافق مع النمط التاريخي للعلاقات الأردنية السورية، فالبلدان يتأرجحان بين العداء والصداقة كل بضع سنوات – غالباً بسبب السياسات العالمية والإقليمية – ولكن نظراً لأهمية هؤلاء الجيران لبعضهم البعض، فإن الواقعية دائماً ما تنتصر و تسود.
وفي كل الأحوال فإن معارضة الأردن للأسد كانت فاترة في أحسن أحوالها، وكانت على عكس العديد من القادة العرب، فـ عبد الله لم يغلق سفارته في دمشق، على الرغم من تقليص عدد الموظفين، و قد استضاف الأردن مركز العمليات العسكرية، الذي سهّل تدريب وتسليح الثوار المعتدلين المناهضين للأسد، لكنه سيطر بعناية على حدوده ولم يسمح للثوار بالقدوم والذهاب كما يشاءون، على عكس تركيا شمال سورية، وقد ساهم هذا في الضعف النسبي للثوار في المناطق الجنوبية. وبالمثل، كان الأسد حريصاً على سياسته خلال فترة عداءه للأردن، فلم يتعرض الأردن لانتقادات شديدة مثل بعض أعداء دمشق الآخرين، مثل تركيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، حتى في ذروة الحرب في سورية، لم تكن العلاقات متوترة كما ينبغي أن تكون بين خصمين.
الخلافات السياسية
من المحتمل أن تكون الحكومتان على وعي بالترابط التاريخي للبلدين، وحذرتين من الإضرار بالعلاقة بشكل لا يمكن إصلاحه، فتاريخياً كان جنوب سورية أكثر ارتباطاً بشمال الأردن منه بشمال سورية، حيث كان يقع في نفس الولاية العثمانية. و على الرغم من أن البريطانيين والفرنسيين أقاموا دولاً منفصلة، إلا أن العلاقات الأسرية والقبلية امتدت عبر الحدود، لا سيما حول منطقة حوران في الواقع، في وقت مبكر من الحرب السورية، كان اللاجئون الأوائل هم من الحورانيين الذين يعبرون إلى الأردن بحثاً عن مأوى لدى أقاربهم، وقد ساعدت هذه الروابط في إقامة روابط تجارية مهمة؛ حيث يعتمد جنوب سورية وشمال الأردن اقتصادياً على بعضهما البعض بطرق مختلفة، و بالإضافة إلى ذلك، توفر سورية للأردن إمكانية الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط والطرق البرية المؤدية إلى أوروبا، بينما تتيح الأردن لسورية الوصول إلى البحر الأحمر والطرق البرية المؤدية إلى الخليج.
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا التقارب الثقافي والاقتصادي، إلا أن الاختلافات السياسية أدت إلى إثارة التوترات، فمنذ عام 1963، وسورية محكومة من قبل مستبدين بعثيين ذوي ميول يسارية ومناهضين للغرب، ويبدو أنهم على عكس القطبية للنظام الملكي الأردني الهاشمي الموالي للغرب، وكانوا على جانبين مختلفين من الحرب الباردة وكان لديهما حلفاء إقليميون مختلفون، و في عام 1970، قامت سورية بغزو الأردن لفترة وجيزة لدعم المقاتلين الفلسطينيين الذين يخوضون حرباً أهلية مع الهاشميين، بينما بعد عقد من الزمن، كان الأردن يرعى مقاتلي الإخوان المسلمين الذين يحاولون الإطاحة بالنظام البعثي السوري.
بين هذه الجولات من العداء، جاءت نوبات من الصداقة، حيث قاتلت الدولتان معاً ضد إسرائيل في عامي 1967 و 1973. ثم توترت العلاقات في ثمانينيات القرن الماضي عندما فضلوا أطرافاً متعارضة في الحرب الإيرانية العراقية، ولكن تحسنت في التسعينيات عندما تشاركا في عملية السلام العربية الإسرائيلية، و لقد توترت مرة أخرى في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عندما تحالف الأردن مع محاولات الولايات المتحدة لعزل سورية دبلوماسياً بعد تورطها في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005، لكنها عادت مرة أخرى بعد بضع سنوات عندما فشلت هذه العزلة.
