المصدر: تي. آر. تي. وورلد
ترجمة: عبدالحميد فحام
لقد أدلى جميل بايق، المُدرَج على قائمة المطلوبين الأمريكيين، مؤخراً بتصريحات حول العلاقات التاريخية والقوية لحزب العمال الكردستاني مع نظام الأسد ودعا إلى اتفاق بين النظام ووحدات حماية الشعب. إن هذه الملاحظات لا تتعلّق بسياسات سورية فحسب، بل تفتح بُعداً جديداً للتنافس الداخلي داخل حزب العمال الكردستاني.
فبعد الفوز في معارك داخلية عديدة، يؤكد الجيل القديم من حزب العمال الكردستاني في "جبل قنديل" هيمنته على الجيل الجديد الموجود في سورية. لذا فإن هذا التنافس داخل قيادة حزب العمال الكردستاني مهم، وقد يُسهم في تشكيل الحرب على الإرهاب في المنطقة وكذلك في تشكيل مستقبل سورية.
لقد قلّصت القيادة الموجودة في "جبال قنديل"، لفترة طويلة وبشكل منهجي دور مظلوم عبدي، الابن بالتبني لعبد الله أوجلان والقائد العامّ لقوات سورية الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب.
وبعد سنوات من العمل في حزب العمال الكردستاني، تم إرسال مظلوم عبدي إلى سورية من قِبل قيادة "قنديل" لقيادة وحدات حماية الشعب وتنظيم الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني.
وفي عام 2014، بدأ فصل جديد عندما قررت الولايات المتحدة مساعدة ودعم وحدات حماية الشعب. ومنذ ذلك الحين، نمت وحدات حماية الشعب من حيث القدرات والنفوذ والقوى البشرية ورأس المال والسيطرة الإقليمية والشهرة والشرعية الدولية.
فمن جهة، تلقَّى مظلوم عبدي مكالمات هاتفية وعقد اجتماعات افتراضية مع قادة أجانب. وكثيراً ما قامت الممثلة السياسية العليا لوحدات حماية الشعب، إلهام أحمد، وهي من المخضرمين في حزب العمال الكردستاني، بزيارة العواصم الغربية والروسية.
وعلى الجانب الآخر، استمرت قيادة قنديل في العيش في الجبال غائبة عن المسرح الدولي. وعِلاوة على ذلك، أعلنت الولايات المتحدة مكافأة للإبلاغ عن ثلاث شخصيات بارزة في حزب العمال الكردستاني.
إن هذه الديناميكية الجديدة فتحت الطريق أمام مظلوم عبدي وإلهام أحمد لإبراز نفسيهما داخل الطيف الواسع ضِمن حزب العمال الكردستاني كقادة "كاريزميين" بديلين ضد دوران كالكان وجميل بايق ومراد قرايلان.
وبينما يشير مظلوم عبدي وإلهام أحمد إلى إنجازاتهما فيما يتعلق بالشهرة الدولية والسيطرة على الأراضي وتنفيذهما لأيديولوجية عبد الله أوجلان، تتهم قيادة "قنديل" مظلوم عبدي بالانحراف عن أيديولوجية حزب العمال الكردستاني والتحوّل إلى "كلب أمريكي".
وبهذه الطريقة، بدأت المعركة الرئيسية للسيطرة على إستراتيجية حزب العمال الكردستاني وأجندته المستقبلية عندما اقترح مظلوم عبدي حواراً بين الأكراد مع الائتلاف الوطني الكردي. حيث إن الائتلاف الوطني الكردي هو ائتلاف بين أحزاب هي من أقوى الأحزاب السياسية الكردية في سورية ويمثل غالبية الأكراد السوريين. وقد تم نفي فرعهم المسلح، بيشمركة روج، من قِبل وحدات حماية الشعب إلى شمال العراق. ففي شمال العراق، تدعم الحكومة الإقليمية الكردية وتستخدم روج البيشمركة ضد "داعش" وحزب العمال الكردستاني.
ولقد تم الترحيب بفكرة الحوار بين الأكراد في واشنطن وبضغط أمريكي مُكثّف وافق الائتلاف الوطني الكردي على الحوار بين الأكراد على الرغم من أن معظم أعضائه وقادته قد تم قتلهم أو اعتقالهم أو تعذيبهم أو نفيهم على يد وحدات حماية الشعب في الماضي.
وما إن بدأت المحادثات، قامت قيادة "قنديل" بفاعلية بتخريب المفاوضات من خلال رَجُلها المُخلص في سورية، ألدار خليل، الذي مثّل وحدات حماية الشعب خلال المفاوضات. ومن وجهة نظر قيادة "قنديل"، فإن الائتلاف الوطني الكردي هو فرع سوري من حزب بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يكرهه حزب العمال الكردستاني.
