مترجم – التيلغراف
كشف تحليل لصحيفة "تيلغراف" البريطانية عن ارتفاع حادّ في عدد الهجمات على السفن منذ عام 2019، وسط تحذيرات من تزايد خطر اندلاع حرب مفتوحة أكبر.
وكان الهجوم على السفينة "ميرسر ستريت" هو الأحدث في سلسلة انفجارات استهدفت سفن الشحن الإسرائيلية والإيرانية على حدٍ سواء.
حيث تعرّضت 20 سفينة مدنية على الأقل للهجوم بواسطة ألغام وطائرات بدون طيار وقوات "كوماندوز" في "الحرب الخفيّة" المتصاعدة بشكل متسارع بين إيران وإسرائيل.
وتؤكد الصحيفة أن الهجمات على ناقلات النفط وسفن الشحن والسفن الأخرى تصاعدت بشكل حادّ خلال الأشهر الستة الماضية، ويخشى خبراء في صناعة الشحن والأمن أن يؤدي صراع بحري غير معلن إلى زعزعة استقرار بعض أكثر طرق التجارة ازدحاماً في العالم.
وخلال الأسبوع الماضي تحوّلت "الحرب الخفيّة" إلى معركة مميتة للمرة الأولى عندما قتلت طائرة بدون طيار يُشتبه بأنها إيرانية من طراز "كاميكازي" مواطناً بريطانياً يدعى أدريان أندروود وآخر رومانياً -لم يُحدَّد اسمه- وهو القبطان لسفينة "ميرسر ستريت".
إنّ الحرب الخفيّة، كما يوحي اسمها، يكتنفها الغموض ولم يعترف بها القادة الإسرائيليون والإيرانيون حتى الآن، لكن يبدو أنها بدأت بشكل جدّي في 2 أيار/ مايو 2019، في مكان ليس ببعيد عن ساحل البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية.
وقد قالت السلطات السعودية إن الناقلة الإيرانية "هابينيس 1'' فقدت السيطرة فجأة على محركها وتُركت على مسافة 70 ميلاً بحرياً تنجرف جنوب غربي جدة.
منذ ذلك الحين، تعرّضت سفن أخرى مرتبطة بإيران أو إسرائيل للقصف بالصواريخ، أو تعرّضت للهجوم بألغام بحريّة، أو سقطت ضحية انفجارات غامضة بوتيرة متزايدة.
ففي عام 2019، كانت هناك ثلاثة تقارير عن هجمات على سفن مرتبطة بإسرائيل أو إيران، على الرغم من أن تفاصيل الحادث كانت ضئيلة في ذلك الحين، كما تعرّضت السفن الإيرانية في عام 2020 للهجوم ست مرات على الأقل.
ويضيف التحليل أن عدد الحوادث ارتفع منذ شباط/ فبراير من هذا العام، عندما اتّهمت إسرائيل الناقلة "إميرالد" بتنفيذ "هجوم إرهابي بيئي" من خلال سكب النفط بشكل متعمد وغير قانوني ما أدى إلى غمر 100 ميل من الشواطئ الإسرائيلية في قطران كثيف.
وقال محسن باهارفاند سفير إيران في لندن الأسبوع الماضي، إن 11 هجوماً إسرائيلياً طال سفن شحن إيرانية هذا العام، حيث يُشتبه أن الأعمال التخريبية الإسرائيلية أدّت في حزيران/ يونيو إلى إغراق سفينة "خرج"، وهي أكبر سفينة بحرية إيرانية.
وتمّ الإعلان عن ثلاث هجمات على سفينة الشحن "شهر إي كورد" والهجوم المزعوم على سفينة الشحن الاستخباراتية "سافيز" والناقلة "ويزدوم"، كما تعرّضت أربع سفن مرتبطة بإسرائيل، بما في ذلك "ميرسر ستريت"، للقصف في نفس الفترة.
وترى الـ"تيلغراف" أن الحرب السرّية في المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، هي مجرد جبهة واحدة في صراع أوسع يتم خوضه مع الطائرات بدون طيار والجواسيس والهجمات السيبرانية من كلا الجانبين.
وتقول مصادر مطّلعة على الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل، إنها تبنّت نهجاً غير متكافئ حيث يمكن أن تتم مواجهة ضربة إيرانية على سفينة بهجوم إلكتروني على بنيتها التحتية.
ففي أيار/ مايو 2020، أدّى هجوم إلكتروني على ميناء "الشهيد رجائي" الإيراني إلى إغراق ممرات الشحن في حالة من الفوضى.