طوال هذه العلاقة العاصفة، كانت الحكومتان على استعداد للابتعاد عن المواجهة بسرعة عندما تتغير مصالحهما. وقد دفع هذا إلى المصالحة الحالية.
النفوذ على دمشق
بالنسبة للأردن، من الواضح أن حملة الإطاحة بالأسد، التي وقعها على مضض، قد باءت بالفشل ومع ذلك، على عكس الدول الأخرى المناهضة للأسد التي فقدت الاهتمام، فإنها تعاني من الآثار المباشرة للصراع في شكل أكثر من 650 ألف لاجئ سوري واقتصاد متعثر.
ويأمل عبد الله أن تؤدي الانفراجة مع الأسد إلى فتح طرق التجارة وتحقيق المزيد من الاستقرار في جنوب سورية، مما يسمح لبعض اللاجئين بالعودة إلى ديارهم، ومن خلال فتح خطوط جوية مع دمشق وحث واشنطن على إعفاء الأردن من عقوبات قيصر ضد الأسد، والتي فرضتها مؤخراً على صفقة غاز إقليمية، يرى عبد الله أن الفوائد المالية للأردن أصبحت قناة للأجانب الذين يتعاملون مع سورية.
وعلاوة على ذلك، من الناحية الجيوسياسية، يتكيف عبد الله مع المشهد المتغير، فمع تراجع واشنطن، يحتاج الأردن إلى إيجاد طرق أخرى لضمان السلام والاستقرار الذي يتوق إليه، بخلاف الوضع السابق المتمثل بالاعتماد على القوة المهيمنة السابقة، ويأمل الأردن أن يتيح له التعامل مع الأسد درجة من النفوذ على دمشق، لا سيما فيما يتعلق بوجود القوات الإيرانية والقوات المتحالفة مع إيران على حدودها مع إسرائيل، مما قد يؤدي إلى صراع غير مرغوب فيه.
من الواضح أيضا أن الأسد يستفيد، حيث توفر التجارة الكاملة مع الأردن والمساعدة في تجاوز عقوبات قيصر بعض الراحة للاقتصاد السوري المتعثر – على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لهذه الإجراءات تأثير يؤدي إلى تحوّل كامل. و الأهم من ذلك هو المكاسب الجيوسياسية: فلم يضطر الأسد إلى تقديم أي تنازلات لكسب هذا التقارب، لذا فهو يعمل على إضفاء الشرعية على قضيته.
العلاقات المضطربة
إن الأردن ليس وحده في تطبيع العلاقات مع سورية، حيث تسعى مصر أيضاً إلى تعزيز الروابط، وتقود الإمارات حملة لإعادة دمشق إلى الحظيرة العربية، ويمكن أن يكون تطبيع العلاقات مع الأردن نقطة انطلاق نحو المصالحة مع الشرق الأوسط الأوسع، وإعادة القبول في جامعة الدول العربية، وكما يأمل الأسد، وربما ببؤس أموال إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها. وبالتالي، فإن الانفراج يبدو منطقياً في الوقت الحالي، لكن العلاقات من المرجح أن تكون وظيفية أكثر منها ودّية، فالاختلافات الأيديولوجية بين الأنظمة ودرجة من الشك المتبادل باقية بين الطرفين، بقدر الأسباب الهيكلية العميقة التي تمنعهم من البقاء بعيدون لفترة طويلة. من المحتمل جداً أن تنهار هذه الجولة الحالية من الصداقة إلى عداء كلما وقعت الأزمة المحلية أو الإقليمية التالية بين عمان ودمشق ضد بعضهما البعض، ولكن من المحتمل أيضاً أن تهدأ مثل هذه الأعمال العدائية في نهاية المطاف ، كما هو الحال دائماً، هذه هي الطبيعة الدورية للعلاقات المضطربة بين الأردن وسورية.