وقد تعاون الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات البشمركة مراراً وتكراراً مع القوات المسلحة التركية ضد حزب العمال الكردستاني وطالبا حزب العمال الكردستاني بمغادرة الأراضي التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان.
بعد هذا النجاح الأولي، أعربت قيادة "قنديل" عن رفضها لصفقة النفط مع الولايات المتحدة لأنها تعلم أنها ستنسف علاقات حزب العمال الكردستاني مع إيران، فقيادة "قنديل" تعتمد على إيران في بقائها. وهنا مرة أخرى، عندما أنهى بايدن التنازل عن شركة Delta Crescent Energy لإنتاج وتصدير النفط في سورية، حققت قيادة "قنديل" فوزاً آخر.
ومن ناحية أخرى، حاول مظلوم عبدي تحقيق التوازن بين شبكة الولايات المتحدة وحزب العمال الكردستاني.
فهو يحتاج إلى الدعم من جبال "قنديل" ليكون قادراً على فعل أي شيء، لكنه يحتاج أيضاً إلى دعم أمريكي ليثبت نفسه كزعيم جديد لحزب العمال الكردستاني ويصبح الرجل الذي طبق أيديولوجية عبد الله أوجلان.
ولتأكيد التزامه بحزب العمال الكردستاني، طالب مظلوم عبدي علناً بالإفراج عن عبد الله أوجلان. ولتجنُّب الكثير من الانتقادات الدولية، فعل ذلك باللغة الكردية فقط.
ولقد أرسلت قيادة "قنديل" صوفي نور الدين إلى سورية، أحد كبار قدامى حزب العمال الكردستاني ورئيس حزب العمال الكردستاني في سورية بين عامَيْ 2013 و2015.
ومن خلال ذلك، كانت قيادة "قنديل" تهدف إلى إنهاء تحدّي مظلوم عبدي لهم. وخلال أشهر قليلة، قام صوفي نور الدين بكسر هيكل القيادة للوحدات المسلحة والسياسية لوحدات حماية الشعب وأضعف مظلوم عبدي من الداخل.
لقد عادت عدة كتل إلى سيطرة قيادة "قنديل". وعند رؤية ذلك، حاول عبدي عقد صفقة مع قيادة "قنديل". وبعد أن أحرزت مفاوضاته مع صوفي نور الدين بعض التقدم، عاد صوفي نور الدين إلى العراق لمناقشة النتيجة الأخيرة مع قيادة "قنديل". وقبل أن يتبادل الآراء بشأن التقدم في إعادة السيطرة على مظلوم عبدي، قتلته المخابرات التركية.
وبعد وفاة صوفي نور الدين، نشرت قيادة "قنديل" شائعات بأنهم سيستبدلون مظلوم عبدي بمحمود برخدان. وفي أشهر ظهور إعلامي له، قال محمود برخدان: إن وحدات حماية الشعب الكردية لن تقف مكتوفة الأيدي بينما البشمركة الكردية تهاجم حزب العمال الكردستاني. ومن أجل التحكم بالأضرار، أعلن مظلوم عبدي أن وحدات حماية الشعب لن تشكل تهديداً لأي من جيرانها. ومع ذلك، تمكنت قيادة "قنديل" من تأكيد هيمنتها وسيطرتها حيث تقول الشائعات الكردية إن حزب العمال الكردستاني عين حراساً جدداً لمظلوم عبدي لإبقائه تحت المراقبة على مدار 24 ساعة.
إن قيادة "قنديل" بعد أن تخلصت بحكم الأمر الواقع من تهديد مظلوم عبدي لموقعهم القيادي، ينبغي النظر إلى التصريحات الأخيرة التي تدعو إلى علاقات جيدة مع الأسد والحاجة إلى اتفاق على أنها محاولة لتقويض إلهام أحمد.
فمن المعروف أن إلهام أحمد ترى مستقبل وحدات حماية الشعب في تحالُف مع الولايات المتحدة، لكن قيادة "قنديل" تعتقد أنه ليس الولايات المتحدة، بل نظام الأسد، هو القادر على تزويد وحدات حماية الشعب بالوضع القانوني الذي تتوق إليه.
وعِلاوة على ذلك، تعلم قيادة "قنديل" أن صفقة مع نظام الأسد ستضعهم على طاولة المفاوضات بينما اتِّباعهم نهجاً عَبْر الولايات المتحدة من شأنه أن يُسهم في تهميشهم.
ولذلك، قد لا يكون التحرك العامّ من قِبل جميل بايق لسياسة موالية للأسد مدفوعاً بالحسابات الجيوسياسية فحسب، بل بالمصالح الشخصية والفئوية.