يطلق السوريون على الأسبوع اسم ”جُمعة“، ومن مبدأ الاجتماع الذي يصاحب هذا النشاط بصيغة تنظيمية تشبه الجمعيات، كانت السيدات يتجمعْنَ في منزل إحداهن ويتبادلْنَ الأخبار والقصص إضافة إلى أنهن يقدمْنَ مساعدة لبعضهن بعضاً من خلال تجميع المبلغ بيد إحداهن لتقضي حاجة مهمة لديها.
وأذكر أن والدتي -حفظ الله أمهاتكم- كانت تشترك مع بعض السيدات من الحي أو الأقارب بدفع مبلغ أسبوعي يتم الاستفادة منه من قِبل إحدى المشتركات، وكان هذا النشاط يعرف بالجمعية.
ربما من مبدأ الاجتماع الأسبوعي حيث كانت أمي تعتمد على هذا النشاط في تجهيز أغراض البيت، فعندما يكون المبلغ بيدها تذهب لشراء قطعة مهمة في البيت أو تجهزنا للمدرسة، وللحق كان هذا المبلغ يُسهِم في حل كثير من المسائل داخل أسرتنا فقد كان دخلنا يعتمد على راتب والدي -رحمه الله- الذي كان موظفاً حكومياً وكان معاشه بالكاد يكفي المصاريف اليومية التي تخصّ الطعام والشراب.
كان هذا المبدأ ينتشر بين السوريين بشكل كبير، وقد شكَّل نوعاً من التضامن والتعاضد بينهم، حيث يخصص المشتركون المبلغ لمن لديه مناسبة أو يحتاجه لأمر ما، إضافة إلى أن هذا النشاط كان يمثل حدثاً اجتماعياً مهمّاً في ظلّ الاضمحلال التي تعرضت له سورية مع منع التجمعات السياسية والاجتماعية ومكافحة الأنشطة التي تساعد المجتمع على التلاحم والنقاش.
مع نزوح وهجرة السوريين لا يزال عدد واسع منهم يمارس هذا النوع من الأنشطة على نطاق معارفه وأقربائه، ولكن مع التحرر والانفتاح الذي كسبه السوريون في خارج مناطق سيطرة النظام، إلا أنه يمكن تطوير هذا النوع من الأنشطة إلى مرحلة أبعد وأكثر أهمية بحيث تتحول هذه القاعدة التي أسهم في بنائها آباؤنا إلى مُرتكَز يمكن تطويره.
أتوقع أنه في النظم الإدارية الحديثة يوجد بعض الأنواع المشابهة التي يمكن العمل عليها لجعل هذه العادة الاجتماعية الجميلة أكثر فائدة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
يوجد في ألمانيا حالياً ما يزيد عن 7500 جمعية تعاونية تضمّ أكثر من عشرين مليون عضو، وفكرة هذه التعاونيات تقوم على تحمُّل المسؤولية المشتركة من خلال مبدأ المساعدة الذاتية عَبْر تأسيس مشروع يخدم مصالح الجميع وينعكس أثره على الجميع في النهاية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر تقوم تعاوُنية الطاقة المعروفة باسم "فريدرش-فيلهيلم" في منطقة فولدا على شركة إنتاج للكهرباء يصل إنتاجها السنوي إلى 18 مليون كيلو واط ساعيّ، ويكسب المشروع سنوياً 2.6 مليون يورو تعود على المشتركين في نهاية العام الذين أسهموا بالأصل في تأسيس المشروع ويعتمد المشروع في إنتاج الطاقة على الرياح، ويشترك المساهمون في انتخاب إدارة المشروع والرقابة عليها ويستفيدون في نفس الوقت من خدمات المشروع بأسعار مخفضة.
كذلك في المملكة المتحدة توجد أنواع مشهورة من التعاونيات، وربما أكثر الأمثلة حضوراً هو مشروع Rochdale Pioneers وهو حركة تعاوُنية نشأت في 1844 لأغراض اجتماعية واقتصادية، وقد أحدثت بالفعل علامة فارقة في مجال الاعتماد على التعاون لإنشاء شركات تجارية في مختلف القطاعات.
يمكن للنموذج السوري البسيط أن يتحول لشركات تعاونية بحيث يدفع كل عضو مبلغاً من المال لتأسيس مشروع من نوع ما كسوبر ماركت مثلاً، وتكون هذه المبالغ صغيرة بحيث يحصل على خصومات مقابل هذه المساهمة، هنا يحصل الشخص على أغراضه اليومية بأسعار مخفضة، ويستفيد في نهاية العام في حال حصل السوبر ماركت على أرباح نتيجة عمليات البيع للزبائن من خارج المؤسِّسين.
فسواءً كان السوريون في شمالي سورية أم في تركيا أم لبنان أم أي مكان آخر فإن فكرة التعاونيات قابلة للتطبيق والرواج وستُسهم هذه التعاونيات في تعزيز الروابط الاجتماعية بينهم بسبب اجتماعهم لتحقيق أهداف مشتركة تتمثل بتأسيس الشركة، وكذلك تُسهم في تحسين مستوى حياتهم عن طريق الحصول على احتياجاتهم بأسعار مخفضة وأن تنعكس الأرباح على دخلهم في النهاية.
ويمكن أن تكون مساهمات الأشخاص بسيطة بحيث يتم دفع 10 دولارات أو مئة ليرة تركية شهرياً عن كل شخص وبما يضمن وجود عدد كبير من المشتركين الحريصين على اختيار إدارة جيدة ودفع المشروع نحو الأمام بالترويج له بين معارفهم، وهكذا يمكن للمشروع أن يقف على قدميْهِ ويقدِّم للمشتركين خصومات ومزايا غير مسبوقة.
كما ستُسهم الاجتماعات السنوية أو نصف السنوية بتآلُف أكبر ونقاش لأوضاع السوريين في مناطق النزوح والمَهجَر، مما يُحفِّز على إنشاء مُبادَرات أخرى لتطوير مختلف القضايا التي يمرون بها.