وبالنسبة لإيران، توفّر المواجهة في أعالي البحار طريقة منخفضة المخاطر نسبياً وشديدة الأهمية للرد على الهجمات الأخرى عندما تشعر أنها يجب أن تؤكد الردع.
وقد جاء التسرب النفطي في شباط/فبراير بعد أسابيع فقط من اغتيال عالم نووي إيراني بارز بالقرب من طهران، كما كانت الضربة الصاروخية على "هايبريون راي"، حاملة المركبات التجارية المملوكة لإسرائيل بالقرب من ميناء "الفجيرة" الإماراتي، بعد يوم واحد فقط من اتهام إيران لـ"المخربين" الإسرائيليين بتنفيذ انفجار هائل في منشأة "نطنز" النووية في 12 نيسان/ أبريل الماضي، وكانت السفينة الأخرى، "هيليوس راي"، قد تعرضت للانفجارات في خليج عمان قبل شهر من ذلك التوقيت.
وتسبب الهجوم على سفينة الشحن الإسرائيلية "هيليوس راي" في بحر العرب في آذار/ مارس الماضي، بحفر ثقوب كبيرة فوق خط الماء مباشرة.
وتؤكد الصحيفة أن مثل هذا السلوك لم يكن هو الذي أشعل "الحرب الخفيّة" الحالية، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب التمييز بين الصراع البحري الإيراني – الإسرائيلي وحوادث أخرى.
وتقول "ميشيل وايز بوكمان" من صحيفة "لويدز"، في إشارة إلى الاستيلاء على ناقلات النفط الإيرانية والبريطانية في عام 2019 ، إنه كانت هناك ضربات انتقامية على أحداث جيوسياسية أخرى، حيث نتذكر جيداً كيف استولوا على ناقلة النفط "ستينا إمبيرو"، التي ترفع العلم البريطاني، بالقرب من مضيق "هرمز" عقب مشاركة قوات بريطانية في احتجاز ناقلة النفط الإيرانية "غريس 1" في منطقة جبل طارق.
وتضيف "بوكمان": "أعتقد أنهم يرون أن هذا وسيلة ضغط، ففي عام 2019، تم الاستيلاء على سفينة كورية جنوبية كوسيلة لرفع القيود عن بعض الأموال التي تم تجميدها في حساب مصرفي، لأن حوالي 20% من نفط العالم يمر عبر مضيق "هرمز" يومياً، ويعد الوصول إلى سفن الشحن وسيلة جيدة لإجبار العالم على الاهتمام بقضاياك وأخذ مطالبك على محمل الجد".
وقالت "بوكمان": "فكل ناقلة نفط تحمل حوالي 80 مليون برميل، ولنفترض أن سعر النفط الخام 75 دولاراً للبرميل الواحد فأنت تتحدث، عن أموال ضخمة، بالإضافة لمليارات الدولارات من التجارة، لذا سوف تجذب انتباه الجميع بهذه الطريقة".
يبدو أن الهجمات السابقة، سواء كانت عن طريق الألغام أو الطائرات بدون طيار أو العبوات الناسفة المزروعة على ما يبدو في البضائع، مصممة لإثارة الاهتمام دون قتل أي شخص في الواقع.
لكن الطائرة بدون طيار "كاميكازي" التي ضربت السفينة التجارية "ميرسر ستريت" المرتبطة بإسرائيل اتجهت مباشرة إلى مقرّات المعيشة داخل السفينة.
وقد دفع وقوع القتيلين (البريطاني والروماني) كلا الدولتين من حلف "الناتو"، إلى المواجهة، فلقد سعتا لممارسة الضغط الدبلوماسي على إيران مع تجنب التورط في الحرب الخفيّة نفسها.
ويعتقد معظم المحللين أنه لم يكن المقصود إيقاع قتلى ولكن الحادث أظهر أيضاً تهوراً كبيراً، كما أن الطاقم كان يضمّ مواطنين من الصين وروسيا، أهم حلفاء إيران، ولو قُتل أحدهم، لكان من الممكن أن يتسبب ذلك في مشاكل أكثر خطورة لطهران.
وقال مونرو أندرسون، الشريك في شركة "درياد جلوبال" للاستشارات الأمنية: "كان هناك نقص مقلق في العناية الأساسية من جانب إيران، مما يشير إلى نقص الاحتراف، لقد كان ذلك مذهلاً حقاً".